عماد مرمل – الجمهورية
يراقب سلوك «القوات اللبنانية» أخيراً، لاسيما بعد قبولها الاضطراري بحصّة حكومية غير مُرضية لها، يلاحظ انّها باتت تميل الى ان تنأى بنفسها عن الغوص في معارك سياسية ضد «حزب الله» وفق توقيت الآخرين ومقتضياتهم، خلافاً لسلوكها في السابق، حين كانت تستغل كل فرصة للهجوم بعنف على «الحزب»، إمّا بالاصالة عن نفسها وإمّا بالوكالة عن حلفائها.
يفضّل سمير جعجع ان يبقى في هذه المرحلة على مسافة مدروسة من «خطوط التماس» المباشرة مع «الحزب»، محاولاً تنظيم الخلاف العميق بينهما، على قاعدة ربط النزاع ما دام حسمه متعذراً حتى إشعار آخر، بينما كانت «القوات» في الماضي تندفع نحو شن الحملات على «الحزب» والاشتباك معه، لأسباب ابسط بكثير من تلك التي تبدو متوافرة لها في هذه الفترة.
ومن يدقق في مسار «القوات» أخيراً، يستوقفه على سبيل المثال انّها لم تبالغ في استثمار العقدة السنّية ولم تتمترس خلفها للهجوم على «الحزب»، مكتفية بإبداء موقف مبدئي داعم للرئيس سعد الحريري، انما من دون ان تتحمّس لخوض صدام حاد مع حارة حريك، تاركة لعون والحريري ان يقلّعا شوك العقدة المستجدة بأيديهما.
لم تشعر معراب بأي حافز لرفع السقف وخوض معركة خارج أرضها، بالنيابة عن غيرها او كرمى لعيون غيرها، خصوصاً انّها كانت قد قبلت على مضض حصّتها الوزارية بقوة الامر الواقع الذي فرضه رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف عليها، تحت طائلة إخراجها من الحكومة إذا رفضت ما هو معروض.
قبلت «القوات» تحت الضغط بوزارات الثقاقة والشؤون الاجتماعية والعمل الى جانب نيابة رئاسة الحكومة، بعدما كانت تطلب العدل والزراعة، ولذلك هي لا تجد موجباً للإفراط في التضامن مع من تعتقد انّه ظلمها وحجب عنها الحقائب الوازنة.
مثال آخر على واقعية «القوات» وبراغماتيتها المتطورتين في التعاطي مع الحزب، عكسته طريقة تعاملها مع حادثة الجاهلية. هنا ايضاً، لم تبالغ معراب في التصويب على حارة حريك، على الرغم من الدور الحاسم الذي أدّته في حماية وئام وهاب من مفاعيل قرار الحريري و«فرع المعلومات» بمعاقبته. اكتفى جعجع برسالة تأييد، مدروسة المقادير، أبلغها الوزير ملحم رياشي الى الحريري، وتضمنت تأكيد الحرص على الاستقرار والقانون، لا أكثر ولا اقل. وتردّد انّ «القوات» عمّمت على مسؤوليها ضرورة التقيّد بهذا السقف في مواقفهم من واقعة الجاهلية وعدم تجاوزه الى ما هو أبعد.
بدا جعجع وكأنّه اراد ان يكتفي بالحد الادنى من التعاطف مع الحريري، على قاعدة ثوابت عامة لا يختلف عليها اثنان، من غير ان يتصدّر الخطوط الامامية للمواجهة التي لم يستشره أحد في توقيتها او نمطها. لم يهدّد بالويل والثبور وعظائم الامور، ولم يكلّف «قوات الصدم» السياسي بأي مهمة على محاور الضاحية.
والارجح، انّ ما ساهم في تبريد أعصاب جعجع وضبط ايقاعها، هو انّه افتقر الى الحماسة للدفاع عن النائب السابق وليد جنبلاط ضد وهاب و«الحزب»، لاعتقاده بأنّ رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» انقلب عليه خلال مفاوضات تشكيل الحكومة وتفرّد بإبرام تسوية مع عون حول المقعد الدرزي الثالث، وصولاً الى فصل مساره عن مساري معراب وبيت الوسط، ما أضعف موقعيهما التفاوضي وقلّص هامش المناورة لديهما.
إنعطافة جنبلاط تلك، من دون سابق انذار، أزعجت جعجع الذي كتم غضبه آنذاك لضرورات استراتيجية، إلا انّ ذلك لا يعني انّه تقبّل ما حصل، وبالتالي فهو وجد الآن انّه ليس مضطراً الى ان يزج بـ«القوات» في مواجهة حساسة داخل الجبل، من اجل حليف افتراضي، لم يراعِ موجبات التنسيق في المعركة الاهم المتعلقة بتوازنات الحكومة الجديدة.
يوحي جعجع بأنّ علاقته مع حلفائه اصبحت اكثر ندّية من السابق، وانّ منح الخدمات السياسية لم يعد وارداً، بل كل شيء بسعره وفق متطلبات العرض والطلب. هذه هي على الأرجح حصيلة تجربته خلال الاشهر الماضية، والتي طغى مرّها على حلوها.