نبيل هيثم – الجمهورية
كانون الثاني في لبنان كان شهراً اميركياً بامتياز. حضر وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية دايفيد هيل وغادر، فتبعه قائد المنطقة المركزية الوسطى في الجيش الاميركي الجنرال جوزف فوتيل، وما ان غادر حتى وصل مساعد وزير الخزانة الاميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلنغسلي، وعلى ما اعلن الناطق باسم الخارجية الاميركية، فانّ وزير الخارجية مايك بومبيو يتطلع الى زيارة لبنان.
هذا الحضور المكثّف رسم علامات استفهام عن سرّ هذه الاندفاعة الاميركية تجاه لبنان في هذا التوقيت بالذات، دون ان تتمكن من رؤية ما هو مخبأ خلف الستارة الاميركية.
قد تبدو الزيارات الاميركية في ظاهرها وتعدّدها، مندرجة في سياق اهتمام واشنطن بهذا البلد، وانّه لا يزال يحتل موقعاً متقدّماً في الاجندة الاميركية، وان واشنطن لا تستطيع ان تتخلى عن هذا البلد، لأن تخليها يعني حتما امساك «حزب الله» بلبنان. وهو امر قد تتبناه بعض القراءات الداخلية.
لكن في المقابل، يرسم البعض الآخر صورة مغايرة تماماً، حيث تُدرج هذه الزيارات في سياق خريطة تحاول واشنطن الآن أن ترسمها للمنطقة، ويشكّل لبنان احدى نقاطها الاساسية.
اما البعض الثالث، فيقارب الحضور الاميركي المتجدّد بحذر وريبة، لما انطوى عليه هذا الحضور من رسائل افتقدت الى الودية، وتخطت اللغة الديبلوماسية الى تهديد مباشر وصريح، وصولاً الى استخدام تعابير قاسية وخصوصاً في اللقاء التي اجراها نائب وزير الخزانة الاميركية.
لم تخف زيارات المسؤولين الاميركيين الهدف الاول والاخير للادارة الاميركية والاساس فيه، «شيطنة ايران» ومواجهة تمدّدها ونفوذها في الشرق الاوسط، وصولاً الى إخضاعها. وايضاً شيطنة «حزب الله» وتطويقه وتجفيف موارده وحتى خنقه ومنعه من الامساك بلبنان.
في لقاءاته، عكس فوتيل القلق الاميركي من تعاظم قوة «حزب الله» والتفهّم الكامل للموقف الاسرائيلي. هذا الموقف اكّد عليه هيل انما زاد عليه عدم رضى واشنطن عن تشكيل حكومة تضمّ «الحزب»، ورفضها لتوليه وزارة الصحة. وكان حاداً في اتجاه ايران، التي تسعى ادارة دونالد ترامب الى اخضاعها في فترة اشهر قليلة.
اما الكلام الكبير، فورد على لسان نائب وزير الخزانة الاميركية، خصوصاً امام معنيين بالشأن المالي،، الذين بلغ الامر بأحدهم حدّ القول: «سمعت كلاماً قاسياً جداً.. وانا الآن مرتعب».
هذا اللقاء جاء عشية تشكيل الحكومة، وخلاصته كما اوردها احد هؤلاء المعنيين:
– انّ المسؤول الاميركي كان متشدداً في مقاربته للحكومة. وقال: نسمع انكم تشكّلون حكومتكم. ويبدو انّكم ستشكّلونها، فما هي هذه الحكومة؟ نسمع عن بعض الاسماء هي نفسها التي كانت فيها، فما الذي تغيّر؟ نحن نأسف على وضعكم، انتم تُسقطون أنفسكم بأيديكم.
– انّ المسؤول الاميركي كان هجومياً بشكل حاد جداً على «حزب الله» وعلى السياسيين الذين قَبلوا بإشراكه في الحكومة، وقال: «ما معنى حكومة فيها «حزب الله» بحضور قوي، اريد ان ابلغكم امراً نحن لسنا ساكتين، ونراقب كل ما يجري، «حزب الله» له امتداداته من ايران حتى افريقيا لتعزيز تمويله، ونحن في هذا الامر على بينة من كل ما يقوم به. ففي افريقيا نحن على اطلاع كامل بما تقوم به مجموعة من خمسة اشخاص لبنانيين (سمّى اسماءهم) بتوريد الاموال لـ«حزب الله». وبالتأكيد هذا الامر لن يستمر».
أضاف: «انّ مجرّد إسناد الصحة الى «حزب الله» رسالة اعتبرتها الادارة الاميركية سيئة وسلبية. نحن نعرف لماذا اصرّ الحزب على الصحة، لأنّ لديه فاتورة صحية ضخمة ناجمة عن مشاركته في الحرب في سوريا، فالشح المالي الذي يعانيه لا يمكّنه من رعاية وتحمّل كلفة طبابة الجرحى الذين يسقطون له في سوريا مع رعاية عائلاتهم، فهو يريد وزارة الصحة لاستخدامها كمورد لتغطية هذه الكلفة، اضافة الى انّه بصدد السعي الى جني اموال من خلال ادخال الادوية الايرانية الى لبنان. وانا اقول لكم من الآن، انها ادوية اما هي فاقدة للصلاحية او غير ذات فعالية. فضلاً عن انّ العقوبات على ايران صعّبت عليها ارسال الاموال الى «حزب الله»، فنحن نعرف بكل دولار يدخل الى ايران او يخرج منها».
وتابع: «انّ المنطقة مقبلة على تطورات شديدة الاهمية، اقول لكم لا تؤخذوا بالدعاية الايرانية والكلام عن تمكّن طهران من تجاوز العقوبات واحتوائها. نحن نعرف كل ما يجري في الداخل الايراني، واؤكّد لكم انّ ايران لن تستطيع ان تستمر او تتحمّل الضغوط والعقوبات، نحن نعرف ماذا سيحصل، حيث ستحصل تسوية مع ايران، انما بالشروط الاميركية، وخلال فترة اقرب مما تتوقعون».
وتضيف االشخصية نفسها: «ان المسؤول الاميركي، وبعد هذا العرض، انفعل بطريقة اطلق فيها كلاماً مقروناً بكلمة بذيئة وقال: انتم اللبنانيون الـ (…) لا اعرف ماذا تفعلون حتى لا يخطفكم «حزب الله» وإن خطفكم ماذا سيبقى منكم. انه سيخنقكم.؟».
اضاف: «اسمعوني انتم (اصحاب المال) المصارف في لبنان هي الوحيدة التي لا تزال تشكّل ركيزة استمرار لبنان وعدم سقوطه، ما اقوله لكم انا لا اقوله للسياسيين، عندكم اريد ان اسمع منكم، هل انّ السياسيين اللبنانيين يعرفون او مدركون كم انّ وضع بلدكم صعب؟ نحن لا نصدّق ان سياسييكم غافلون وعلى عدم معرفة بهذا الوضع وبما يحصل. انتم في هذه الحال توفرون على كل الآخرين عناء ان يعمل لكسركم، فأنتم تكسرون انفسكم وتسقطون بلدكم. وهنا لا اتردد في ان اقول لكم، انّ الرب وحده يستطيع ان يمنع عنكم الوجع الآتي. هناك حرب قائمة او ستقوم، حرب لا دماء فيها انما قد تكون اقسى من القذائف والصواريخ. حرب عناصرها ثلاثة: المال والدولار والانترنت».
اوحى المسؤول الاميركي انّ واشنطن ماضية في هذه الحرب، وابلغ المصرفيين ما حرفيته «لدينا اوامر صارمة من ترامب وكذلك من وزير الخارجية بأن لبنان في العام 2019 سيكون تحت مجهرنا، سنشدّد العقوبات على «حزب الله» ولو طالت اصدقاءه ومحيطه او حلفاءه، فهذا امر لا يعنينا».
واضح انّ الصورة الاميركية كما عرضها نائب وزير الخزانة، تبرّر الترحيب الاميركي الفاتر بالحكومة اللبنانية.