صحيفة الجمهورية
تصدّرت محادثات مساعد وزير الخارجية الاميركي ديفيد ساترفيلد في لبنان واجهة الإهتمامات الداخلية لِما طرحته من تساؤلات حول أبعادها ومراميها، خصوصاً انها جاءت مع بداية انطلاقة الحكومة وما يرافقها من خلافات بدأت تدور حول مجموعة ملفات حساسة داخلية وأخرى تتصل بالأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية اللتين تشهدان تطورات متلاحقة على مختلف الجبهات في لبنان والمنطقة. واتّضح انّ ساترفيلد مَهّد في جانب من محادثاته لزيارة سيقوم بها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو للبنان. وقد اعلن بومبيو ليل أمس أنّه سيزور بيروت منتصف شهر آذار الجاري، وذلك ضمن جولة في المنطقة تقوده إلى إسرائيل والكويت وفق ما قال أمس في ولاية «أيوا». وقالت صحيفة «ذا ناشيونال» إنّ من المتوقع أن يؤكّد بومبيو مجدداً دعم الولايات المتحدة لمؤسسات الدولة اللبنانية، بما في ذلك الجيش اللبناني، وإن من بين القضايا المتوقع ان يطرحها خلال الزيارة التي تعتبر الأولى له إلى لبنان منذ توليه منصبه في نيسان الماضي، تدهور الوضع الإقتصادي في لبنان، ووضع اللاجئين والعلاقات مع دمشق.
قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ ساترفيلد «كان في لقاءاته صريحاً وواضحاً، وتحدّث بلا قفازات في بعض لقاءاته معبّراً عن حجم المراقبة التي تمارسها بلاده إزاء كل النشاطات السياسية والحكومية تحديداً، بغية التثبّت من عدم تورّط أي قوى خارجية في الحياة السياسية اللبنانية من باب العقوبات المفروضة على ايران و«حزب الله».
وشدّد ساترفيلد في لقائه مع وزير الخارجية جبران باسيل على أهمية ممارسة سياسة «النأي بالنفس» وعدم زَج لبنان في آتون أزمات المنطقة ولاسيما منها الأزمة السورية، في إشارة واضحة الى بعض التوجهات التي تؤيد التدخل في الشؤون السورية الداخلية في ضوء مواقف يُعلنها «حزب الله» وبعض القيادات اللبنانية الحليفة لسوريا وايران.
وأكد رفضه أي محاولة تؤدي لاستدراج السوريين الى الأزمة اللبنانية. وإذا لم يُشر ساترفيلد بالإسم الى «حزب الله» والعقوبات الاميركية المفروضة عليه، قال انّ واشنطن «تراقب بقوة الأداء الحكومي منعاً لأي خروق في أي اتجاه».
وكان ساترفيلد التقى امس، الى الحريري، رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميّل، ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط. وهو كان التقى مساء الاثنين على عشاء بعيد من الاضواء، دعاه إليه مستشار رئيس حزب «القوات اللبنانية» للعلاقات الخارجية إيلي خوري، وزراء «القوات» الأربعة غسان حاصباني، ريتشارد قيومجيان، مي شدياق، كميل بو سليمان، إضافة الى الوزيرة فيوليت الصفدي وشخصيات.
وأكد قيومجيان لـ«الجمهورية» أنّ اللقاء كان اجتماعياً – سياسياً، وقد حضرت كل الملفات خلاله وأبرزها الوضع في المنطقة عموماً، وفي سوريا خصوصاً، والوضع الداخلي بكل تشعّباته إضافة الى الوضع الإقتصادي».
ولفت الى أنّ «ساترفيلد كان مستمعاً، وأراد التعرّف الى الوزراء الجدد وتبادل الأفكار معهم، وإستغلّينا المناسبة وقدمنا له خطة «القوات» لعودة النازحين السوريين التي أعلنت عنها، وشدّدنا أمامه على ضرورة تدخّل واشنطن لإعادة النازحين، وعلى الدور الذي يجب أن تؤدّيه الأمم المتحدة في هذا الشان، وقدّ أكّد انّ بلاده مهتمة بمساعدة لبنان».
وأوضح قيومجيان أنّ «التواصل مع ساترفيلد هو في سياق التواصل مع كل مبعوث يأتي الى لبنان، خصوصاً انّ «القوات» هي قوة سيادية بامتياز، وكذلك إصلاحيّة. وقد ركّز ساترفيلد على ضرورة أن تنجح الحكومة الجديدة في مهماتها، وتجري الاصلاحات الضرورية اللازمة وتنقذ الوضع الإقتصادي. كذلك أكّد موقف بلاده الداعم للدولة اللبنانية والجيش اللبناني، وأنها تقوم بكل ما بوسعها من أجل مساعدة لبنان على النهوض من أزماته.
وأشار الى أنّ «الموقف الأميركي لم يتغيّر بالنسبة الى إيران و«حزب الله» ويأتي في سياق الموقف الذي أبلغته السفيرة الاميركية إليزبيت ريتشار الى الرئيس سعد الحريري».
الجلسة التشريعية
الى ذلك، تنعقد اليوم أول جلسة تشريعية بعد نيل الحكومة الثقة ويتصدر جدول أعمالها بند انتخاب اعضاء المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ولن تخلو المداخلات فيها من قضايا الفساد والنازحين السوريين والاوضاع الاقتصادية والمالية والكهرباء والنفايات، وهي قضايا يدور حولها سجال بين مختلف الافرقاء السياسيين لِما بلغته من خطورة باتت تستدعي معالجات لمنع الانهيار.
بري
وعشيّة الجلسة التي تستمر يومين، قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري لـ«الجمهورية»، بعد عودته أمس من الاردن، انه سيطرح خلالها أسماء 7 نواب لعضوية المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، تم اختيارهم وفق معيار التمثيل السياسي للكتل النيابية لا التمثيل الطائفي المحض، «فإذا جرى التوافق على تلك الاسماء يتم إقرارها، وإذا حصل خلاف حولها نلجأ الى خيار الانتخاب».
ولفت بري الى انه تبلّغ أسماء القضاة الثمانية الذين سينضمّون الى المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مشدداً على انّ من واجب المجلس النيابي ان يثبت صدقيته وجديته في ملاحقة الفاسدين، عبر تسهيل إحالة اي متهم بارتكابات الى تلك المحكمة.
واعتبر بري انّ وضع البلد لم يعد يتحمّل المزيد من الهدر والسرقات، «ويُفترض اننا لا نحتاج الى دروس من أي سفير حتى نعرف خطورة الواقع الذي وصلنا اليه، ونتحسّس مسؤولياتنا حياله»، مشدداً على انه لا ينبغي التراجع امام الحصانات الطائفية والمذهبية التي يجب ان تسقط وتتهاوى امام أي ملف فساد مُحكم ومُحصّن بالأدلة الكافية لإدانة المرتكب.
الى ذلك لن يغيب ملف الفساد عن خطاب سيلقيه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في ذكرى تأسيس «هيئة دعم المقاومة الإسلامية»، وذلك عند الثالثة بعد ظهر الجمعة المقبل، في الرويس – مجمع سيد الشهداء.
السرية والحصانة
واستمر أمس طرح المبادرات لمكافحة الفساد، فأعلن الوزير جبران باسيل، بعد اجتماع تكتل «لبنان القوي» أمس، «اننا نطرح قوانين لتكون بمثابة الذراع القوي لمكافحة الفساد، وهي قانون رفع السرية المصرفية وقانون رفع الحصانة وقانون استعادة الاموال المنهوبة».
وقال: «نحن امام ورشة تشريعية، والقانون الاول الذي نقترحه هو قانون رفع السرية المصرفية الذي وقّعه 10 نواب من التكتل»، موضحاً أنّ «هذا الاقتراح لا يشمل جميع الناس إنما هو محصور بمَن يتولّون الشأن العام من رأس الهرم الى أسفله. ويسري على المعنيين طوال فترة وجودهم في وظيفتهم ولمدة 5 سنوات بعد خروجهم من موقعهم، كذلك يضم اقتراح القانون آليّة للمحاسبة على جرائم تبييض الاموال».
«المستقبل»
ومن جهتها، دعت كتلة «المستقبل»، بعد اجتماعها أمس، الى «الكف عن السياسات الكيدية، ومقاربة الاختلافات في وجهات النظر من منطلق الحرص على المصلحة الوطنية، وتجنيب البلاد المزيد من التخبّط في السجالات والمعارك التي لا طائل منها».
وأعلنت انها «تضع في اولويات عملها الخط البياني الذي حدده الرئيس سعد الحريري، وهو حماية الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي في البلاد والابتعاد عن سياسات المحاور وتوريط لبنان في نزاعات تُسيء لدوره ومصالحه وعلاقاته، وهي لن تتأخر عن أي جهد أو حوار من شأنه تعزيز حلقات التلاقي والتعاون ووقف مسلسل التوتير السياسي المتنقّل من جبهة الى أخرى».
الحسابات جاهزة
وعلى الصعيد المالي، وبعد الجدل والتجاذبات التي أثيرت حول وجود خلل في الحسابات المالية العامة في سنوات سابقة، والتي أثارها عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله، ورَدّ الرئيس فؤاد السنيورة عليه، ما أحدثَ اصطفافات سياسية وربما مذهبية، حَسم وزير المال علي حسن خليل أمس الموضوع بالاعلان عن إنجاز قطع الحسابات المالية لكل السنوات من العام 1993 حتى 2017، ورفعها الى ديوان المحاسبة، «لإجراء اللازم وفق الأصول، مع المستندات».
ورفض خليل الدخول في تفاصيل الارقام والنتائج التي بَلورها إنجاز الحسابات، لكنه أشار الى أمر حسّاس له دلالته، عندما أكد «ان لا حسابات ضائعة، بل هناك فجوات في الحسابات تمّت معالجتها بتقارير».
وبالتالي، اعتبر انّ على أجهزة الرقابة ومجلس النواب والحكومة تحديد طريقة التعامل مع هذا الواقع. واستنتج خبراء من كلام خليل «انّ التجاذب في موضوع الحسابات المالية العمومية سيبقى مفتوحاً على الأخذ والرد والاجتهاد».
الماني وبريطاني
من جهة ثانية، وفي اطار الحراك الدولي الذي يشهده لبنان، وصل أمس نائب وزير الخارجية الألمانية نيلس أنين في زيارة ليومين، وسيلتقي تباعاً اليوم كلّاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري وباسيل.
وقالت مصادر ديبلوماسية انّ أنين يهدف من زيارته الى استطلاع الوضع اللبناني عشيّة مؤتمر بروكسل المتعلق بملف النازحين، الذي سينعقد الأسبوع المقبل.
وقبَيل وصوله قال أنين في بيان رسمي له: «انّ لبنان يمثل نموذجاً للتعدد والتعايش في العالم العربي، وهذا التعايش فرضَ نفسه على رغم من النزاعات الدائرة في المنطقة، وخصوصاً في سوريا المجاورة. عبر التزامنا الحثيث، نقف مع لبنان وندعمه في مسيرته للإصلاح الاقتصادي والتزامه سياسة النأي بالنفس عن النزاعات الإقليمية».
كذلك يصل الى بيروت في الساعات المقبلة وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط آلستر بيرت، ويلتقي عون والحريري وباسيل.
هولاند في المختارة
الى ذلك، يزور الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند لبنان اليوم، للمشاركة في ندوة ينظّمها قسم التاريخ والعلاقات الدولية في الجامعة اليسوعية مساء اليوم تحت عنوان: «24 ساعة من حياة الرئيس هولاند». قبل أن يكرّمه جنبلاط في لقاء يقيمه على شرفه في المختارة.