مرلين وهبة – الجمهورية
تقرأ مصادر سياسية محايدة ما جرى في الفترة الأخيرة من تصعيد سياسي وتوتير أمني مذهبي وطائفي، بأنّه يأتي في إطار تبادل الرسائل على الساحة اللبنانية، بين النظام السوري وغريميه الرئيس المكلّف سعد الحريري وزعيم المختارة وليد جنبلاط، وتخشى المصادر عينها من تكرار تبادل الرسائل والضربات بشكل تصعيدي، وتوسّع الانقسام والاصطفاف السياسي، خصوصاً بعد دخول «حزب الله» على الخط، ما يزيد من المخاطر والتهديدات، التي تُلقي بثقلها على الوضع اللبناني أمنياً واقتصادياً يوماً بعد يوم.
تتفق مصادر «تيار المستقبل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» على أنّ ما حذّر منه الوزير السابق وليد جنبلاط، من أنّ «سوريا عادت الى الساحة اللبنانية وستنتقم»، بدأ يأخذ منحىً تنفيذياً من خلال وقائع عدة أبرزها:
أولاً، تصعيدُ الكلام السياسي والاستهدافُ الشخصي، وتحريكُ الشارع، وهو ما أدّى الى أزمة الجاهلية وما زال مستمراً.
ثانياً، تحريك موكبٍ مسلّح جال مناطق الشوف ليل الخميس وتمّ تطويقُه في محلة الباروك، ولولا تدخّل الجيش لكانت حصلت مجزرةٌ بكل ما للكلمة من معنى.
ثالثاً، خلقُ عُقدة ما سمّي بتوزير نواب «سنّة 8 آذار»، والتي أدّت الى فرملة تشكيل الحكومة التي كانت على باب قوسين من إعلانها.
«رسائلُ سورية»
وتتقاطع مصادر «تيار المستقبل» و»الاشتراكي» على أن لا خيار أمامهما إلّا مواجهة «الرسائل السورية» سياسياً وأمنياً، إن من خلال تواصل عقلاني مع «حزب الله» أو من خلال رسائل مضادّة، على قاعدة وحدة الموقف بين «المستقبل» و«الاشتراكي» من جهة، والتمسّك بتطبيق الدستور والقوانين، مهما كان الثمن من جهة ثانية.
وتخشى مصادر الجانبين من تكرار مثل هذه الرسائل في مناطق أخرى وبأشكال أخرى، تؤدي الى مزيد من التوتير والتصعيد، في وقت تتطلب الأوضاع في البلاد بذلَ مساعٍ كثيفة لتأليف الحكومة ومواجهة المخاطر والتحدّيات الكبيرة الاقتصادية والمالية، والتي حذّر منها البنك الدولي والمؤسسات الدولية المعنية، والتي يدركها جيداً جميع اللبنانيين.
شغبٌ متنقل
واللافت، أنّ الأوضاع الداخلية أساساً هشّة، وأنّ حالةً من الفوضى تعمّ مناطق عدة لأسباب مختلفة، إذ إنّ مهاجمة مسلّحين لحواجز الجيش في البقاع وإحراق عدد منها، لا يُعدّ بالأمر البريء، كما أنّ جمهور «تيار المستقبل» جاب الشوارع الأسبوع الماضي في مناطق من الإقليم وبيروت والشمال، احتجاجاً على التعابير المهينة في حق عائلة الحريري.
وتؤكّد المعلومات، أنّ الرئيس المكلّف سعد الحريري، مدعوماً من الوزير جنبلاط ومراجع أخرى، لن يتراجع عن تطبيق القوانين والتمسّك بالدستور، إن على الصعيد السياسي أو على الصعيد القضائي، وأنّ المطلوب ليس اعتقال وهّاب، وإنما الردّ على الرسائل السورية بشكل حازم، حتى لا تفلت الأمور أكثر.
ليست فقط سوريّة!
واللافت أنّ مصادر في «تيار المستقبل» تعتبر أنّ الرسائل ليست فقط سورية بل هي أيضاً رسائل «حزبية» وموجّهة من «حزب الله» للجميع وليست لجنبلاط وحده… بدءاً من رئيس الجمهورية وصولاً الى الحريري وغيرهما، بمَن فيهم وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يبدو أنه «دعس دعسة ناقصة في مكانٍ» ما، فأراد «الحزب» إفهامَه أيضاً أنه ليس بمنأى عن تحذيراتهم إذا «ضيّع البوصلة»، ولا سيما أنّه صعّد أخيراً باتّجاه فريق «8 آذار» وتحديداً تجاه «حزب الله» وحلفائه، وهذا ما قد يفسّر إدراج «الحزب» إسم المشنوق في رسائله المتشعّبة.
ماذا بعد الجاهلية؟
تؤكد مصادر «تيار المستقبل» أنّ الحريري ليس المعنيَّ الوحيد بالتوجّهات «المستقبلية» لشعبة المعلومات سواءٌ في كيفية متابعة الإجراءات القانونية أو غيرها من إجراءات، مسلكيةً كانت أو قضائية، لأنّ المسألة هي قضية «هيبة الدولة»، وهي المعنية الأولى بالحفاظ على كرامتها واسترجاع هيبتها، كما أنّ المسألة ليست فقط شخصية بين وهاب والحريري.
والقول إنّ الحريري يريد «الإقتصاص» من وهّاب هو قراءة سياسية ساذجة لأنّ الأساس هيبةُ القضاء التي تبدو وحدها على المحك اليوم، ولأنّ إثارة النعرات الطائفية والمسّ بالسلم الأهلي مسألة عامة تعني جميع المواطنين وليس تيار المستقبل فقط.
أين الرئيس؟
وتضيف مصادر «المستقبل» لـ «الجمهورية»: لطالما دعونا «حزب الله» للعودة الى لبنان ولكن ليس لاستهداف قضائه وهيبة دولته، ونحن ننتظر موقف رئيس الجمهورية من الواقع القائم، وفي ما إذا كان مدركاً لخطورة ما يجري، لأنّ تيار المستقبل متأثرٌ فعلاً بضعف الدولة وبغيابها، ولأنّ الواقع يستهدفه أولاً كما يستهدف «التيار الوطني الحر» و«الحزب الاشتراكي» وكل الأحزاب التي تخضع لسلطة الدولة»، لافتةً الى أنّ الرسائل السورية لا يمكن ترجمتُها على الأرض اللبنانية من دون «معونة قديرة» أي بلا تعاون «حزب الله»، مضيفةً أنه منذ خروج القوات السورية في 29 نيسان 2005 حتى اليوم لم يعد هناك مجالٌ لأيِّ تحرّك سوري داخل الأراضي اللبنانية دون تغطية أو تنفيذ عملي من قبل «حزب الله».
أما بالنسبة الى التصعيد في هذا الوقت، فتعتبر المصادر انه لتحييد الضوء عن المعطل الأساسي أي «الحزب» منذ أن أطلق «عقدة السنّة و«تلبيسها» للفريق الآخر» بعدما توجّهت أصابع الاتّهام الى «المعطّل الأساسي» خصوصاً بعد إحراجه أيضاً من رئيس الجمهورية الذي وجّه اليه أصابع الإتهام علانية بهدف «التعطيل التكتيكي»… لذلك أراد الحزب ليس فقط تحييد الأصابع التي تتّهمه بالتعطيل بل أيضاً تضييع الأولويات من خلال الإيحاء بأن اليوم برزت أولويات على الساحة المحلية، ولذلك يجب وقف الحديث عن التعطيل لأنّ السلم الأهلي هو الأبرز وليس تشكيل الحكومة أو معرقلوها.
الحكومة في مهب «الوئام»
«لا نرى حكومة «راكبة» حتى اليوم خصوصاً بعد الأحداث الأخيرة علماً أنّ هذا الحدث من المفترض أن يعجّل في احتمال تأليفها»، هذا ما تتداوله أيضاً مصادرُ متعددة في التيار الأزرق، وتوضح أنّ «تيار المستقبل لا يرى عمليّاً «حكومة»، مؤكِدةً أنّ «تركيب» حكومة «حزب الله» هو «أمر لن نرضى به لأنه بذلك يكون قد نفّذ «الحزبُ» مبتغاه وما خطّط له… إلّا أننا ثابتون».
وعليه! تبدو مقولة «اشتدّي يا أزمة لتنفرجي» مقولةً كلاسيكية بالية أسوةً بإحتمال قيام حكومة «الإنقاذ الوطني» قبل الأعياد التي أصبحت اليوم في مهبّ «الوئامِ» الوطنيِّ المستجدّ.