ليا القزي – الأخبار
لا تنتهي فصول المناكفات السياسية في وزارة الخارجية والمغتربين بين الوزير جبران باسيل من جهة، وحركة أمل من جهة أخرى. الانقسام ظهر من جديد في ملّف نقل «الخارجية» أحد الديبلوماسيين إلى البعثة في برلين، «من دون التنسيق» مع حركة أمل، فامتنع الوزير علي حسن خليل عن توقيع المرسوم
معاون رئيس بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة، المستشار بشير عزّام، «ممنوعٌ» من الانتقال من نيويورك إلى مركز عمله الجديد في البعثة اللبنانية في برلين. فمرسوم نقل عزّام «مُحتجز» في وزارة المالية. والمُشكلة ليست مع الديبلوماسي، بل مع مرجعيته الإدارية، أي وزارة الخارجية والمغتربين. فـ«المالية»، معترضة على تعيين عزّام (فئة ثانية) في ألمانيا، بعد أن كانت حركة أمل قد طالبت «الخارجية» بتعيين الديبلوماسي حمزة جمّول (الفئة الثالثة)، في برلين، خلفاً للمستشار أحمد سويدان (فئة ثانية). السوريالية، تكمن في وجود إجماع على أنّ بشير عزّام هو من أكفأ الديبلوماسيين في السِلك، ومن المُلمّين بالملفات التي تتولاها السفارات، كما أنّه كان «طليع دورته». ولكنّ «حظّه سيء» لأنّه لا ينتمي إلى الطائفة نفسها التي «تتحدّث باسمها» حركة أمل في الدولة. و«الحركة» تعتبر أنّه من «حقّها» أن تُسمّي الديبلوماسي الذي سيشغل المركز الثاني في السفارة لدى ألمانيا، «لوجود جالية كبيرة من الطائفة الشيعية»، تماماً كما يسعى كلّ حزب إلى «الحصول» على البعثة في البلد حيث يملك أكثرية طائفية لمصلحته. إنّه النظام اللبناني البالي، الذي يحتاج تعيين خفير فيه إلى مراعاة التحاصص الطائفي. هذه التركيبة العجيبة التي تجعل أحزاباً طائفية تُسيطر على كلّ أنواع المراكز في «الدولة»، وتُحوّل الموظفين إلى «رهائن»، جارت هذه المرّة على عزّام. ولكنّه ليس «الحالة الشاذّة» الوحيدة. فالمراسيم والقرارات التي عُرقلت للأسباب عينها، لا تُحصى، ويُعتبر مرسوم تعيين مأموري الأحراج الذي يُعرقله التيار الوطني الحرّ، من أشهرها. إلا أنّ وجود سوابق، لا يعني التسليم بواقعٍ غير سليم، لا يمتّ إلى مفهوم الدولة بشيء.
منذ منتصف تشرين الثاني، بدأت القصّة تتفاعل، بعد أن أرسلت «الخارجية» إلى وزارة المال مرسوم نقل بشير عزام من بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة إلى برلين، وأحمد سويدان من برلين إلى الإدارة المركزية، وإرسال بشير سركيس إلى القنصلية العامة في هيوستن. رفض، يومها، الوزير علي حسن خليل توقيع المراسيم الثلاثة، لأنّ تعيين مركز برلين لم يأتِ كما تشتهي حركة أمل. بقيت الأمور على هذه الحالة، قرابة الثلاثة أسابيع، قبل أن يُقرر خليل توقيع مرسومَي أحمد سويدان وبشير سركيس، ويَحفَظ في المقابل مرسوم بشير عزّام لديه، مُتمسِكاً بقرار حركة أمل «تعيين حمزة جمّول قنصلاً في برلين، ويكون الديبلوماسي رقم اثنين في السفارة».
يبدأ مسؤولون في «الخارجية» بالتوضيح أنّه لا يوجد مركز قنصل في السفارة في برلين، «يُعيّن في كلّ بعثة، إلى جانب السفير، ثلاثة أو أربعة ديبلوماسيين. وغالباً، ما يُكلّف الأدنى رتبةً بينهم بمتابعة الشؤون القنصلية داخل السفارة». يطرحون السؤال: «ما معنى ديبلوماسي رقم 2 أو 3 في البعثة؟ الأمر يتعلّق بالسفير والمهام التي يوزعها على الديبلوماسيين العاملين معه. فضلاً عن أنّه لا يوجد مركز مُخصّص عُرفاً لطائفة من دون أخرى». ينطلق المسؤولون من هذه النقطة، للقول إنّه «يجب أن يكون في بعثتنا في ألمانيا أكثر من ديبلوماسي مُكلفين بمهام مُتنوعة، ويُمكن الإيعاز إلى حمزة جمّول متابعة الشؤون القنصلية، بعد أن يتمّ تعيينه بقرارٍ من الوزير لكونه ينتمي إلى الفئة الثالثة». ليس لدى «الخارجية» مُشكلة في إرسال جمّول إلى برلين، خصوصاً أنّ الغاية من تعيين بشير عزّام في ألمانيا، «ليست التعامل مع الجالية وما يتطلبه العمل القنصلي، بل تفعيل التواصل مع السلطات الألمانية، من أجل توضيح كلّ الملفات العالقة في حال وُجدت، وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية. الخبرة التي اكتسبها عزّام من عمله في نيويورك، تُخوّله لعب هذا الدور». والنقطة التي يطرحها المسؤولون هي أنّه لا يجوز لوزير المال أن يوقف مرسوماً، «فرقابته مالية. هل المرسوم غير مستوفي الشروط حتى يحفظه؟».
غاية «الخارجية» من تعيين عزّام تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع ألمانيا
ليست وزارة المال، حقيبة «عادية»، بالنسبة إلى حركة أمل. تقول مصادرها إنّ «المالية وزارة سيادية، ولم يُناضل رئيس مجلس النواب نبيه برّي للحصول على التوقيع الرابع، حتى يتحول وزير المال إلى مُجرّد باشكاتب». تعتبر مصادر حركة أمل أنّ «التعيين في برلين لم يُنسّق معنا. كلّ البعثات موزعة طائفياً. لماذا في أفريقيا حصلت الطائفة الشيعية على ثلاث سفارات؟ بسبب الجالية». انطلاقاً من هنا، أتت المطالبة بأن يكون «الرقم 2» في برلين من حصّة حركة أمل، «وبعيداً من تفاصيل التسمية، أي شخص يستلم المهام القنصلية، يُطلق عليه لقب قنصل أياً تكن فئته الوظيفية». تُصرّ حركة أمل على أن يكون حمزة جمّول قائماً بالأعمال في برلين، «وحتى نتجه في المستقبل إلى المطالبة بمركز السفير في ألمانيا». ألا تقبلون إذاً بتعيين بشير عزّام وحمزة جمّول، على أن يُكلّف الثاني بالشؤون القنصلية؟ تعود المصادر إلى يوم كان رامز دمشقية سفيراً لدى ألمانيا، «وكان من المفترض أن يكون وسيم إبراهيم الرقم 2 في السفارة ومُكلفاً بالشؤون القنصلية. ولكن بسبب خلافات بين دمشقية وإبراهيم، عُزل الأخير وسُلّمت مهامه لـ(مدير مكتب وزير الخارجية حالياً) هادي هاشم». ما يُخشى منه حالياً، «حصول تطورات ما، تؤدي إلى تدهور العلاقة بيننا (حركة أمل) وبين السفير مصطفى أديب، أو يُعقد اتفاق بين الأخير وبشير عزّام على حساب حمزة جمّول». والحلّ؟ «الموضوع سياسي»، بالنسبة إلى حركة أمل التي لا تريد التنازل، تماماً كما تُصرّ وزارة الخارجية على إرسال أكثر من ديبلوماسي إلى برلين، وفي مقدمهم بشير عزّام.