علي حيدر – الأخبار
مرة تلو أخرى، يخترق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الوعي الجمعي لمجتمع كيان العدو، ويحضر بقوة على جدول اهتمامات الرأي العام الإسرائيلي. فبعد الدعوات المتكررة التي تؤكد ضرورة اغتياله، والتحذير المتواصل من مفاعيل خطاباته التي تتحول «نصف جملة منها إلى عناوين رئيسية في إسرائيل»، عرضت قناة «كان»، في التلفزيون الإسرائيلي، برنامجاً يسلّط الضوء على مزاياه القيادية، ومستوى الخطورة التي تجسدها قيادته للمقاومة على الكيان الإسرائيلي. الحلقة التي استمرت نحو 50 دقيقة تضمّنت مقابلات مع رؤساء حكومات ورؤساء أركان سابقين وباحثين في شؤون الاستخبارات وقادة عسكريين، في مهمة عنوانها «فك شيفرة نصر الله»، بدا في ختامها أن الأمين العام لحزب الله هو من نجح في «فك شيفرة إسرائيل».
ومع أن إسرائيل حرصت، منذ ما بعد عدوان 2006، على محاولة احتواء تأثيرات نصر الله على المؤسسة والمجتمع في اسرائيل، إلا أنه، بعد مضي 12 عاماً، لا يزال حاضراً على ألسنة ألدّ أعدائه، الذين عبَّروا بأساليب مختلفة عن مستوى الخطورة التي يشكلها نجاح حزب الله في ظل قيادته، حتى بات «العدو القاسي» و«التهديد الأشد» الذي لا عدو مثله يشغل الجمهور في إسرائيل، و«حظي باهتمام لدينا لم يحظ به أي زعيم عربي. نحن الإسرائيليين نصغي إليه ونصدقه، وهو يعلم هذا ويستغله على نحو ممتاز لزرع الخشية فينا إلى حد الرعب». الإقرار بعمق معرفة السيد نصر الله وخبرته بإسرائيل، كان الأكثر حضوراً في البرنامج، وبتعابير متفاوتة، على ألسنة المسؤولين والقادة العسكريين والخبراء والمعلقين. وهو ما يعكس حقيقة تدركها إسرائيل أكثر من غيرها، أن انتصار حزب الله عليها، رغم ما تتمتع به من قدرات استراتيجية ودعم دولي وتخاذل عربي، يحتاج إلى كفاءات استثنائية على المستويين الاستراتيجي والسياسي لا تقلّ عن الحاجة للقدرات العسكرية والاستعداد للتضحية.
ولم يكن بالإمكان لهذه الحلقة أن تؤدي مهمتها من دون حضور شخصيتين أساسيتين في الهرم القيادي الإسرائيلي، الأولى إيهود أولمرت الذي تلقت إسرائيل هزيمة قاسية في ظل رئاسته الحكومة خلال حرب 2006، والثاني إيهود باراك الذي اندحر جيش الاحتلال من أغلب الأراضي اللبنانية أثناء توليه رئاسة الحكومة خلال تحرير عام 2000.
أقرّ أولمرت بأن «حزب الله، برئاسة نصر الله، يعرف جيداً كيفية التعامل مع أعدائه». ولم يُخفِ، بصريح العبارة، مؤكداً أنه لا يستطيع نفي «إحباط إسرائيل من فشل الجيش في استهداف قيادة حزب الله أثناء الحرب، رغم أنها أرادت ذلك»، لافتاً إلى «أننا اعتقدنا بوجوده في مكان معيّن في منطقة الضاحية، والحقيقة أننا لم نجده هناك». وعن تأثيره المعنوي والسياسي، على الرأي العام الإسرائيلي، أوضح رئيس وزراء الحرب على لبنان، «بنسبة كبيرة، سقطنا في فخه الإعلامي، كنا نبثّ بشكل حيّ خطابات نصر الله كأنه تقريباً خطاب وزير خارجية إسرائيل أو وزير الأمن أو رئيس الحكومة، وسمحنا له بزرع الشعور بالشك لدى الكثيرين من الجمهور الإسرائيلي».
في المقابل، لم يكن مفاجئاً أن يصف إيهود باراك السيد نصر الله بأنه «من دون شك، يمثل بالنسبة إلى إسرائيل نموذجاً آخر من الأعداء» وهو الذي خبِر قيادته وإدارته للمعركة ضد إسرائيل من موقعه في مناصب متعددة خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي للحزام الأمني، بدءاً من توليه قيادة أركان الجيش (1991 – 1995)، ومن ثم تعيينه وزيراً في الحكومة (خلال عدوان عناقيد الغضب)، وصولاً إلى رئاسة الحكومة. ومن هنا كان وصفه للسيد نصر الله بالقائد «الأصيل»، وعلى هذه الخلفية أيضاً أتى تحذيره من «الاستخفاف به، فهو يتمتع بموهبة سياسية جديرة».
على خطٍّ موازٍ، أتى إقرار رئيس الأركان السابق موشيه يعلون بوصف نصر الله بأنه «ليس شخصاً يعتمد فقط على مستشارين». ومن موقع معرفته به كرئيس للاستخبارات العسكرية (1995 – 1998)، خلال فترة الاحتلال للحزام الأمني، لفت يعلون إلى أنه «بالتأكيد، عندما كنا في الحزام الأمني فهمنا أنه عدو يفهمنا أكثر من الآخرين، ذكي، يعرف الاستغلال لإيجابياته وسلبياتنا، ويعمل بطريقة تستحق التقدير». واللافت أن من خلفه في منصب رئاسة الاستخبارات العسكرية، «أمان»، اللواء عاموس مالكا (1998 – 2001)، سبق أن عبّر أيضاً عن نظرته إلى كفاءات السيد نصر الله بالقول: «أنا مضطر إلى القول إن الشكل الذي يدير من خلاله تنظيمه يجذبني، فهو ينطوي على الدمج بين التفكير الاستراتيجي، والسيطرة الكاملة، والعمل التكتيكي، واستغلال العامل النفسي. إنه شخصية تجذب كل رجل مخابرات بشكل مطلق. أشعر بأنني أفهم مركبات كثيرة لديه، لكن تواضعي الاستخباري لا يسمح لي بالقول إنني أعرفه سابقاً، ولأول وهلة». (في مقابلة مع يديعوت أحرونوت/ 26/9/2001).
إلى ذلك، تقاطعت أيضاً مواقف القادة العسكريين والخبراء والمعلقين وآراؤهم، على عمق معرفة نصر الله بإسرائيل، فرأى رئيس «ساحة الإرهاب» في شعبة العمليات، العقيد رونين كوهين أنْ «ليس هناك من درس العدو كما هو (نصر الله) درسنا… لأنك إذا أردت الانتصار، فعليك معرفة نقاط الضعف ودراسته من كل الجوانب». ومن موقع المتخصص، تابع كوهين: «كل خطاب له جمهور – هدف، وكل جمهور هدف، له رسالة، فهو يقول لإسرائيل ما يجب أن يقال لها، ولمقاتليه ما يجب، وللساحة اللبنانية كذلك». وهو ما التقى به أيضاً مع قائد الفيلق الشمالي السابق اللواء أيال بن رؤوبين بوصف السيد نصر الله بأنه «رجل كتاب (مثقف) ويدرسنا ويعرفنا». من جهته، رأى النائب السابق لقائد الفيلق الشمالي، تشيكو تامير، أن «حزب الله هو من كتب الكثير من أساليب القتال الحديثة».
هكذا بدت الحلقة التي انطوت على إقرار مُفصَّل بكفاءة حزب الله في اختراق «العقل الإسرائيلي» ومواجهته، أقرب إلى المرافعة التي تكشف عن مدى إلحاح إسرائيل في بذل مساعيها للتخلص من قائده.