صحيفة الأخبار
وصل تأليف الحكومة إلى الطريق المسدود مع انكشاف أن الأزمة السياسية في البلاد باتت على حافة أزمة النظام السياسي برمتّه، لا سيّما بعد سجال الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري
فشل الرئيس المكلف سعد الحريري على مدى الأشهر السبعة الماضية بتأليف الحكومة اللبنانية. وبدل أن تلوح في الأفق بوادر الحلول، يتجّه الاستحقاق الحكومي إلى الحائط المسدود، فينكشف معه عقم التسويات السياسية في البلاد، وتتعرّى الأزمة الحالية إلى أزمة نظام لا أزمة حكومية عابرة.
بالأمس، اتضّح مرّة جديدة حجم الهوّة بين رؤية الحريري ورؤية الرئيس ميشال عون لصلاحيات كل من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. السّجال الدستوري غير المستجدّ، أعاد إلى الأذهان لبّ الصراع بين الرئاستين وبين النهجين، بعد أن غمرتهما تسوية انتخابات الرئاسة وما تلاها من مشتركات بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ.
ويمكن القول إن سجال الأمس، نسخة مكرّرة عن انتكاستين مرت بهما العلاقة بين عون والحريري، الأولى بعد الانتخابات النيابية مباشرةً في حزيران الماضي، يوم اندلع سجال الصلاحيات، والثانية في أيلول الماضي بعد تقديم الحريري تشكيلة حكومية لم تعجب عون، فردّ عون على لسان وزير العدل سليم جريصاتي ملمّحاً إلى إمكانية سحب التكليف من الحريري. فما كان من الأخير إلا أن حشد خلفه كلّ العدّة الطائفية في سياق الدفاع عن صلاحيات رئاسة الحكومة و«حقوق الطائفة» من رؤساء الحكومة السابقين إلى دار الإفتاء.
ولم يكن بيان رئاسة الجمهورية أمس، الذي حاول إيضاح ما نُشِر أمس عن رسالة ينوي عون إرسالها إلى مجلس النواب بغية الضغط على الحريري، سوى تأكيد على رؤية رئيس الجمهورية لمسار الأزمة الحكومية وصلاحية الرئيس في وقف التعطيل. وذكر بيان الرئاسة أن «فخامة الرئيس يعتبر أن حق تسمية دولة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة منحه الدستور إلى النواب من خلال الاستشارات النيابية الملزمة (المادة 53 – الفقرة 2). وبالتالي فإذا ما استمر تعثر تشكيل هذه الحكومة، فمن الطبيعي أن يضع فخامة الرئيس هذا الأمر في عهدة مجلس النواب ليبنى على الشيء مقتضاه». ليأتي بعدها بيان الحريري عن لسان «مصدر مقرّب»، معمّقاً الأزمة إلى أبعد من تفاصيل توزير النوّاب السنة من خارج تيار المستقبل والحلول المطروحة لتلك العقدة. وأكّد بيان الحريري أن «أحداً لا يناقش الحق الدستوري لفخامة رئيس الجمهورية بتوجيه رسالة إلى المجلس النيابي، فهذه صلاحية لا ينازعه عليها أحد، ولا يصح أن تكون موضع جدل أو نقاش، بمثل ما لا يصح أن يتخذها البعض وسيلة للنيل من صلاحيات الرئيس المكلف وفرض أعراف دستورية جديدة تخالف نصوص الدستور ومقتضيات الوفاق الوطني».
بات واضحاً اليوم، أن الصراع على الحكومة هو صراع توازنات جديدة في البلاد وانعكاس الانتخابات النيابية الأخيرة والتوازنات الإقليمية الجديدة، على مجمل النظام اللبناني، في ظلّ إصرار الحريري على عدم خسارة ما حصّلته رئاسة الحكومة في اتفاق الطائف، وسعي الوزير جبران باسيل إلى الحصول على ثلث معطّل في الحكومة، يضمن «تقريش» وصول عون إلى بعبدا، على تحوّلات في السلطة التنفيذية تعيد جزءاً من الصلاحيات إلى رئاسة الجمهورية.
استاء عون من تلميح المستقبل إلى معرفته المسبقة بما كان سيحصل في الجاهلية
ولا يمكن التكهّن بالمسار الذي تسلكه رسالة عون، في حال قرّر التوجّه فعلاً إلى المجلس النيابي، إذ إن لا شيء يضمن قبول الرئيس نبيه برّي بمثل هذه الخطوة، أو حتى انعقاد مجلس النواب في حال قرّرت كتلة المستقبل النيابية المقاطعة. وبحسب أكثر من مصدر، فإن الحريري أكّد أمام أكثر من طرف في اليومين الماضيين، أنه لن يتنازل عما يعتبره حقّاً له، كما أنه لن يتراجع عن التكليف مهما ازدادت الضغوط، ما يحوّل خطوة عون إلى موقف سياسي وضغط «تحريكي« أكثر منها خطوة عمليّة.
ومما لا شكّ فيه، أن «خطيئة الجاهلية» التي ارتكبها الحريري وفريقه، كسرت حاجز الصبر عند عون، خصوصاً بعد أن حاول فريق تيار المستقبل، وعلى لسان أكثر من مسؤول، الإيحاء بأن عون كان على علمٍ بما حصل، وهو الأمر الذي أكّد التيار الوطني الحر عكسه خلال اتصالات مع حلفائه. في المقابل، أكّد رئيس الجمهورية أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان اتصل به بعد محاولة اعتقال الوزير السابق وئام وهّاب، وأبلغه بأن قوى الأمن توجّهت إلى الجاهلية لتبليغ وهّاب بالحضور إلى فرع المعلومات، وأن الدورية تعرّضت لإطلاق النار فعادت أدراجها، من دون وضعه في حقيقة ما حدث وحجم القوة الأمنية والهدف الحقيقي من العملية، ما دفع عون إلى القيام بردّ فعل قاس تجاه عثمان ومدعي عام التمييز سمير حمود. وبعدها خرج عون في خطابه في افتتاح المكتبة الوطنية في بيروت، اعتبره الحريري موجّهاً ضدّه ومتعاطفاً مع موقف وهاب وحزب الله.
وكشف الاجتماع بين باسيل والحريري قبل يومين، عن استحالة موافقة الحريري على الحلول التي يطرحها عون، ومنها رفع عدد الوزراء إلى 32 وزيراً، التي يرفض الحريري عبرها تكريس عرف توزير علوي، ولو كان من حصته. فرئيس الحكومة يرى أن توزير علوي من حصته في هذه الحكومة «يعني توزير علوي يسمّيه (الرئيس السوري) بشار الأسد في الحكومات المقبلة». إذ إن الحريري، ولدى وصول باسيل، كان قد وصل إليه ما قاله رئيس الجمهورية أمام وفد اللقاء الديموقراطي عمّا حدث في الجاهلية، وموقفه الغاضب من الحريري وكشفه عن الرسالة التي ينوي إرسالها إلى مجلس النواب. وفي المعلومات، أن أياً من الحلول الوزارية، من رفع عدد الوزراء إلى تسمية رئبس الجمهورية وزيراً سنّياً، غير واردة، خصوصاً أن الحريري لا يزال يرفض لقاء النواب السنة ويضع فيتو على توزير أي منهم، ويطالب بأن يكون الوزير السني من حصة رئيس الجمهورية فعلاً وليس «وديعة» لحزب الله في حصّة الرئيس. وفي الوقت ذاته، يبدو هذا الحلّ مرفوضاً بالنسبة للنوّاب السنة، الذين يصروّن على أن يكون الوزير واحداً منهم، وليس هناك من استعداد للتنازل عن هذا الموقف، طالما أن الحريري يستمر بالتعامل الفوقي معهم. وعلمت «الأخبار» أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم حاول تليين موقف الحريري لجهة اللقاء مع النواب السنة، لكن من دون جدوى.