تفجير انتحاري وغارة «إسرائيلية» يستهدفان دمشق… والحكام العرب يقاطعون بيروت بانتظار وارسو
سورية الحاضر الأول في القمة… ولبنان يحضر فلسطينياً… والباقي حبر على ورق
تعادل محلي في المعركة العربية يدفع البحث الحكومي نحو التنازلات المتبادلة؟
كتب المحرّر السياسيّ – البناء
في دمشق تبدو الأمور وجهاً آخر لما شهدته بيروت، فليس بعيداً عن مناقشات القمة العربية التي شكلت سورية الحاضر الأول فيها، رغم إنكار المكابرين الذين كانت سورية حاضرة في خلفية مواقفهم «من الحضور والغياب الى المواقف من عودة النازحين وإعادة الإعمار»، كانت دمشق تتلقى رسائل الإرهاب والعدوان الإسرائيلي معاً، لتكتمل الصورة بوضوح لا لبس فيه فيصير العدوان ثلاثياً من جهة، عدوان التفجير الانتحاري وعدوان الغارة الإسرائيلية وعدوان المنفّذين أوامر واشنطن بالابتعاد عن سورية ومن جهة موازية تكتمل صورة الضغوط على سورية طلباً لأمن «إسرائيل» بين الاستنزاف الذي يمثله ثنائي التفجير – الغارة الإسرائيلية لتتكامل معهما الضغوط العربية بقرار أميركي واضح.
دمشق التي حضرت في قمة بيروت بمواقف وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل وتلميحات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى أن سورية لا علاقة لها بالدعوات لمشاركتها، وقد تكون لها شروط للمشاركة، حضرت في مناقشات القمة حول إعلان بيروت الذي تناول قضية النازحين السوريين وعودتهم الى بلدهم وفشل لبنان في استصدار موقف عربي داعم لعودتهم بمعزل عن الحل السياسي. فبقي الإعلان دعوة لدعم بلدان الاستضافة، بينما نجح لبنان بتحقيق حضور فلسطيني مميّز بانتزاع موقف عربي داعم لحق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار 194.
القرارات الاقتصادية في القمة لا توحي بجدية التنفيذ، خصوصاً مصرف إعادة الإعمار الذي تريد واشنطن ربطه بالقرار السياسي سواء ما يخصّ سورية أو اليمن باعتبار المال العربي رهينة أميركية واعتبار المال عندما يصير قراره أميركياً يصير آلة الحرب لا البناء.
انتهت القمة وعاد الملف الحكومي الى الواجهة وقد تعادلت الأرباح والخسائر بين الأطراف المحلية، ما يفتح الباب وفقاً لمصادر متابعة على تنازلات متبادلة ستظهر تباعاً.
طوى لبنان أمس، صفحة القمة العربية الاقتصادية التي انعقدت في بيروت وانتهت، ليعود هذا الاسبوع الى تحريك الملف الحكومي عبر سلسلة لقاءات ومشاورات ستنشط على خطي بعبدا وبيت الوسط.
وإذا كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قد كسر حصار بعض الدول الخليجية على قرار الدوحة وعلى القمة العربية بحضوره القمة الاقتصادية لساعات قليلة وبحثه على هامش القمة مع الرئيس عون ملفات بالغة الأهمية للبنان لن يكشف عن مضمونها حالياً، بمعزل عن تأكيده التويتري أن قراره المشاركة كان طبيعياً من منطلق الحرص على العمل العربي المشترك الذي بيّنت القمة الحاجة الماسة لتعزيزه في وجه الأزمات والتحديات التي تواجهنا، فإن غياب سورية عن القمة حضر في كلمتي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل. فالرئيس عون أكد بطريقة غير مباشرة انه بذل كل جهد من أجل إزالة الأسباب التي أدت الى هذا الشغور. وقال باسيل من جهته: «لمسنا تجاوباً مع فكرة عودة سورية الى الحضن العربي»، وأوضح ان لا تواصل مع سورية بشأن عودتها الى الجامعة العربية، قائلاً: «لا نعرف موقفها من هذا الموضوع بل نعبر عن رأي لبنان لأن عودة سورية الى الجامعة هو جزء من عودتها الى الحضن العربي».
وكان الرئيس عون افتتح القمة الاقتصادية المنعقدة في بيروت ودعا في خطابه أمام الوفود العربية المجتمع الدولي لبذل كل الجهود وتوفير الشروط لعودة آمنة للنازحين السوريين، خصوصاً للمناطق المستقرة التي يمكن الوصول اليها، مشدداً على ضرورة عدم ربط ذلك بالتوصل لحل سياسي. ولفت الى «أننا عملنا على اقتراح مشروع بيان ختامي يصدر عن القمّة حول أزمة النازحين واللاجئين نظراً لانعكاسات هذه الأزمة الخطيرة على اقتصاد دولنا ولما تشكّله من مخاطر وجودية على النسيج الاجتماعي القائم في المنطقة». وأعلن عون تقدّمه بمبادرة ترمي إلى اعتماد استراتيجية إعادة الإعمار في سبيل التنمية ووضع آليات فعالة وفي مقدمها تأسيس مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية يتولّى مساعدة جميع الدول والشعوب العربية المتضرّرة على تجاوز محنها. وأكّد عون أن لبنان دفع الثمن الغالي جراء الحروب والإرهاب ويتحمل منذ سنوات العبء الاكبر لنزوح السوريين والفلسطينيين، مشيراً الى أن «الاحتلال الاسرائيلي مستمر بعدوانه وعدم احترامه القرارات الدولية».
وأعلن الرئيس عون مع انتهاء القمّة أن لبنان سيتابع خلال فترة رئاسته للقمّة، وبالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، هذه القرارات، وسيسهر على تنفيذها واستثمارها، سعياً لتأمين ظروف اجتماعية واقتصادية أكثر إشراقاً لشعوبنا، والمضي قدماً في مسيرة النهوض والازدهار، فالازدهار هو أحد عوامل السلام.
وكانت القمة خصصت أزمة النازحين واللاجئين، ببيان تلاه وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، دعا خلاله المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته للحد من مأساة النزوح واللجوء، ووضع كل الإمكانيات المتاحة لإيجاد الحلول الجذرية والناجعة، ومضاعفة الجهود الدولية الجماعية لتعزيز الظروف المؤاتية لعودة النازحين واللاجئين إلى اوطانهم، بما ينسجم مع الشرعية الدولية ذات الصلة، ويكفل احترام سيادة الدول المضيفة وقوانينها النافذة، وناشد الدول المانحة الاضطلاع بدورها في تحمّل أعباء أزمة النزوح واللجوء والتحديات الإنمائية من خلال تنفيذ تعهداتها المالية، والعمل على تقديم التمويل المنشود للدول المضيفة لتلبية حاجات النازحين واللاجئين ودعم البنى التحتية، وكذلك تقديم المساعدات للنازحين واللاجئين في أوطانهم تحفيزاً لهم على العودة، ودعا المجتمع الدولي لدعم الدول العربية المستضيفة للنازحين واللاجئين السوريين، وإقامة المشاريع التنموية لديها للمساهمة في الحد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على هذه الاستضافة، وكلف الأمانة العامة بالدعوة لعقد اجتماع يضمّ الجهات الدولية المانحة والمنظمات المتخصصة والصناديق العربية بمشاركة الدول العربية المستضيفة للنازحين واللاجئين السوريين للاتفاق على آلية واضحة ومحددة لتمويل هذه المشاريع.
ورأى وزير الخارجية جبران باسيل في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أن بيان النازحين السوريين هو انتصار للبنان ولفتة تضامن من الدول العربية تجاه الدول المضيفة والاعتراف بتضحياتها، قائلاً: «ندعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته للحدّ من مأساة النزوح واللجوء، ووضع كل الإمكانيات المتاحة لإيجاد الحلول الجذرية، ومضاعفة الجهود الدولية الجماعية لتعزيز الظروف المؤاتية لعودة النازحين واللاجئين إلى وطنهم».
وتلا الامين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي «إعلان بيروت» الصادر عن القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية. ودعا إلى ضرورة تكاتف كل الجهات الدولية المانحة والصناديق العربية للتخفيف من معاناة النازحين وتنفيذ مشاريع تنموية في الدول المُضيفة. وثمّن مبادرة أمير الكويت لإنشاء صندوق للاستثمار في مجالات التكنولوجيا بمشاركة القطاع الخاص، داعيًا الدول العربية لدعم هذه المبادرة. وأكّد زكي ضرورة دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة التعديات الاسرائيلية، مؤكّدًا حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين.
وبحسب مصادر بعبدا لـ«البناء» فإن «الآلية التي تمّ وضعها لتفعيل المبادرة ستعقبها ورش عمل ستنظمها بيروت للجهات العربية المعنية لا سيما في ما يتعلق بالبنك العربي للتنمية والإعمار، وستنجز خلال ثلاثة أشهر تقريباً، لافتة الى أن وفداً لبنانياً سيقوم بجولة عربية في الأسابيع المقبلة بهدف العمل على تعزيز المبادرة الرئاسية.
ورأت المصادر نفسها أن لا عودة الى الوراء عن الموقف اللبناني في ما خصّ ملف النزوح لا سيما بعد ان نجح لبنان عبر الوزير باسيل بانتزاع موقف عربي في هذا الشأن.
من ناحية أخرى، لفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» الى ان الغياب العربي لا علاقة له بالقرار الليبي او بما جرى في الشارع اللبناني من تحركات قام بها أنصار حركة أمل ضد المشاركة الليبية، لافتة الى ان هناك قراراً أميركياً تبلغته العواصم العربية والخليجية التي زارها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مفاده ضرورة تخفيض سقف التمثيل في قمة بيروت انطلاقاً من زعم أميركي أن بيروت خاضعة لسيطرة إيران وتجب معاقبتها. وشددت المصادر على ان كلام وزير جبران باسيل عن الحصار السياسي لبيروت ليس من عبث، فواشنطن لن تقبل أن تكون بيروت نقطة جمع بين العرب في هذا التوقيت بالذات، وبالتالي فإن الغياب العربي ليس مرتبطاً على الإطلاق بالموقف من ليبيا.
في المقابل، دعت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى عدم التوقف ملياً عند العمل العربي المشترك من منطلق التباينات والخلافات العربية التي تنذر بالمزيد من الانقسامات، لافتة الى ان المشاريع العربية الاقتصادية التي خرجت بها القمم السابقة بقيت حبراً على ورق، فجسر التعاون الاقتصادي مقطوع بسبب تضارب المصالح بالمعنى السياسي الذي ينعكس اقتصادياً، فلا مسؤولية عربية حقيقية أمام الشعوب ولا محاسبة الامر الذي يؤدي الى تعثر تحقيق ما يجري التوصل اليه من مقررات.
في موازاة ذلك، شددت اوساط سياسية لـ«البناء» على ضرورة المحافظة على مفهوم التلاقي بين العرب وتطوير العمل العربي المشترك حول عناوين منتجة كالمشرقية والارتكاز عليها كأساس على أمل أن تأتي لحظة سياسية تسمح لقادة العالم العربي أن يعوا أن المصالح الاقتصادية يمكن أن تشكل جامعاً يبنى عليه للتعاون في المستقبل.
وأكدت مصادر نيابية في كتلة التحرير والتنمية لـ«البناء» أن لا علاقة لموقف الحركة الرافض مشاركة ليبيا بالتمثيل الهزيل، مشدّدة على أن الرئيس بري أكد أمام زواره أن ليبيا صحيح أنها شاركت في قمة بيروت 2002، لكنها تمثلت بمستوى سفير في حين أنها كانت ستشارك في القمة الاقتصادية بمستوى رفيع الأمر الذي رفضناه ولم نقبله، مشددة على ان ما أدلى به الرئيس بري لم يكن موجهاً ضد أحد، فكل ما طالب به هو تأجيل القمة شهرين لمعلوماته ان تونس ستدعو سورية الى القمة التي تستضيفها آذار المقبل.
ورأى رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، أن «وكيل وزير الخارجية الأميركية دايفيد هيل، قام بجولته على هؤلاء المحبطين حتى لا تسقط معنوياتهم بالكامل، فيريد أن يستنهض معنوياتهم وليقول لهم إن مشروعنا مستمر وسنبقى نحاصر إيران ونضغط على إيران، وإيران ليست بالقوة التي تتوهّمونها، إيران لا تتحكم بالقرار في سورية».
وأضاف رعد في احتفال تأبيني في بلدة يحمر الشقيف – النبطية: «هناك روسيا موجودة في سورية وإيران لا تتحكم بالقرار في العراق، ونحن أيضاً موجودون في العراق، بمثل هذه الوسائل يحاول أن يستنهض الذين قيل لهم أيام أول الفتنة السورية، إن نظام سورية سيسقط خلال أشهر، فإذا بهم الآن يرون المنطقة كلها سقطت وبقي هذا النظام الذي كان يراد إسقاطه خلال ثلاثة أشهر».
حكومياً، أشارت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية لـ«البناء» إلى أن الرئيس عون يتجه في الساعات المقبلة إلى وضع النقاط على الحروف في ما يجري على صعيد التعطيل الحكومي، وعرقلة مسيرة العهد وبرنامجه الإصلاحي. وأشارت المصادر إلى أن الرئيس عون انتهى من وضع ملاحظات على ما كل ما رافق المرحلة الماضية من أداء بعض المكونات السياسية المحلية ليبنى على الشيء مقتضاه انطلاقاً من ان المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار.
الى ذلك، ألغى الرئيس المكلف سعد الحريري زيارته الى دافوس التي كانت مقرّرة غداً للانصراف الى إعادة تزخيم الاتصالات الحكومية، حيث سيلتقي في الساعات المقبلة الرئيس العماد ميشال عون لمناقشة ما آلت اليه الأمور، تمهيداً للتشاور مع القوى المعنية الاساسية في هذا الملف لبلورة حل سريع للازمة الحكومية.
ولفتت مصادر نيابية في كتلة التحرير والتنمية لـ«البناء» الى ان الحل الحكومي في توزير ممثل عن اللقاء التشاوري عند رئيس الجمهورية، مشيرة الى ان ما حصل في الساعات الماضية من المفترض ان يشكل حافزاً عند المعنيين الاساسيين بالتأليف للإسراع في تشكيل حكومة لمواجهة الوضع الاقتصادي الضاغط والتحركات المطلبية المعيشية المحقة.
وكان «الحزب الشيوعي اللبناني» نظم وعدداً من الأحزاب اليسارية والمجتمع المدني، مظاهرة شعبية في بيروت تحت شعار «كلنا عالشارع»، بالتزامن مع بدء أعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك «ضد سياسات الإفقار، ورفضاً للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تمارسها السلطة السياسية، ومنعاً للانهيار، ودفاعاً عن حقوق الشعب اللبناني»، بحسب ما جاء في بيان الدعوة إلى المظاهرة.