أزمة الإنفاق العام تطلّ برأسها مطلع شباط
صحيفة الأخبار
المشاورات الحكومية حالياً، لا تتعلّق بحلّ أزمة تمثيل اللقاء التشاوري، بل بكيفية إعادة توزيع الحقائب بين التيار الوطني الحر وحركة أمل واللقاء الديمقراطي، مع إصرار «التيار» على إبقاء حقيبة البيئة معه. يتولّى الحريري إيجاد مخرج لهذه المعضلة، من دون أن يعتبر نفسه معنياً بتمثيل «التشاوري». في هذا الوقت، يزداد الضغط المالي على السلطة، من باب التحذير من عدم قدرة وزارة المال على الإنفاق بعد نهاية الشهر الجاري
قرّر النائب سعد الحريري، أمس، أن يعود إلى ممارسة دوره كرئيس مُكلّف تشكيل الحكومة الجديدة، بعد أن أمضى أسابيع غير معني بكلّ النقاش المتصل بهذا الأمر. عند الثانية والنصف من بعد ظهر أمس، توجّه الحريري إلى عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه برّي. زيارة تأتي بعد أن التقى رئيس الحكومة المُكلّف، يوم الاثنين، بالوزير جبران باسيل. الجولة الحريرية، التي انطلقت من عين التينة، لا تهدف إلى إيجاد حلّ لمعضلة تمثيل نواب اللقاء التشاوري، بل من أجل التوصّل إلى صيغة تتعلّق بإعادة توزيع الحقائب بين القوى السياسية. فالتيار الوطني الحرّ يُطالب بأن تكون وزارة البيئة من حصّته، بناءً على التوزيع القديم في حكومة تصريف الأعمال، مدعوماً من الحريري. لكن مع تقسيم الحقائب على الكتل هذه المرّة، كان من المفترض أن تؤول «البيئة» إلى حركة أمل، إلى جانب حقيبتَي المال والزراعة. جواب برّي للحريري على الطرح أتى إيجابياً، مشروطاً بأن تنال حركة أمل وزارة الصناعة، بدلاً من «البيئة». إعطاء «الصناعة» لتكتل التنمية والتحرير، يعني سحبها من كتلة اللقاء الديمقراطي. لذلك، أمام الحريري الآن مهمّة إقناع النائب السابق وليد جنبلاط، بالتخلّي عن «الصناعة»، من دون أن يُعرف البديل لها.
المرحلة الأولى إذاً بعد استئناف المفاوضات الحكومية، تتعلّق بحسم توزيع الحقائب على الكتل النيابية. ولدى الانتهاء من ذلك، يجري الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي الاتفاق على مخرج لتمثيل نواب اللقاء التشاوري. عند هذا الحدّ، يرى الحريري أنّ دوره انتهى، ليُسلّم «أمانة» التأليف لـ«آخرين». وبعد التسويق لفكرة تأليف حكومة من 32 وزيراً، (سواء أن يكون أحد الوزيرين الإضافيين علوياً أو سنياً، على أن يكون الثاني من «الأقليات» المسيحية)، سقط الطرح بعد أن لقي اعتراض قوى الثامن من آذار على إضافة سني، واعتراض الحريري على إضافة علويّ. وعليه، لا يبقى من حلّ سوى تقديم تنازل، سواء من جانب تكتل لبنان القوي بتخليه عن الوزير الـ11، أو من الحريري. وفي هذا الإطار، يقول أحد المُقرّبين من وزير الخارجية لـ«الأخبار» إنّ «صيغة الـ32 من دون وزير علوي، طرحها باسيل قبل أسبوع من انعقاد القمّة العربية، وقد رفضها برّي من حينه، ولا نعلم سبب إعادة تعويمها قبل يومين». ولكن، بما أنّها لم تُثمر نتيجة، «سيلجأ التيار إلى تقديم تنازلٍ شكلي لا يؤثّر بعدد الوزراء الـ11 لتكتل لبنان القوي، مع محاولة إيجاد صيغة جواد عدره جديد». والتنازل الأكثر ترجيحاً «أن يكون الوزير الجديد من حصّة رئيس الجمهورية، ولكن يُمثّل اللقاء التشاوري حصراً».
هذا «اللعب على الكلام» لا يعني لأعضاء اللقاء التشاوري، «فلا يهمّ من حصّة مَن نتمثل، لأنّ الأساس أنّ الوزير المُختار سيكون ممثلاً للقاء التشاوري، ولا يحضر سوى اجتماعاته». وحتى الساعة، تؤكّد مصادر «اللقاء» أنّه يجب اختيار إما واحد من الأعضاء الستة، أو أحد الأسماء الثلاثة المُقترحة (طه ناجي – عثمان مجذوب – حسن مراد). أما بالنسبة إلى عين التينة، فتُضيف مصادرها لـ«الأخبار» أنّ برّي استشعر جدّية من الحريري في العمل على تشكيل الحكومة، «وقد تجلّى ذلك بإلغاء سفره إلى مؤتمر دافوس الاقتصادي. ومن المفترض أن يتمثّل اللقاء التشاوري مباشرةً أو عبر ممثّل عنه».
وبعد اجتماعه بالحريري، نقل برّي للإعلاميين أجواءً إيجابية: «دولة الرئيس بصدد تكثيف المساعي، ويأمل أن ترى الحكومة العتيدة النور خلال أسبوع، لا بل أقل». وأكّد رئيس المجلس النيابي أنّ «موضوع حكومة الـ32 ليس هو الذي يجري البحث بشأنه. هذه الصيغة ليست مطروحة عند الحريري». أما عن تفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال، فردّ برّي على السؤال بأنّه «لم أتكلم الآن مع الرئيس الحريري بهذا الأمر . ولكن أقول إنّه إذا لم يحصل وعد قاطع بتأليف الحكومة، فسأطلب انعقاد مجلس الوزراء للبتّ بالموازنة، إضافةً إلى إمكانية عقد جلسات تشريعية». وعلمت «الأخبار» أنّ برّي أبلغ الحريري نيّته الدعوة إلى جلسة تشريعية من أجل وضع قانون يُشرّع الإنفاق عبر تمديد العمل بالقاعدة الاثني عشرية إلى ما بعد الشهر الأول من السنة. وقد ردّ رئيس الحكومة المُكلّف بأن لا مُشكلة لديه. وتُضيف مصادر عين التينة، تعليقاً على خفض «موديز» تصنيف لبنان، أنّ «الوضع المالي سيّء جداً، وقد لا يتمكن وزير المال علي حسن خليل من أن يصرف المال آخر الشهر الجاري، حتى وفقاً للقاعدة الاثني عشرية».
وترى مصادر نيابية معنية بالملفّ المالي، أنّه «لا يُمكن الاستمرار بالإنفاق وفق القاعدة الاثني عشرية بعد نهاية الشهر، وإلا عُدّ ذلك مُخالفة دستورية. ولكن أي قانون قد يصدر لتمديد فترة الإنفاق وفق هذه القاعدة، مُخالفٌ أيضاً للدستور. وبالتالي، لا مبرر لتغطية المخالفة بمخالفة». وتوضح المصادر أنّه في المرّات السابقة، «كنّا نُغطّي الإضافة على الإنفاق وفق القاعدة الاثني عشرية للسنة كلّها، وليس تمديد العمل بها». وبعد أن أبلغ الحريري برّي عدم ممانعته عقد جلسة تشريعية، تقول مصادر التيار الوطني الحرّ إنّه «بعد مُشاركتنا في جلستين تشريعيتين في ظلّ حكومة تصريف الأعمال، لا يوجد من حيث المبدأ مانعٌ يحول دون مُشاركتنا بالثالثة».
من ناحيةٍ أخرى، أعلن الوزير جبران باسيل، خلال الحوار السياسي الذي أُجري معه في «منتدى دافوس الاقتصادي العالمي»، أنّ من «مصلحة لبنان تحقيق الاستقرار في سوريا وبقاء الدولة العلمانية – اللادينية فيها». وقد أكّدت مصادر وزير الخارجية لـ«الأخبار» التحضير لزيارته سوريا، «مع احتمال أن تحصل قبل القمة العربية في آذار».