صحيفة الأخبار
في ظلّ هواجس متعددة يثيرها قرار الانسحاب الأميركي من سوريا لدى الأردن، تعمل الولايات المتحدة على طمأنة حليفها بالمساعدات، في وقت تحضّر فيه على ما يبدو لجعل المملكة جزءاً رئيساً من خريطة إعادة الانتشار، على قاعدة: من لا يملك المال يملك الأرض والجيش
عمّان | يبدو أن هناك تحضيراً لدور أردني جديد في المرحلة التي تلي الانسحاب الأميركي من سوريا. ليس الأمر محصوراً في تعزيزات عسكرية إضافية إلى المملكة، أو تشريعات يقرّها الكونغرس، بل إن اللقاءات العسكرية المتواصلة والمكثّفة بين الجانبين، وعلى رغم أنها ليست جديدة أو غريبة، إلا أن طبيعتها والشخصيات الحاضرة فيها تكفي للدلالة على طبيعة المرحلة المقبلة. خلال الأيام الأخيرة، التقى مسؤول القيادة المركزية الأميركية، الجنرال جوزيف فوتيل، الملك عبد الله الثاني، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية الفريق الركن محمود فريحات، كذلك زار المنطقة العسكرية الشمالية المواجهة للحدود الأردنية ـــ السورية، حيث ليس بعيداً من تلك المنطقة، ثمة تمركز للقوات الأميركية في «قاعدة موفق السلطي الجوية» في مدينة الأزرق.
تنبع أهمية «موفق السلطي»، أو «قاعدة الأزرق»، من قربها من سوريا والعراق، وهي قريبة نسبياً أيضاًَ من «قاعدة التنف»، وتشارك فيها قوات ألمانية (بعد مغادرتها «قاعدة إنجرليك» التركية). وكانت «السلطي» أحد المواقع الرئيسية لعمليات «التحالف الدولي ضد داعش»، ولذلك تعمل بما يقارب 4 أو 5 أضعاف طاقتها منذ بداية الحملة. وفي نهاية 2017، وافق الكونغرس على تخصيص 143 مليون دولار لرفع مستوى هذه القاعدة، ضمن رؤية لتوسيع استخدامها للطائرات المقاتلة والطائرات دون طيار، عبر توفير التسهيلات الكافية للعمليات المستجدة، وتطوير المرافق والبنية التحتية الداعمة للمسؤوليات المستحدثة فيها.
لا معلومات جديدة عن الملايين التي صدّق عليها الكونغرس آنذاك، ولكن بعد هذه الموافقة بأشهر، بالتحديد في آب/ أغسطس 2018، نشر الموقع الإلكتروني للحكومة الفيدرالية، الذي ينشر جميع فرص الشراء الفيدرالية ويستقدم العروض على نحو مركزي، عطاءً لمصلحة قسم سلاح الهندسة في الجيش الأميركي لمنطقة آسيا الوسطى والشرق الأوسط. وذكر الموقع أن هذا العطاء إنما هو لمكان غير معلوم في الأردن، لكنه يبعد 100 كلم عن العاصمة الأردنية، فيما تظهر صور الأقمار الاصطناعية المرفقة بمخططات المشروع تشابهاً مع موقع «موفق السلطي» التي تبعد المسافة نفسها تقريباً عن عمان، فضلاً عن أن الأوراق المرفقة تذكر في تفاصيلها هذه القاعدة بالاسم، كمرجعية أمنية ونقطة أساسية لتنفيذ المشروع.
وتشمل المخططات المرفقة بالعطاء: إنشاء مبانٍ ومرافق خاصة، وتحسين البنية التحتية، بما في ذلك عمليات هدم وتطوير وتسييج، وبناء جدار وطرق، ورصف مواقف السيارات، وتمديدات مياه وصرف صحي وكهرباء، مع شبكة اتصالات وحماية من الحريق. ويشمل المشروع أيضاً: مرافق لساحة النقل الجوي، وملاجئ للطائرات، ومظلات شمسية، وساحة تخزين للبضائع ولشحنها. ومنذ إعلان الرئيس دونالد ترامب سحب قواته من سوريا في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أُجريت ثلاثة تعديلات على هذا العطاء، كان آخرها في الـ11 من الشهر الجاري، أي إن العمل فيه قائم. لذلك، يرى مراقبون أن من بين السيناريوات المفترضة ما بعد الانسحاب الأميركي من سوريا، إعادة الانتشار في مناطق الحلفاء غير القادرين على دفع أموال لواشنطن، لكن في استطاعتهم تسخير أراضيهم وجيوشهم لمصلحتها.
تنبع أهمية «السلطي» من قربها من سوريا والعراق وكذلك «التنف»
تأتي هذه التطورات وسط حالة متواصلة من الإرباك لدى حلفاء واشنطن، ومنهم الأردن، عقب قرار الانسحاب من سوريا. عملياً، تجد عمّان نفسها معنية بترتيب أوراقها في ثلاثة ملفات متصلة بالشأن السوري: أمن الحدود، مخيم الركبان، قاعدة التنف. لكن المفتاح في هذا الثالوث بيد الجانب الأميركي، الذي سيؤثر انسحابه من «التنف» بوضع المقاتلين المتغلغلين بين المدنيين في «الركبان»، ما يعني أردنياً زعزعة لأمن الحدود، خاصة أن هناك تجربة سيئة مع هذا المخيم، بل يوجد تمنّع عن التعاطي معه، على رغم الضغوط الأممية لإيصال مساعدات إنسانية إليه، إذ ترى عمّان أنّ مشكلة «الركبان» سورية خالصة، وأن حلها يحتاج إلى الانفتاح على الروس، لكن واشنطن ترفض حلول موسكو، وهو ما يعني تعقيد الأمور أكثر.
مع ذلك، لم تحسم واشنطن أمرها في موضوع «التنف». وجاءت تصريحات وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، قاطعة في رفض أي دور لبلاده في هذا الملف، سواء كان إشرافاً أو سيطرة، على اعتبار «التنف» كما «الركبان» في الحدود السورية، ولذلك فإن «الأردن سيحمي حدوده، لكنه لن يعبر إلى داخل الأراضي السورية». وأضاف الصفدي: «نأمل أن تُعقد محادثات ثلاثية للاتفاق على ترتيبات تضمن الأمن في الجانب الآخر من الحدود»، علماً أن الوزير كان واضحاً، خلال لقائه نظيره الأميركي مايك بومبيو في وقت سابق من هذا الشهر، في حصر المحادثات بالأردن وروسيا والولايات المتحدة، مستثنياً سوريا.
وفي سياق العمل الجاري أميركياً لطمأنة عمّان، بدا لافتاً أن الإغلاق الحكومي الجزئي الأخير في الولايات المتحدة استثنى المساعدات السنوية المستحقة للأردن (المقدّرة بـ1.3 مليار دولار وفقاً لاتفاقية التفاهم الخمسية التي وقعها الجانبان في شباط/ فبراير 2018)، علماً أن الكونغرس زاد عام 2018 من المساعدات المتعهّد بها للمملكة إلى 1.525 مليار. يضاف إلى ذلك أن هناك تشريعات أميركية حديثة أُقرّت منذ شباط/ فبراير، منها «قانون تمديد التعاون الدفاعي الأميركي ــــ الأردني» الذي من شأنه تعديل القانون الموقّع عام 2015، وذلك لتوسيع نطاقه، بما يتيح إدراج الأردن ضمن الدول المؤهلة لمبيعات دفاعية معينة حتى 31 كانون الأول/ ديسمبر 2022. وأطلق مجلس الشيوخ، أمس، مسار إقرار تشريع جديد لا يتعلّق بتمديد قانون الدفاع بين الولايات المتحدة والمملكة فقط، بل يشمل اتفاقات تسمح بنقل بعض المواد الدفاعية إلى الأخيرة «على أساس مستعجل». كذلك يطلب مشروع القانون من ترامب تقديم تقرير إلى الكونغرس لتقييم تكاليف إنشاء صندوق لدعم الاستثمار الخاص في الأردن وفوائده.