إيلي حنا – الأخبار
يوم حطّ دونالد ترامب في الرياض في أيار من العام 2017، ووضع يديه على «الكنز» هاتِفاً «وجدتها»، لم يكن الرجل أمام إنجاز صنعه بمفرده. «حَلْب» مئات مليارات الدولارات من الخزينة السعودية، والكثير من الـjobs jobs jobs (الوظائف) كانت من «بنات أفكار» رجل سَلَّم نظامه وخيرات بلاده وشعبه لرجل أعمال شاءت أقدار الناخب الأميركي أن يوصله إلى سدة الرئاسة. حكام الرياض، أو بالأحرى محمد بن سلمان، لم يتردد في كشف كل أوراقه دفعة واحدة أمام فريق الرئيس المنتخب. لم يبخل عليه بالوعود الاستثمارية والهبات المالية والبشرية. حوّل مملكته إلى أداة تنفّذ المصالح والمطامع الأميركية في المنطقة. «الأخبار» تعرض وثائق سرية سعودية تعود إلى العام 2016، يومَ شاحت أنظار الدول والشعوب نحو ذاك الرجل «المتعجرف» الذي سيحكم الولايات المتحدة.
«ليس هناك مكان في الأرض لا يسأل ما هو رأي أميركا» كتب يوماً مستشار الأمن القومي السابق زبغنيو بريجنسكي. هناك دول تسعى لفهم ما تريد أميركا في إطار مخاصمتها وأخرى لمجاراتها، أمّا ابن سلمان في حِراكه السياسي والاقتصادي، ومن خلال الوثائق التي تنشرها «الأخبار» بالتزامن والتعاون مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، فيظهر كالجاري نحو استعبادِه. في زمن تخلّصت فيه البشرية، أو تكاد، من الرِق، يهرول رجل قابض على ثروات مهولة يحرم منها شعبَه و«إخوانه العرب والمسلمين»، نحو «سيّد أبيض» ليقول له هذا مالي وشعبي وديني، خذه إنه مُلكك، واعطني كرسياً إلى جوارك.
زيارة ترامب التاريخية إلى السعودية، إذاً، كان مخططاً لها مسبقاً، وهذا يشي بـ«تلاعبٍ» من قبل حكومة أجنبيّة برئيس أميركي. القانون الأميركي لا يسمح بمناقشة حكومة أجنبيّة في السياسة الخارجيّة من دون تكليف رسمي من قبل السلطة التنفيذيّة. لكن ولي العهد مستعجل ولا يرى سوى رئيس جديد ليسرع نحو ملاقاته في أول الطريق.
الرياض سعت مبكراً لفهم ترامب وفريقه. جنّدت مقابل المال عدداً من النافذين بمن فيهم كينيث دوبرستين (كبير موظفي البيت الأبيض في عهد ريغان). وتوصّلت مبكراً إلى أهميّة جاريد كوشنر. أليْس «الصهر»، في الأشهر الأخيرة، من يتخطى الأعراف الديبلوماسية ليرسم سياسات في المنطقة عبر الرسائل القصيرة مع صديقه وشريكه في رحلات الصيد (ولي العهد)؟
في تشرين الثاني من العام 2016، قدّم فريق ابن سلمان لترامب عرضاً شاملاً، سياسياً وعسكرياً وأمنياً وثقافياً. عرض لا يحتمل التفكير فيه مرّتين. ماذا ينقصنا لنكون حليفاً لكم كإسرائيل. حتى «الإصلاحات» التي ظهرت في الوثائق كانت موجهة للرأي العام الأميركي (من قيادة المرأة للسيارة إلى «محاربة التطرف» والانفتاح الإعلامي والثقافي) لا للمواطنين السعوديين. الإسلام؟ نملك «أكثر من 2000 مفكر إسلامي ويتميّز علماؤنا بالتأثير الأعلى في العالم الإسلامي». حتى «ديننا» خدمة لمشاريعكم. «معاً» نحلّ القضية الفلسطينية، ونستثمر بمليارات الدولارات في بلدكم. ما رأيكم بـ«منطقة تجارية أميركية على ساحل البحر الأحمر»، تكون بوابتكم لأفريقيا والشرق والأوسط. لا يكفي؟ لدينا قوة بشرية عربية محارِبة تحت تصرف السيد الرئيس. اختاروا ما طاب لَكم. نحن جاهزون للسُّجود. قبل أن يدخل ترامب البيت الأبيض، وضع ابن سلمان نفسه وفريق عمله وثروات بلاده في تصرّفه، وبدأت «رحلة الولاء».