جوني منيّر – الجمهورية
قبل يومين على انعقاد أولى جلسات الحكومة، زارت السفيرة الاميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد الرئيس سعد الحريري في السراي الحكومي حيث قرأت موقف وزارة الخارجية الأميركية، وحرصت على أن لا تخرُج ابداً عن النص المكتوب.
في زيارة ريتشارد ثلاثة مؤشرات:
ـ الاول، التوقيت الذي خضع لمرحلة ما بعد تأليف الحكومة وإقرار البيان الوزاري، وما قبل انعقاد اولى جلسات الحكومة. ما يعني أنّ واشنطن كانت تريد حصول الولادة الحكومية ولو أنها لمّحت من خلال سفيرتها في لبنان يومها ببعض المطالب التي أُبلغت الى رئيسَي الجمهورية والحكومة والتي اثمرت تسمية «حزب الله» شخصية غير حزبية على رأس وزارة الصحة.
ـ الثاني: إصطحاب وفد عريض يضمّ الاركان الاساسيين للبعثة الاميركية في لبنان، ولم يسبق أن حصل وذهب وفد للسفارة الاميركية بهذا المستوى للتهنئة بولادة الحكومة. والواضح انّ واشنطن ارادت من خلال ذلك توجيه رسالة دعم للحريري، ومن خلاله للحكومة. وقد يكون تأليف الوفد استثنائياً وتماشياً مع الواقع الحكومي الجديد الاستثنائي والذي يعني في ما يعني تدشين مرحلة سياسية جديدة على مستوى التوازنات داخل السلطة.
ـ الثالث، يتعلق بالمضمون القوي للبيان المكتوب والذي هدف الى إعادة التذكير بالموقف الأميركي المعترض على الحجم السياسي الجديد لـ»حزب الله». ولكن بعبارات أكثر وضوحاً وقساوة، وأيضاً لتشكيل حاجز يضع حدّاً لنموّ نفوذ «حزب الله» وتوظيف قدرته الحكومية الجديدة لحماية تمدّده السياسي.
وفي هذا المجال أراد البيان الذي تلته السفيرة الاميركية شدَّ أزر الحريري وتدعيم موقعه داخل الحكومة. وفي الواقع فإنّ الموقف الاميركي ليس بجديد وفق المعنى الحقيقي للكلمة. هو تكرار للمواقف السابقة ولكن بعبارات اقوى وأكثر وضوحاً. ولا شك في انّ واشنطن تبدو مهتمة بمقدار كبير للقرارات السياسية للحكومة، كذلك للملف الاقتصادي والذي ستتولّاه بتفاصيله الدول الاوروبية المشارِكة في مؤتمر «سيدر».
ولا بدّ أنّ الديبلوماسية الاميركية خلال الايام الماضية لم تكن راضية عن خطوتين حصلتا:
– الأولى، وتتعلّق بزيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب لسوريا في شأن النازحين في لبنان. وخلافاً لما تمّ تعميمُه على وسائل الإعلام فإنّ رئيس الحكومة، بدا على الاقل، غير معترض على الزيارة قبل حصولها، وهو ما لمّح اليه الغريب نفسه. ما يؤشّر الى وجود تفاهماتٍ ما واكبت ولادة الحكومة وتتعلّق بالخطوط السياسية العريضة، ما أدّى الى تعيين صالح الغريب بالذات في موقعه.
ـ الثانية، تتعلق بموقف وزير الدفاع الياس بو صعب حيال المنطقة الشمالية لسوريا وتحديداً في موضوع تدخّل تركيا، وهو ما يتطابق مع الموقف السوري الرسمي ويتناقض مع الموقف الاميركي.
وفي هذا الإطار بدا الحريري استيعابياً أكثر منه معترضاً فعلياً وجدّياً.
ولا بدّ انّ هاتين المسألتين زادتا من حدّة عبارات بيان السفيرة الاميركية.
ولكن في الجانب الاقتصادي تصبح الامور اكثر غموضاً وتشابكاً. ذلك انّ حكومة «الخلطة العجيبة» ستشهد إصطفافات مختلفة عند كل ملف أو»تلزيم» تماماً كما تفاهم حزب «القوات اللبنانية» وتيار «المردة» على درس مواقفهما حيال كل ملف مطروح لوحده، وبالتالي احتمال توحيد موقفهما الحكومي في هذا الملف أو الاختلاف في ملف آخر. وهو ما سيكون عليه موقف «حزب الله» الاساسي في المعادلة الحكومية. فمرة سيكون مسانداً لـ»التيار الوطني الحر» ولمَ لا تيار «المستقبل» في هذا الملف، ومرة أخرى معترضاً بشراسة الى جانب «القوات اللبنانية» ووزيرَي الحزب التقدمي الاشتراكي.
صحيح انّ جدول أعمال الجلسة الاولى لا يتضمّن بنوداً دسمة، لا بل على العكس تنفيعات وسفراً وقبول هبات، لكنّ هذا لا يعني أنّ المياه ستبقى راكدة. فقريباً جداً ستبدأ الملفات الدسمة في الظهور بدءاً من التعيينات ووصولاً الى الملفات الاقتصادية والتلزيمات.
في الكواليس الحكومية همسٌ حول التفاهمات التي حصلت في باريس بين الحريري والوزير جبران باسيل والتي لا بدّ من أن تظهر في كثير من الملفات الاقتصادية. و»حزب الله» الذي ما برح يُرسل الإشارات حول نيّته الجدّية لمحاربة الفساد ومقاربته للملفات الاقتصادية، أدرج ما يمكن تسميته برنامج عمل الحزب في الحكومة عبر كلمة النائب حسن فضل الله خلال جلسات الثقة للحكومة.
وفي المقابل تحدث الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله شخصياً في موضوع المساعدة الايرانية في ملف الكهرباء، وهو الملف الذي كان السبب في توتير نصف جلسات الحكومة السابقة والذي قيل كثيراً حوله.
وفي عرض السيد نصرالله حول المساعدة الايرانية «مضمون» يتجاوز الاستثمار الايراني، ذلك أنّ العرض فرض سقفاً واضحاً ليس بالسهولة تجاوزُه. بمعنى أنّ الذهاب الى البحث في بديل عنه لا يجب أن يتخطّى كثيراً الوفر المالي الذي يؤمّنه العرض الايراني. وبكلام أكثر وضوحاً أن يكون هامش «اللعب» بالأرقام ضيّقاً جداً وهو ما كانت الشكوى حياله خلال عرض بواخر الكهرباء.
صحيح انّ ترابطاً وزارياً سيظهر بين «التيار الوطني الحر» و»المستقبل» على خلفية «تفاهمات» باريس، الّا انّ المراقبة لن تقتصر على الرابط الاقتصادي بل الرابط السياسي ايضاً من زاوية التأسيس للمرحلة المقبلة. فحتى الآن ما يزال رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يحرصان على التمسّك بعضهما ببعض. وهو ما يوحي أنّ ثنائيَّ الحكم ما يزال في اجواء التسوية الرئاسية على رغم نتائج الانتخابات النيابية، ولو حصلت بين الحين والآخر «مطبّات» وتباينات.
في الملفات الاقتصادية سيتولّى «حزب الله» مصارحة باسيل عند ظهور غموض ما في موضوع التلزيمات ولكن من خلال القنوات الخلفية في بادئ الامر، قبل طرحها علناً في مجلس الوزراء إذا لزم الامر، والقضاء لن يكون بعيداً. ولكن للملفات السياسية رسائل مختلفة لا بد ان تظهر لاحقاً، ما يجعل من الحكومة «حكومة متاريس» مهما حاولوا تجميلها.