صحيفة الأخبار
اقتربت موسكو في خطابها الأخير من العاصمة الكازاخية، من الرؤية التركية والتخوف بشأن مستقبل شرقي الفرات تحت الرعاية الأميركية، مراهنة على حماية «منجزات» مسار «أستانا» في وجه هجوم واشنطن الأخير ضدّه
كرّست جولة محادثات «أستانا»، الأخيرة، الجمود الذي يلفّ مسار تشكيل «اللجنة الدستورية» منذ أشهر، وسط استمرار الخلاف على تسمية الثلث الثالث من أعضاء اللجنة. وجاء الموقف الأميركي الحادّ اللهجة تجاه روسيا وإيران، بصفتهما طرفين ضامنين في مسار «أستانا»، ليكشف ضعف احتمال التوافق الدوليّ على «قائمة معدّلة» للثلث الخاص بالمجتمع المدني والشخصيات المستقلّة، كان يحتمل أن ترشح عن تفاهمات بين «ضامني أستانا» والأمم المتحدة. تلك المؤشرات تعزز فرضية انتقال معضلة تأليف اللجنة إلى عهد المبعوث الأممي الجديد، فيما تفتح تطورات إدلب وشرقي الفرات المجال أمام توتر بين اللاعبين الدوليين المعنيين بالملف السوري. المقاطعة الأميركية لاجتماعات أستانا (بصفة وفد مراقب) والهجوم اللاحق السريع على رعاتها، إلى جانب المؤتمر الموازي الذي عقده «مجلس سوريا الديموقراطية» في عين عيسى، قابلتها لهجة حادة من الجانب الروسي في العاصمة الكازاخية. وصوّب رئيس الوفد الروسي والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرينتيف، على الوجود الأميركي في شرقي نهر الفرات وتعاونه مع بعض القوى الكردية هناك، باعتباره «تهديداً حقيقياً لوحدة الأراضي السورية». ورأى أن الولايات المتحدة «تختلق ذريعة محاربة داعش للبقاء» في الشرق السوري. وحول غياب ممثلين عن القوى السياسية في مناطق النفوذ الأميركي، لفت لافرينتيف إلى أن بلاده ترغب في مشاركة القوى التي لا ترفض تركيا وجودها لكونها «تهدد أمنها».
سيشهد مجلس الأمن جدلاً بشأن تجديد آلية «إيصال المساعدات عبر الحدود»
هذا الموقف الروسي الذي يصب في خدمة أنقرة، ضمن إطار مفاوضاتها مع الجانب الأميركي في شرقي الفرات، يساعد في الوقت نفسه على تعزيز التعاون معها في إدلب ومحيطها، ومنع واشنطن من فرض شروطها على تشكيل «اللجنة الدستورية»، عبر عزل القوى السياسية الحليفة معها. وفي الوقت نفسه، تنتظر موسكو أن يقوم الجانب التركي باستكمال تنفيذ «اتفاق سوتشي»، بما يسمح بتجنب التصعيد المتنامي على أطراف منطقة «خفض التصعيد». وبعد تأكيد المبعوث لافرينتيف أمل بلاده بتمكّن «المعارضة المعتدلة» من تحييد الإرهابيين، عاد الرئيس فلاديمير بوتين ليشدد أمس على هامش «قمة العشرين» في الأرجنتين، على ضرورة «عقاب الإرهابيين» الذين يواصلون الهجوم على مناطق سيطرة الحكومة السورية، وخاصة القصف الأخير الذي استهدف أحياء مدينة حلب بقذائف تحوي مواد كيميائية. ورغم تصعيد اللهجة الروسية حيال تلك الانتهاكات، فإن ذلك لا يشكل أي تهديد لـ«اتفاق سوتشي»، إذ أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا، أن «هذه الاستفزازات نفّذت سابقاً لتبرير هجمات التحالف الدولي على القوات الحكومية… والآن تهدف إلى إحباط تنفيذ المذكرة الروسية ــــ التركية (اتفاق سوتشي) وزعزعة استقرار التعاون ضمن صيغة أستانا»، مضيفة إن «الاجتماع الأخير في أستانا أظهر أن هذه الخطط غير مجدية». وتأتي هذه التطورات وسط تحذيرات أممية من «تفاقم العنف» في إدلب، وفي موازاة تحركات جديدة لوحدات الجيش السوري في الريف الشمالي لكل من اللاذقية وحماة، فُسّرت على أنها استعدادات لعملية عسكرية تستهدف مناطق سيطرة التنظيمات المصنفة إرهابية.
وفي ضوء التوتر المتنامي بين الجانبين الروسي والأميركي في الشأن السوري، ينتظر أن يشهد مجلس الأمن خلال الفترة المقبلة جدلاً جديداً حول مشروع قرار صاغته الكويت والسويد، وينص على «تجديد آلية وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى داخل سوريا»، إذ ينتهي القرار المعمول به حالياً في شهر كانون الثاني من العام المقبل. وأعلنت واشنطن دعمها لهذا المشروع، متهمة على لسان السفير المساعد في الأمم المتحدة جوناثان كوهين، السلطات السورية بمحاولة «عقاب» المناطق التي كان ولاؤها ضعيفاً لها أثناء الحرب، عبر حرمانها من المساعدات. وفي المقابل، أشار مساعد السفير الروسي في الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي، إلى أن «هناك أدلة تثبت أنّ قسماً من المساعدة الإنسانية يُسرَق، وتحت سيطرة جبهة النصرة الارهابية وتابعيها في إدلب». ورأى أن «الوضع الميداني تغيّر بشكل كبير… ما يستدعي إعادة النظر في الآلية العابرة للحدود».