صحيفة الجمهورية
على وقع التهديد الاسرائيلي للبنان في ظل البحث عن أنفاق تقول اسرائيل انّ «حزب الله» حفرها على الحدود الجنوبية، وتحذيراتها الجدية بالرد والتي نقلتها واشنطن للبنان، شَهد ملف التأليف الحكومي تطوراً بارزاً تمثّل بتلويح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالنزول الى مجلس النواب وتوجيه رسالة إليه لإعادة فتح ملف التكليف الحكومي والانطلاق الى استشارات جديدة لهذه الغاية، مؤكداً انّ «الوضع لم يعد يتحمّل ولا يمكن البقاء على هذا المنوال»، ومشدداً على انه لن يستمر في الانتظار طويلاً. وقد تلقى الرئيس المكلف سعد الحريري هذا الموقف الرئاسي باستياء، ما أحدثَ توتراً بينه وبين عون تسبّب بفشل اللقاء الذي انعقد مساء أمس في «بيت الوسط» بين الحريري وبين رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل.
إنشغل الداخل والخارج بتهديدات اسرائيلية، طبعت اليوم الثالث من عملية «درع الشمال» لتدمير أنفاق، تقول اسرائيل إنّ «حزب الله» بناها في اراضيها.
وفي خطوة تَلت طلبها عقد اجتماع لمجلس الامن الدولي حول هذه الأنفاق، دعا رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو السفراء الاجانب المعتمدين لدى إسرائيل الى جولة في منطقة الحدود الشمالية، وطلب منهم «إدانة خرق «حزب الله» للسيادة الإسرائيلية وأن ينضمّوا إلى المطالبة بفرض عقوبات مشددة عليه». واتهم مساء الحزب «بالسعي للحصول على صواريخ دقيقة»، معتبراً أنّ «هذا الأمر، إذا حصل، سيغيّر موازين القوة بشكل هائل». وقال: «حزب الله» يمتلك أداتين، إحداهما الأنفاق ونحن نقوم بهدمها، والأخرى هي الصواريخ غير الدقيقة، ولكنهم يريدون الحصول على صواريخ دقيقة، هذا الأمر سيغيّر موازين القوة».
وقد ترافَق ذلك مع تلقّي عدد من أهالي بلدة كفركلا، عبر هواتفهم النقالة، تسجيلاً صوتياً من الاسرائيليين باللغة العربية يدعونهم فيه إلى «الابتعاد عن «حزب الله»، وأنّ بلدتهم ستتعرض للخطر بسبب وجود أنفاق تابعة للحزب بالقرب من منازلهم»، مهددين بـ»تدمير البلدة إذا استمروا في التعامل معه».
إتصالات وعدم ارتياح
ومع ارتفاع لهجة التهديدات حيال لبنان، علمت «الجمهورية» من مصادر ديبلوماسية، انّ كلّاً من واشنطن وباريس ولندن وموسكو، بدأت اتصالاتها مع اسرائيل داعية إيّاها الى ضبط النفس وعدم الانتقال من مرحلة «ضبط الأنفاق» داخل الاراضي الاسرائيلية الى اعتداء على لبنان، يدور الحديث عنه منذ وقت طويل، خصوصاً بعد توتر العلاقات الايرانية ـ الاميركية، وبقاء القوات العسكرية الايرانية في سوريا.
وأبدَت مصادر ديبلوماسية غربية رفيعة «عدم ارتياحها الى ردة فعل الحكومة اللبنانية على انفاق «حزب الله». وقالت إنها تفضّل «ان تتحمّل الحكومة مسؤوليتها وتعالج الموضوع مع الحزب، عوض الهروب الى الامام ومطالبة اسرائيل بتنفيذ القرار 1701، وكأنّ هذا القرار يُنفّذ من الجهة اللبنانية بحذافيره». واعتبرت «انّ الحكومة اللبنانية يجب ان تساعد ايضاً المجتمع الدولي لكي يتمكن من درء الاخطار عن لبنان».
وعلمت «الجمهورية» انّ واشنطن نقلت الى لبنان تحذيراً جدياً من اسرائيل بالرد. ولفتت في هذا السياق زيارة السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد للرئيس المكلف سعد الحريري في «بيت الوسط»، وبحثت معه في التطورات على الحدود الجنوبية، بعدما كانت قد زارت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع إطلاق اسرائيل عملية «درع الشمال» للغاية نفسها.
شكوى ضد إسرائيل
في هذا الوقت، أعطى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل تعليماته إلى مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة في نيويورك، السفيرة آمال مدللي، لتقديم شكوى ضد إسرائيل، و«ذلك في ظل ما تقوم به من حملة ديبلوماسية وسياسية ضد لبنان تمهيداً لشن اعتداءات عليه، ناهيك عن تعدّيها على شبكة الاتصالات عبر خرق شبكة الهاتف اللبنانية وإرسال رسائل مسجلة الى أهالي كفركلا المدنيين الآمنين تحذّرهم فيها من تفجيرات سوف تطال الأراضي اللبنانية وتعريض حياتهم للخطر. خرق جديد تُقدم عليه إسرائيل غير آبهة بحرمة الناس وخصوصيتهم وتهديد مباشر لحياتهم، يضاف الى خروقاتها بحراً وجواً وبراً».
نتنياهو
وكان نتنياهو قال لدى اجتماعه مع السفراء الأجانب: «نجرّد أعداءنا من سلاح الأنفاق بشكل مُمنهج وحازم، ونفعل ذلك لـ«حماس» و»حزب الله». وسنتحرك وفق الحاجة، من يعتدي علينا يعرّض حياته للخطر… قلت للسفراء إنه يجب عليهم أن يدينوا بنحو لا لبس فيه هذا العدوان الذي تمارسه إيران ومنظمتا «حزب الله» وحماس»، وبطبيعة الحال عليهم أيضاً تشديد العقوبات على هذه الأطراف».
وأطلع نتنياهو السفراء على حيثيّات عملية «درع الشمال»، معتبراً أنّ أنفاق الحزب «تشكل نموذجاً واحداً للعدوان الإيراني في المنطقة». وقال: «عملية درع الشمال لا تزال في مراحلها الأولية، ولكن في ختامها سلاح الأنفاق الذي بَذل «حزب الله» جهوداً جبّارة على تطويره، سيزول ولن يكون فعّالاً. إسرائيل تتوقع أن تتم إدانة «حزب الله» بنحو لا لبس فيه، وأنه ستفرض عليه عقوبات إضافية. كذلك نتوقع أن تكون هناك إدانة للحكومة اللبنانية، وأن يطلب منها التوقّف عن السماح باستخدام أراضيها لشَن مثل هذه الاعتداءات على إسرائيل. سيتم طرح ذلك في الجلسة المقبلة لمجلس الأمن، وفقاً للمطالب الإسرائيلية. هذه خطوة ديبلوماسية مهمة تكمل جهودنا العملياتية والهندسية التي تسعى إلى تجريد «حزب الله» وإيران من سلاح الأنفاق».
«اليونيفيل»
من جهتها، واصلت «اليونيفيل» عند الحدود الجنوبية تحقيقاتها التي كُلفت بها أمس إثر اجتماع الناقورة للكشف عن حقيقة اتهامات اسرائيل، والتقى قائدها اللواء ستيفانو ديل كول، قائد المنطقة العسكرية الشمالية في إسرائيل الجنرال يؤال ستريك الذي رافقه إلى منطقة تمتد إليها أنفاق «حزب الله».
وأوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، انّ ستريك قدم لقائد القوات الأممية في لبنان «احتجاجاً قوياً على خرق «حزب الله» للسيادة الإسرائيلية، في تجاهل فادح لقرارات الأمم المتحدة».
وسلّم ستريك قائد «اليونيفيل» صورة لقرية رامية اللبنانية، قائلاً: «تظهر عليها مجموعة من البيوت التي ينطلق منها نفق إرهابي هجومي آخر يمتد إلى داخل إسرائيل». وطالب اليونيفيل بالتأكد من «تدمير» النفق من الجانب اللبناني، مؤكداً «أن من يدخل أنفاق المنطقة يخاطر بحياته».
وحَمّل الجنرال الإسرائيلي الحكومة اللبنانية مسؤولية حفر «حزب الله» الأنفاق في جنوب لبنان، مشيراً إلى «أنّ الجيش الإسرائيلي يعتبر الحكومة والجيش اللبنانيين وقوات اليونيفيل جهات مسؤولة عمّا يحدث في لبنان، وعن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701».
ونشرت «اليونيفيل» ليل أمس، على موقعها الاكتروني، بياناً قالت فيه انّ رئيس بعثتها وقائدها العام اللواء ستيفانو ديل كول، يرافقه فريق تقني، زار موقعاً قرب المطلّة في شمال إسرائيل، حيث اكتشف الجيش الإسرائيلي نفقاً قرب الخط الأزرق، «وبناءً على تفتيش الموقع، تستطيع اليونيفيل أن تؤكد وجود نفق في الموقع. وبناءً على ذلك، اليونيفيل منخرطة الآن مع الأطراف للقيام بإجراءات متابعة عاجلة. ومن المهم جداً تحديد الصورة الكاملة لهذا الحدث الخطير. وسترسل اليونيفيل نتائجها الأولية إلى السلطات المختصة في لبنان».
تخبّط داخلي
أمام هذه الصورة، ظل الداخل يتخبط بأزماته المتعددة، في ظل استمرار التعثر في تأليف الحكومة، على رغم كل ما يطرح من حلول وأفكار.
وتشير المعلومات الى ان لا نتائج متوقعة لأي تحرك بغية حل العقدة الحكومية قبل حصول حلحلة ما في الوضع بين الولايات المتحدة الاميركية وايران.
وفي السياق، رأت اوساط سياسية «انّ كل الاتصالات الجارية هي لملء الوقت، ولكي لا يقال لماذا لا يتحرك المسؤولون في ظل الجمود الحكومي؟»، وقالت لـ«الجمهورية»: «انّ الحلول المطروحة، كتوسيع الحكومة لتصبح من 32 وزيراً أو من 36، ليست بحل، بل هي «حلٌ أقبح من أزمة».
وأضافت هذه الاوساط «انّ الرئيس المكلف ليس ضد عدد الوزراء، إذا كانت الحكومة من وزيرين او من 100، فهو لن يقبل بتوزير النواب السنّة لأنه يعتبر ان في توزيرهم خرقاً من «حزب الله» وايران للبيئة السنّية ونقطة على السطر». واعتبرت أنه «مع إصرار «حزب الله» على توزيرهم ورفض الحريري لهذا التوزير، يتأكّد انّ القصة هي أبعد من كتلة نيابية أو وزارية، بل هي قصة صراع شيعي ـ سني في البلد». واستبعدت «ان يقدّم أي طرف أيّ تنازل في الفترة الراهنة».
في الموازاة، لم يلمس من التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في الساعات الـ24 الاخيرة، تفاؤلا لديه بأي حلول قريبة، فهو يؤكد «ان لبنان سيخرج في النهاية من المحنة الحالية»، إلّا أنه لا يرى ان هذا الخروج سيكون سريعاً.
وفي الحراك الحكومي، زار رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل مساء أمس «بيت الوسط»، واكتفى بالقول بعد لقائه الحريري: «لقد جرت متابعة الحلول المطروحة لتشكيل الحكومة، ولن نهدأ قبل ان نجد الحل المناسب»
وعلمت «الجمهورية» انّ الساعات المنصرمة شهدت حركة مكثفة حول الملف الحكومي، توزّعت خلالها المشاورات بين بعبدا وعين التنية و»بيت الوسط».
وفيما لوحظ انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري ينتظر ما ستؤول إليه هذه المشاورات، برزت مواقف لافتة لعون عكست وجود ضيق شديد لديه من تأخير تأليف الحكومة. ونقل زواره عنه قوله «انّ الوضع لم يعد يتحمل، ولا يمكن البقاء على هذا المنوال»، وأكد انه لن يستمر في الانتظار طويلاً.
ولمس زوّار عون عتباً لديه على الحريري لأنه لم يُبد موقفاً نهائياً من اقتراحات حلول عُرِضت عليه لإطلاق العجلة الحكومية، ومن بينها اقتراح تشكيل حكومة من 32 وزيراً، الذي يشكّل أكثر من غيره حلاً للعقدة التي تعوق التأليف.
ونقل زوار عون عنه قوله «انّ الوضع شديد السوء، ولا يقبل أن تتأخر المعالجة»، مؤكداً انه لا يستطيع تحّمل وزر هذا الوضع وهذه الأزمة، وأنه يريد تأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن.
وأضاف هؤلاء الزوار انّ عون يحرص على تحقيق اختراق في جدار التأليف خلال الايام القليلة المقبلة، مُبدياً عدم رضىاه على سفر الحريري الى فرنسا في 9 الجاري، ومفضّلاً له البقاء في لبنان للتركيز بكل الطاقات على توليد الحكومة، وسائلاً كيف يمكن للرئيس المكلف ان يسافر بلا حكومة؟
وأكد عون امام زواره ايضاً أنه في حال استمر هذا الوضع على ما هو عليه، فإنه سينزل الى مجلس النواب ويوجّه إليه رسالة تفتح الباب امام إجراء استشارات جديدة للتكليف، الأمر الذي فَسّرته مصادر مطلعة على انه رَفع مفاجىء لصوت رئيس الجمهورية من أجل تشكيل الحكومة تجاه الرئيس المكلف.
وكشفت مصادر مواكبة لهذه التطورات انّ عون مؤيّد اقتراح ان تكون الحكومة مكوّنة من 32 وزيراً، وهو ينتظر من الرئيس المكلف جواباً نهائياً عليه، كان ينبغي أن يتبلور من خلال زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لـ«بيت الوسط» مساء أمس.
توتر بين عون والحريري
وعلمت «الجمهورية» انّ موقف عون هذا، وخصوصاً لجهة توجيه رسالة الى المجلس واعادة فتح ملف التكليف، تلقّاه الحريري من مصادر عدة، وكان صداه سلبياً لديه، إذ انعكس توتراً بينهما، إمتد الى اللقاء المسائي بين الحريري وباسيل الذي لم يحقق اي خرق على جبهة التأليف، وفق معلومات توافرت لـ«الجمهورية» في هذا الصدد.
الى ذلك قالت مصادر قريبة من عين التينة انّ اقتراح حكومة الـ32 وزيراً هو قابل للانعاش، حسب قول رئيس مجلس النواب، إذ عندما طُرح أمامه لم يبد ممانعة («حزب الله» لا يمانع أيضاً). وسألت «الجمهورية» قريبين من «اللقاء الديموقراطي» حول موقف رئيس الجمهورية من النزول الى مجلس النواب وتوجيه رسالة اليه، فأجابوا: «الرئيس عون كان مستاء من تأخير الحكومة، وربما يمارس هذه المرة ضغطاً مضاعفاً لتأليفها، والتلويح بالرسالة الى المجلس النيابي يندرج في هذا السياق».
وعن اقتراح تأليف حكومة الـ32 وزيراً، قال مصدر معني لـ«الجمهورية» إنّ هذا الاقتراح هو أفضل الموجود، ولكن المشكلة ليست في زيادة عدد الوزراء، بل في توزيع الوزيرين الزائدين، إذ انّ هناك فارقاً بين أن يأخذ رئيس الجمهورية الوزير المسيحي الاضافي وان يأخذ الرئيس المكلف الوزير العلوي، وبين أن يأخذ الحريري هذين الوزيرين معاً. إلّا أنّ هذا الامر لم يحسم، وهو السبب الأساس في عدم البت بهذا الاقتراح حتى الآن، ولو كنتُ مكان الرئيس المكلف لوافقتُ عليه».
شجرة العيد
وعلى رغم الأجواء غير المستقرة التي تعيشها البلاد، إلّا انّ فرحة عيد الميلاد تحضر في البلدات والمدن اللبنانية، وقد أضاء الرئيس عون واللبنانية الاولى السيدة ناديا الشامي عون شجرة ومغارة الميلاد في القصر الجمهوري في بعبدا، حيث تمنى رئيس الجمهورية في كلمة مقتضبة أن «يكون العيد هذه السنة عيداً مجيداً ويعود الفرح الى قلوب الناس، على رغم الظروف الصعبة التي نمرّ بها، ولكنها تجعلنا نقدّر أكثر أيام الفرح، وعلينا ان نفرح معاً في هذا العيد».
تأمين تمويل الدولة
مالياً، وبعد إعلان الاتفاق على تمويل الدولة الذي تمّ بين وزارة المال ومصرف لبنان الثلثاء الماضي، زار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قصر بعبدا أمس، وأطلع رئيس الجمهورية على الوضع المالي وتفاصيل الاتفاق.
وكشف سلامة من بعبدا أنّ الاتفاق الذي تمّ مع وزارة المال، يؤمّن تمويل الدولة واحتياجاتها لسنة 2019. ويشكل هذا الاعلان رسالة إيجابية من شأنها خفض منسوب القلق الذي ساد في الفترة الأخيرة بسبب طرح احتمال عدم قدرة الدولة على الاقتراض لتأمين التمويل. وأكد سلامة، في المناسبة، استمرار الاستقرار المالي السائد في البلاد.