بقلم: دافيد عيسى
سياسي لبناني
فرح اغلبية المسيحيين بالمصالحة التاريخية بين “القوات اللبنانية وتيار المردة” تحت مظلة بكركي التي احتضنت هذا الحدث تحت رعاية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وصفقوا من القلب لرئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية ولرئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع اللذين أسدلا الستارة على حقبة سوداء واليمة من تاريخ المسيحيين وفتحا صفحة جديدة على أفق مستقبل أفضل وواعد.
نعم فرح وارتاح المسيحيون لأنها تطوي أربعين عاماً من الخصومة والعداء حيث عمل كثيرون من المستفيدين في خلالها على النفخ في النار والاستثمار في هذه النزاعات والصراعات المسيحية الاليمة.
المصالحة لم تكن بحاجة إلى أكثر من بيان ختامي مشترك يصدر بعد لقاء بكركي، لأن الطرفين لم يتوسلا لقاء واتفاق المصالحة سبيلاً إلى صفقة تبادل سياسية، ولأن الطرفين، وهذا هو الأهم، لديهما كامل الاستعداد لأن يفي كل واحد بكلمته والتزاماته فتكون المصالحة مبنية على ميثاق شرف وهذا يكفي.
ولنقلها هنا بصراحة متناهية، سليمان فرنجية يشكل في شخصه ضمانة لأنه زعيم ورجل موثوق في كلامه ووعوده وأنه يفي بالتزاماته، كلمته نعم نعم أو لا لا، فإذا قال تعهّد والتزم، وهو يتمتع بحس المسؤولية المسيحية ولديه “العصب المسيحي”، بمعنى أنه لا يفرّط بالحقوق والمصالح المسيحية.
من هنا فان مصالحة بكركي كانت تتطلب خطوة شجاعة من “المسيحي” سليمان فرنجية كونه الطرف المعني اولاً بمجزرة اهدن الاليمة وعليه تقع “شجاعة تضميد الجروح” وتصفية ذيول الماضي الاليم، فكانت الخطوة الاولى الزيارة التي قام بها نديم بشير الجميل الى اهدن حيث وضع اكليل من الزهر على ضريح الشهيد الراحل طوني بك فرنجية وعائلته في خطوة شجاعة مفتتحاً صفحة جديدة في كتاب العلاقة بين عائلتي الجميل وفرنجية وبين حزبي “الكتائب والمردة”، والخطوة الثانية والاهم كان اللقاء بين سليمان فرنجية وعائلات شهداء مجزرة اهدن والذي كان مؤثراً ووجدانياً وصريحاً كون العلاقة عميقة بينهما والجرح مشترك، فتحدث سليمان فرنجية بصراحة من القلب الى القلب ومن معني ومصاب الى معني ومصاب عن اهمية طي صفحة الماضي الاليم بين المسيحيين بعد اربعون سنة من الصراع.
سليمان فرنجية يتحلى بالشجاعة والفروسية والشهامة، ولأنه كذلك فإن المصالحة التي عقدها في بكركي بخير ولا خوف عليها وهي مبنية على أسس صلبة ومتينة وغير مقيّدة بمصلحة أو ظرف…
وكلمة حق تقال أيضاً إن الدكتور سمير جعجع كان لديه من الشجاعة ليعتذر من اللبنانيين على ما ارتكبته “القوات اللبنانية” أيام الحرب من أخطاء وكان رئيس الحزب الوحيد من بين سائر الأحزاب الاخرى والتي فعلت ما فعلته في الحرب، والذي كانت له “شجاعة الاعتذار” حتى عن أشياء غير مسؤول عنها هو شخصياً وعلى قضايا حصلت في ايام لم يكن هو قائداً للقوات اللبنانية وصاحب القرار الفعلي فيها، ومنها مجزرة اهدن المشؤومة والتي حصلت في وقت لم يكن جعجع قائداً للقوات وصاحب القرار وهو كان قد اصيب قبل ان يصل.
اذن اهمية المصالحة بين “القوات اللبنانية وتيار المردة” اتت بعد سنوات من العمل الدؤوب والاجتماعات بين جنود مجهولين عملوا بصمت وبعيداً عن الاعلام كالوزير السابق يوسف سعادة وطوني الشدياق وغيرهم ولم تأت كما حاول بعض الخبثاء القول انها اتت بعد تعثر مصالحة معراب وعلى أنقاضها او “نكاية” بفلان او علان او غيره من سخافات واقاويل وهنا نقول وباختصار:
– مصالحة بكركي لم تأت من فراغ وهي تستند إلى أسس متينة وقد توجت مسيرة أربع سنوات من الحوار والنقاش وكانت انطلقت قبل انطلاق مسيرة الحوار بين “القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر” وقبل أن تكون هناك انتخابات رئاسية ولم تكن في يوم من الأيام موجهة ضد شخص أو رهينة استحقاق معيّن، ولذلك فإن هذه المسيرة استمرّت حتى بعد معركة رئاسة الجمهورية عام 2016 ولم تتأثر بموقف الدكتور سمير جعجع الداعم لانتخاب الرئيس ميشال عون وغير المؤيد لانتخاب الوزير سليمان فرنجية، وإنما حافظت على مصداقيتها وزخمها واستمرت عملية الحوار والتلاقي كأن شيئاً لم يكن في موضوع رئاسة الجمهورية.
في الختام اهمية مصالحة بكركي انه تم الاتفاق على تنظيم الخلاف السياسي بين الطرفين وعلى أن كل واحد من الفريقين يمضي قدماً في خياراته السياسية… وفي المستقبل يخلق الله ما لا تعلمون، فالسياسة شيء والمصالحة شيء آخر، والمصالحة أبعد وأعمق ولا تقف عند خلافات سياسية… المصالحة المسيحية هي الأساس والباقي تفاصيل.