علي فرحات – الأخبار
تسعى الولايات المتحدة، بالترغيب والتثبيط، إلى استمالة المؤسسة العسكرية الفنزويلية إلى صفّ حلفائها، في سياق المواجهة المفتوحة مع حكومة الرئيس نيكولاس مادورو. وعلى رغم ما تنطوي عليه تلك المساعي من مخاطر، إلا أن واشنطن تبدو ماضية في مخطّطها، وهو ما تستعدّ له كاراكاس على المستويات كافة، عازمة على عدم تكرار تجربتَي البرازيل والأرجنتين
لم تتوقّف المحاولات الأميركية يوماً واحداً عن الاتصال المباشر وغير المباشر بقيادات عسكرية فنزويلية، بهدف إنجاز خرق تستطيع استثماره في حربها السياسية والاقتصادية المُعلَنة على فنزويلا. فالولايات المتحدة، التي تهوّل من خلال تسريب معلومات بشكل متعمّد عن حماسة رئيسها دونالد ترامب للحل العسكري، تسعى إلى إثارة جوّ من الإحباط داخل المؤسسة العسكرية. وهي محاولات تترافق مع إغراءات وضمانات، حتى وصلت العروض المتتالية إلى إبقاء بعض القيادات العسكرية في مهامها، ومكافأة أخرى حال تعاونها مع رئيس الجمعية الوطنية خوان غوايدو، الذي أقسم اليمين الدستورية كرئيس انتقالي لفنزويلا .
مصدر مطلع أكد، لـ«الأخبار»، أن القيادة الفنزويلية الشرعية تراقب عن كثب هذه الإجراءات، مُتحسّبة للدور الاستخباري الذي ينشط بصمت، مستغلّاً ضوضاء التصريحات والتهويل. فالدور السري لوكالة الاستخبارات الأميركية لا يقتصر على تحريض المعارضة وجذب الطبقات الشعبية للانضواء تحت راية ما يُطلق عليه مشروع «الخلاص الوطني»، بل تسعى الوكالة إلى اختراق صفوف الموالاة من الطبقة العسكرية والسياسية وحتى النقابية. التحرك الأميركي يستند إلى دراسة أجرتها مجموعة من المتخصّصين الأميركيين بطلب من ترامب وتحت إشرافه المباشر، تتحدّد مهامها في وضع خطة لإسقاط الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، في مهلة لا تتعدّى أسبوعين، ابتداءً من الثالث والعشرين من الشهر الحالي. وهذا ما يفسّر تصريحات رئيس الجمعية الوطنية المعارض، والتي قال فيها إن «تداعي الحكم الاشتراكي سيتحقّق بين ساعة وأخرى».
المصدر الفنزويلي المطلع أكد، أيضاً، أن الجزء الأكبر من الميزانية التي حوّلتها واشنطن إلى حسابات غوايدو سيُستخدم كإغراءات مالية ستُعرض على شخصيات محدّدة، خصوصاً بعد محاولة تجفيف الميزانية الحكومية عبر تطبيق عقوبات اقتصادية قاسية تمثّلت في تجميد سبعة مليارات دولار من أصول شركة النفط الحكومية الفنزويلية «PDVSA»، في وقت يدرك فيه الأميركيون حجم الكارثة الإنسانية التي ستصيب الفنزويليين جرّاء هذه العقوبات، لكن هذه المعاناة تأتي في سياق الخطة المتبعة لتجويع الفنزويليين وإخضاعهم، من دون الحاجة إلى تدخل عسكري مباشر.
وجّه القضاء الفنزويلي بمنع خوان غوايدو من مغادرة البلاد
حكومة مادورو التي امتصّت صدمة الأسبوع الأول، يبدو أنها تهيّأت للمواجهة الثانية، فرفعت من حدّة خطابها، وحمّل مادورو نظيره الأميركي مسؤولية إراقة دماء الفنزويليين، في إشارة واضحة إلى تصميم الزعيم البوليفاري على الوقوف في وجه القرار الأميركي. موقف عزّزته دعوة وزير دفاعه، الجنرال فلاديمير بادرينو لوبيز، الجيش الفنزويلي، إلى الجاهزية لمواجهة المرتزقة القادمين من الخارج. فهل هذا التحشيد المتبادل ينذر بحرب مباشرة؟
يؤكد الخبراء أن المواجهة العسكرية بين واشنطن وكاراكاس دونها عوائق عديدة، أهمها المعارضة الداخلية في الولايات المتحدة، والتي شملت تياراً في الحزب الجمهوري أيضاً، وتراجع دول الجوار اللاتيني عن حماستها للمشاركة في أي عمل عسكري، خصوصاً بعد استقراء الآراء الشعبية التي لا تؤيد بأغلبيتها الساحقة أي عمل عسكري قد يفتح المنطقة اللاتينية برمّتها أمام المجهول. لكن، وعلى رغم استبعاد المواجهة العسكرية في الأيام المقبلة، إلا أن تداعيات المشهد الفنزويلي المتسارعة قد لا تضبطها قواعد السياسة والاقتصاد، وخصوصاً أن ترامب دخل في صلب المقامرة الخطرة، حيث إن التراجع تحت أي ذريعة سيتسبّب في هزيمة لا يمكن أن يحملها أو يتكبّدها حلفاؤه. كما أن التراجع عن إسقاط مادورو سيعطي الفرصة والوقت الكافيين للتمدّد الروسي ــــ الصيني، الذي ما زال في بدايته، ويمكن تطويقه (بحسب نظرة ترامب).
في الجانب الآخر، يؤمن الحزب الاشتراكي بأن أي تراجع في هذه المواجهة سيقضي عليه لعقود زمنية مقبلة. وهذا ما تشير إليه تجارب حلفائه في البرازيل والأرجنتين، حيث سخّر اليمين المتحالف مع واشنطن القضاء والسياسة لاضطهادهم وزجّهم في السجون. تجربة يؤكد المقرّبون من مادورو أنها لن تتكرّر في فنزويلا، وأن قرار المواجهة قد اتُخذ.