علي حيدر – الأخبار
لم يعد الحديث عن عدم جاهزية سلاح البر في جيش العدو مجرد تقدير أو تحذير من لجان متخصصة أو من مفوض شكاوى الجنود. بل أتى من قلب المؤسسة العسكرية ومن قيادتها العليا. في وثيقة سرية قدمها نائب رئيس الأركان السابق اللواء يائير غولان، كان الأخير صريحاً إلى حد الإقرار بعدم ثقة القيادة العليا بالجيش البري، والتحذير مما ينتظر الجبهة الداخلية من سيناريوات لم تشهدها طوال تاريخها في كل الحروب التي خاضتها في مواجهة الجيوش العربية.
لم يعد بإمكان المؤسسة الإسرائيلية بكافة عناوينها، التغطية على هذه الحقيقة المؤلمة بالنسبة لكل إسرائيلي محتل، جندياً كان أو مستوطناً، خصوصاً أن من قدمها هو من القيادة العسكرية العليا، وكان أحد المرشحين لخلافة رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت في منصبه. ومما أضفى على الوثيقة المزيد من الصدقية أيضاً أنها لم تستند إلى تقديرات نظرية، بل إلى تجارب عملانية أيضاً، الأمر الذي رفع من مستوى الخطورة لدى قادة تل أبيب – حتى لو تمت التغطية على ذلك – خصوصاً أن هذا الواقع يمهد لمزيد من النكسات والهزائم التي ستكون مفاعيلها أشد خطورة على وجودها وأمنها.
أكد اللواء غولان أن انعدام الثقة بقدرات سلاح البر، والخوف من الخسائر، أديا إلى عدم تنفيذ اجتياح بري خلال العدوان على قطاع غزة في العام 2014، في ما سمي بـ«الجرف الصامد». وأشار إلى أن «انعدام الثقة بسلاح البر انتقل إلى الشبان، وألحق هذا الأمر ضرراً لا يمكن إصلاحه من حيث ثقة الضباط بأنفسهم وبقدرتهم على الانتصار». في المقابل، اعتبر رئيس معهد القدس للأبحاث الاستراتيجية، أفرايم عنبر، أن «الخشية هذه موجودة منذ سنوات طويلة وكما يبدو منذ أيام حرب لبنان الثانية» (حرب تموز 2006)، مشيراً إلى أنه «ليس عبثاً تم إهمال سلاح البر لمصلحة قدرات السايبر وسلاح الجو».
لكن المشكلة الكبرى بالنسبة لإسرائيل، تكمن في الخطورة الكبرى التي ستواجهها انطلاقاً من أن «الضربة التي ستوجه إلى الجبهة الداخلية ستكون (في الحرب المقبلة) أكبر مما تحتمله، وأن إخفاق حرب يوم الغفران (حرب تشرين العام 1973) سيكون «نزهة» قياساً بالضربة التي ستوجه إلى الجبهة الداخلية»، بحسب غولان. في المقابل، رأى قائد سلاح البر السابق اللواء غاي تسور، أنه «إذا نظرنا إلى المستقبل، وبموجب إدراكنا لطبيعة الحرب المقبلة في لبنان، فعلينا تعزيز ثقة صناع القرار بسلاح البر».
ويعود منشأ هذه الخطورة، بحسب منطق غولان، من أن «سلاح الجو لن يتمكن من وقف آلاف الصواريخ في الحرب المقبلة، وبالتالي سيكون من الضروري دخول القوات البرية إلى أراضي العدو ووقف إطلاق الصواريخ. وإلا فإن الجبهة الداخلية ستتلقى ضربات صاروخية سيكون من الصعب عليها تحملها»، «والوضع سيشكل صدمة للجمهور». يتلاقى هذا «التحذير» أيضاً مع ما سبق أن أقر به الرئيس السابق لأركان جيش العدو غادي آيزنكوت عشية رأس السنة العبرية في أيلول الماضي، بأن سلاح الجو غير قادر على الانتصار في الحرب، وأن «الانتصار سيأتي حصراً عبر عمل القوات البرية».
لكن المشكلة أن هناك قدراً من التسليم الضمني بأن سلاح البر في جيش العدو، عاجز عن تحقيق أي حسم عسكري، فضلاً عن الكلفة الباهظة التي سيتلقاها. ومن هنا تنبع عدم ثقة القيادة العليا به، وهو ما وصفه غولان في الوثيقة، بأنه «مفهوم كارثي» وأن «وضع سلاح البر سيء جداً، وقائد ذراع البر لا يعمل…». ويضيف أيضاً أن «مشكلة القيادة العليا للجيش الإسرائيلي تكمن في الوعي، وهذه القيادة فعلاً لا تعتمد على سلاح البر… وحتى الاستثمارات المالية الكبيرة في سلاح البر لن تفيد». وهكذا يتضح فعلياً أن إسرائيل عالقة بين «خيار جوي عقيم وغزو بري متعذر» («الأخبار»، 10 أيلول 2018 ).
يادلين مشكّكاً: إلى أي مدى يمكن أن يصل الهجوم البري؟ إلى بيروت؟ شمال لبنان؟ العراق؟
كل ذلك توالى بعد محاولات المؤسستين العسكرية والسياسية التشكيك بتقارير مفوض شكاوى الجنود في الجيش اللواء يتسحاق بريك، الذي أكد عدم جاهزية الجيش للحرب. لكن انكشاف وثيقة غولان أطاح بكل هذه الجهود الدعائية.
في المقابل، تدرك تل أبيب خطورة الصورة التي تتشكل في وعي أعداء إسرائيل حول عدم جاهزية سلاح البر. وتدرك أيضاً القدرات الصاروخية الهائلة التي يمتلكها محور المقاومة، والقادر من خلالها على دك الجبهة الداخلية، وهو ما وفَّر ردعاً استراتيجياً في مقابل القوة النارية والتدميرية الهائلة لجيش العدو. وانعكاس كل ذلك على معادلات الردع المتبادل، وعلى المدى الذي يمكن أن يبلغه أعداء إسرائيل في حال نشوب أي مواجهة كبرى.
أياً كانت المساعي التي تبذلها القيادة الإسرائيلية لتبديل صورة جيشها بنظر جمهورها وبنظر أعدائها، فإنها من الناحية العملية لم تعد تثق بجيشها في مواجهة قوى المقاومة، وباتت أمام حقيقتين لخّصهما رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، اللواء عاموس يادلين. الأولى عبّر عنها بالقول: «أنا لا أوافق على الادعاء أن العملية البرية ستوقف إطلاق الصواريخ. إلى أي مسافة ستصل العملية البرية؟ حتى بيروت؟ حتى شمال لبنان؟ إلى غرب العراق؟». وهو أراد بذلك الإشارة إلى أن هذا التمدد الإسرائيلي المفترض لن يوقف أيضاً دك الجبهة الداخلية بالصواريخ. والثانية، أن «ذراع البر في الجيش الإسرائيلي يمثّل شعب إسرائيل الذي لا يريد إرسال جنوده إلى هجوم بريّ في الحرب المقبلة». وهي الحقيقة الأكثر إيلاماً وحضوراً في وعي قادة تل أبيب على المستويين السياسي والأمني.