صحيفة الجمهورية
بَقي المسرح الجنوبي محور المتابعة الداخلية، في وقت يتحضّر لبنان لتقديم شكوى ضد إسرائيل الى مجلس الامن الدولي، في وقت مَضت المستويات السياسية والعسكرية الاسرائيلية في تهديداتها الى «حزب الله» بالتوازي مع توالي الدعوات الدولية لضبط النفس وعدم الاقدام على أي خطوة قد ينحدر معها الوضع على جانبي الحدود اللبنانية الفلسطينية الى منزلقات حربية خطيرة. أمّا في الداخل المعطّل، فكان المفاجىء حديث مستويات سياسية معنية بالملف الحكومي، عن نَسمة تفاؤل بدأت تضرب الاجواء المعطّلة، وأوحت انّ مواقف بعض الاطراف تدرّجت من التصلّب الى الليونة، إلّا انّ هذه الليونة تبدو عابرة وغير مكتملة، وتتطلّب جهوداً كبرى لقطف ثمارها وتمهيد الطريق لإحداث اختراق نوعي يجعل من إبصار الحكومة النور خلال الايام القليلة المقبلة احتمالاً قوياً.
حكومياً، أشيعت في الساعات الماضية أجواء توحي بأنّ سلسلة اتصالات جرت على أكثر من خط، سعياً لبلورة مخرج لعقدة تمثيل «سنّة 8 آذار» في الحكومة، وتحدثت مصادر موثوقة عن انّ الجهات المعنية بملف التأليف لمست ما سَمّتها إشارات ايجابية يجري البناء عليها لإدخال الحكومة الى غرفة الولادة السريعة.
حل وسط
وتحدثت المصادر عن ليونة أبداها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لناحية تَخلّيه عن الوزير السني من الحصة الرئاسية الخماسية، لصالح تمثيل «سنّة 8 آذار».
ولفتت المصادر الى انّ الاجواء المحيطة بهذه الليونة، تؤكد الذهاب الى «حل وسط»، يقوم على موافقة رئيس الجمهورية على التخلّي عن الوزير السني، على أن يتم اختيار الوزير البديل من خارج النواب الستة، بل بالتنسيق معهم.
وتحدثت المصادر عن ليونة مماثلة لدى الرئيس المكلف سعد الحريري، تَدرّجَ فيها موقفه من الرفض المبدئي لتمثيلهم الى الموافقة على تمثيلهم ووفق حل الوسط المطروح.
إلّا انّ مصادر قريبة من الرئيس المكلف قالت لـ«الجمهورية» ان الامور على حالها ولا جديد، ولا تصحّ الإجابة عمّا يحكى.
كرامي لـ«الجمهورية»
وفي المقابل، أحدثَ هذا المخرج صدى سلبياً لدى النواب الستة، الذين أصرّوا على موقفهم بتمثيل احدهم في الحكومة. وقال النائب فيصل كرامي لـ«الجمهورية» إنّ «النواب المستقلين السنّة لا يزالون عند موقفهم المطالب بتسمية أحدهم وزيراً ممثّلاً عن هذه الشرائح الاجتماعية».
واضاف: «إنّ هؤلاء النواب يتعرّضون لحملات تكفير وتجريح وتهشيم غير مقبولة ومرفوضة، وباتت كرامتهم وكرامة الناس الذين يمثّلونهم «على المحك». وبالتالي، لا مجال لمناقشة أي طرح وسطي يقضي بتسمية سنّي من خارج النواب الستة، وهو مرفوض من جانبنا».
ولفت كرامي الى انّ «الحل بيَد رئيس الحكومة المكلّف، الذي عليه المبادرة لمعالجة أزمة تمثيل النواب الموجودين خارج كتلته».
في هذه الاجواء، كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يكرر امام نواب الاربعاء مطالبته بالتعجيل بتشكيل الحكومة، وانه لا بد من بَذل المزيد من الجهود لإنضاجها في أقرب وقت.
ونُقل عنه قوله «اننا نعوّل على حركة الوزير جبران باسيل في ما يتعلق بالمقترحات للوصول الى حل نهائي للموضوع، هناك فكرتان سقطتا وثمّة فكرة ثالثة لا تزال مستمرة»، وانه أي بري «يقبل بتوسيع الحكومة الى 32 وزيراً، علماً انّ هذه الفكرة لا تزال قابلة للنقاش».
«لبنان القوي»
بدوره، أكد تكتل «لبنان القوي» التزامه «بالتحرّك الذي يقوم به رئيسه الوزير جبران باسيل، واعتبر انّ الحلول كثيرة ومتوافرة من دون ان يشعر أحد بالاستهداف. ومن المفترض التوَصّل الى قواسم مشتركة من دون تأخير».
وشدّد «التكتل» على انه مستمر في المسعى الذي يقوم به «بالروحية نفسها، ومن دون أي محاولة للتعرّض لحقوق أحد، ولكن التضحية ضرورية، وإطلاق عجلة السلطة التنفيذية لتتحمّل مسؤولياتها ومهامها مالياً واقتصادياً وأمنياً باتَ حاجة ملحّة».
مجلس المطارنة
بدوره، أعربَ مجلس المطارنة الموارنة، بُعَيد اجتماعه الشهري في بكركي، عن قلقه «لغياب أي بصيص أمل بتشكيل الحكومة، بسبب تمسّك كل فريق بمطلبه وموقفه، وبسبب الأحداث الداخلية المستجدة، فيما تتفاقَم الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية».
ودعا المسؤولين السياسيين إلى اتّقاء الله في وطنهم وشعبه ومؤسساته. معلناً انّ الآباء يَتّكلون على حكمة فخامة رئيس الجمهورية، كي يجد الحل المناسب للمعضلة التي تحول دون ولادة الحكومة الجديدة، من أجل خلاص الوطن من الأخطار المحدقة به داخلياً وخارجياً».
الاجتماع الثلاثي
امّا جنوباً، فانعقد الاجتماع العسكري الثلاثي في الناقورة بين ممثلين عن الجيش اللبناني والجيش الاسرائيلي وقوات اليونيفيل، وعلم انّ التطور الاخير المتعلق بالرواية الاسرائيلية حول وجود نفق حَفرَه «حزب الله» في بلدة كفر كلا ويمتد الى ما بعد الشريط الفاصل على الحدود، قد فرض نفسه بنداً اساساً في هذا الاجتماع.
وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ ممثل قوات الطوارىء الدولية العاملة في الجنوب قدّم عرضاً للوضع في منطقة عمل اليونيفيل، مع التشديد على مهمتها في المساعدة على ضمان استمرار الاستقرار في منطقة عملياتها وعلى جانبي الحدود، مشدداً على ضرورة تعاون جميع الاطراف والالتزام بالقرار 1701، ومشيراً في الوقت نفسه الى بعض الخروقات التي تعتبر انتهاكاً للقرار المذكور.
تضيف المعلومات انّ موضوع النفق الذي قالت اسرائيل انّ «حزب الله» حَفره، وينطلق من مبنى مدني في قرية كفر كلا الجنوبية ويجتاز الخط الازرق لمسافة 40 متراً داخل الجانب الفلسطيني من الحدود، قد أثير في الاجتماع. وكرّر خلاله الجانب الاسرائيلي الرواية الاسرائيلية مستنداً الى صوَر قال إنها للنفق، والتي سبق ان عرضها الناطق بإسم الجيش الاسرائيلي، ولم يقدّم خلال الاجتماع أي اثباتات او إحداثيات تحدد موقع النفق وتؤكّد وجوده.
امّا الجانب اللبناني، وبعدما قدّم عرضاً للخروقات التي تقوم بها اسرائيل والانتهاكات المتتالية للقرار 1701 وللسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً، رفض المزاعم الاسرائيلية حول النفق، مؤكداً ان ليس هناك ما يثبت وجوده.
لا إحداثيات
وبحسب بيان لقيادة الجيش، فإنّ «الجانب اللبناني شدّد على موقف الحكومة اللبنانية المتمسّك بسيادة لبنان على أراضيه ومياهه البحرية وثرواته النفطية، والرافض لخروقات العدو الإسرائيلي الجوية والبحرية والبرية والاستفزازات المتكرّرة، وطالبَ بوَقفها، كما جدَّد مطالبته بالانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم المُحتلّ من بلدة الغجر».
كما أكد «الجانب اللبناني، بحسب بيان الجيش، «أنّ مزاعم العدو المتعلّقة بوجود أنفاق عند الحدود الجنوبية هي مجرّد ادعاءات لحينه، وطالبَ بمعلومات دقيقة وإحداثيات عن الأماكن التي زعمَ العدو الإسرائيلي أنّها تحتوي على أنفاق، وذلك ليُبنى على الشيء مقتضاه. كما شدّد على عدم قيام العدو بأي أعمال داخل الأراضي اللبنانية».
كذلك أكّد «الجانب اللبناني التزام لبنان بالقرار 1701 وبحدوده المعترف بها دوليّاً، مطالباً بتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 13 / L73 القاضي بالطلب من العدو الإسرائيلي ضرورة دفع المستحقات المترتّبة على عدوانه على المنشأة النفطية في الجية في العام 2006، التي نَجم عنها أضرار بيئية جسيمة بقيمة نحو 856,4 مليون دولار، ودعا المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى الضغط على العدو الإسرائيلي لتنفيذ القرار المذكور».
بري يُشكّك
بالتزامن مع الاجتماع، كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري يُشكّك بالمزاعم الاسرائيلية، ويؤكد امام نواب الاربعاء «أنّ هذه المزاعم لا تستند الى اي وقائع صحيحة على الإطلاق». مشيراً في هذا المجال الى الإجتماع الثلاثي في الناقورة، حيث لم يتقدّم الإسرائيلي بأي معلومات أو إحداثيات حول هذا الموضوع.
فيما كان وزير الخارجية جبران باسيل، يعد لتقديم شكوى ضد اسرائيل الى مجلس الامن الدولي حول الخروقات الاسرائيلية المتكررة تجاه لبنان، والتي تعدّ نحو مئة وخمسين خرقاً شهرياً.
إسرائيل تهدد
امّا على الجانب الاسرائيلي، فتوالت التهديدات، وجديدها على لسان الرئيس الاسرائيلي رؤوفين ريفلين، الذي ذكرت صحيفة يديعوت احرونوت العبرية انه بعث برسالة تحذير للحكومة اللبنانية يحمّلها فيها مسؤولية كل ما يجري في لبنان.
وبحسب الصحيفة، فإنّ الرئيس الإسرائيلي حذّر «حزب الله» من تحويل لبنان لجهة تعمل وفق الأجندة الإيرانية، ومن أن يجعل أراضيه قاعدة لتنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية.
وقال ريفلين، خلال حفل بمناسبة ما يُسمّى «عيد الأنوار» في قاعدة «رامون» التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، إنّ «منظمة «حزب الله» تَعرضُ نفسها وكأنها حامية لبنان، ولكن بأعمالها هذه، هي تجلب الخراب والدمار له»، وفق تعبيره.
وأضاف أنّ ما كشفته قوات الجيش الإسرائيلي من أنفاق على الحدود مع لبنان، «يبيّن مدى عمق التدخل الإيراني في لبنان وتمويل «حزب الله» وتوجيهه».
بدوره، وصف وزير الاستخبارات الإسرائيلية، يسرائيل كاتس، عملية «درع الشمال» بـ»الاستراتيجية، إذ أنها تجرد «حزب الله» من قدرته الهجومية وتمنعه من التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية تحت الأرض». وقال إنّ نصرالله في حالة من الهلع التام لانكشاف سرّه المكتوم».
وكشف انّ «إسرائيل تعكف على عزل لبنان في الحلبة السياسية بالمنطقة»، مشيراً إلى أنه «اتفق مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على أن تقود الولايات المتحدة عقوبات من شأنها أن تشلّ «حزب الله».
بدوره، أورد المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي صوراً اضافية حول النفق الذي قال انه يمتد 40 متراً الى داخل اسرائيل. وآخر تلك الصور لمصنع بلوكات مدني في كفركلا تحوّل الى مكان انطلاق نفق «حزب الله» الهجومي».
بالتوازي مع تغريداته الهجومية المتتالية، وطالَ فيها الوزير باسيل واتهمه بأنه «مُعتاد على أن يكذّب على الناس ويستهتر فيهم»، وسأل: «هل حان الوقت لإقامة جولة إعلامية بالقرب من مصنع البلوكات في كفركلا؟».
وقال: «تابعنا المبنى منذ 2014 و»حزب الله» حرص على إخفاء كل ذلك عن سكان كفركلا وعن اليونيفيل وإسرائيل، هكذا يستخفّ «حزب الله» بمصلحة سكان لبنان وقرارات وتعهدات حكومتهم، ويتحرك بهذه القرى كأنه صاحب القرار والسيادة».
إستبعاد الحرب
وفي السياق ذاته، ذكرت صحيفة هآرتس العبرية أنّ «طريقة تسويق عملية «درع الشمال» للجمهور صَبغتها بألوان دراماتيكية جداً أثارت الرعب في أوساطه، ونحن نعرف كيف بدأت لكن لا أحد، ولا حتى رئيس هيئة الأركان العامة، يعرف كيف ستنتهي».
ولفتت الى انّ تقديرات المنظومة الأمنية الإسرائيلية، تشير الى عدم تَسرّع «حزب الله» في الرد على اكتشاف أنفاقه على الحدود مع إسرائيل. ونقلت عن مصادر قولها: «إنّ هناك احتمالات بأن تؤدي هذه العملية الى تصاعد الأوضاع على الجبهة الشمالية».
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإنّ الطرفين ليسا معنيين بخَوض حرب في هذه الفترة، مشيرة الى احتمالات قيام عناصر «حزب الله» باستفزاز الجنود الإسرائيليين خلال الحملة.
واتّهمت زعيمة المعارضة الإسرائيلية، تسيبي ليفني، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بـ«التضخيم، في قضية اكتشاف أنفاق لـ»حزب الله» شمال إسرائيل لأغراض سياسية».
ولفتت، في حديث إلى الإذاعة الإسرائيلية العامة، إلى «أنّها في حين تثمّن اكتشاف الجيش الأنفاق وتدميرها، فإنّه يجب إبقاء العملية ضمن حجمها الحقيقي».
وامّا صحيفة يديعوت احرونوت فقالت انّ تقديرات الجيش الإسرائيلي تشير الى أنّ أنفاق «حزب الله» قليلة، والجيش الإسرائيلي يواصِل حملة درع الشمال، للبحث عنها على الحدود مع لبنان، مع الحفاظ على حالة التأهب والجهوزية.
واللافت في الصحيفة التشكيك في توقيت العملية وجدواها، واعتبارها عملية غير ناضجة، والتساؤل عما اذا كانت للتغطية على مسلسل من الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي؟».
موسكو
الى ذلك، أعلنت المتحدثة الرسمية بإسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أنّ موسكو تعوّل على أنّ إسرائيل لن تنتهك القرار الأممي رقم 1701 خلال العملية التي تجريها شمالي البلاد.
وقالت زاخاروفا: «لا مجال للشك في حق إسرائيل لحماية أمنها القومي، بما في ذلك منع أيّ كان من التسلل غير الشرعي إلى أراضيها، إلّا أننا نُعرب عن أملنا في أنّ الأعمال التي تتخذ لهذا الغرض لن تتعارض مع بنود القرار الأممي رقم 1701 الذي ينص على قواعد تصرف الأطراف في المنطقة الزرقاء».