رضوان مرتضى – الأخبار
كأن الضابط الفاسد لا تكفيه «الخبرة» في التلاعب على القانون، حتى ينضم إليه محامون بكامل خبرتهم القانونية، وبذلك تكتمل اللعبة. بعد ذلك يُقرّر المسؤولون الأمنيّون ألا يعطوا الإذن بملاحقة الفاسدين عندهم، فيما «تتوقف» نقابة المحامين في مسألة رفع الحصانة عن المحامين المشتبه فيهم. طبعاً لا يكتمل مشهد الفساد، التقليدي، إلا بوضع «فيتو» مِن قبل بعض السياسيين تجاه توقيف هذا الفاسد أو ذاك
لم تتكشّف بعد كل ملابسات الاشتباه في عدد من ضبّاط قوى الأمن في ملفّات فساد، حيث أضيف إليهم عدد من المحامين في الشبهة، وذلك في قضية قبض رشى بغية التلاعب بمضمون محاضر تحقيقات عدليّة. فبعد ما نشرته «الأخبار» الأسبوع الفائت (عدد السبت 17 تشرين الثاني 2018 – «عثمان يؤجّل توقيف ضبّاط… لحين تأليف الحكومة!»)، أظهرت التحقيقات الجارية وجود عمليات ابتزاز كان يمارسها عناصر في إحدى مفارز التحرّي في جبل لبنان، بعلم آمر المفرزة وتواطئه، وذلك بغية استدراج أشخاص ميسورين لدفع آلاف الدولارات مقابل وعود وهمية بطمس ملفات. تشير المصادر إلى احتمال تورّط هؤلاء العناصر بابتزاز بعض الأشخاص، من خلال فبركة «كتاب معلومات» أو ملف ما لتخويفهم، بهدف دفعهم إلى الرضوخ لمطالبهم. في هذا الإطار، علمت «الأخبار» أنّه كان يتم ترك المدعى عليهم (الموقوفون حالياً) بموجب سندات إقامة، جراء دعاوى الاحتيال المقدمة ضدهم، أو تعميم بلاغات بحث وتحرٍ بدل توقيفهم. وذكرت المعلومات أنّ عمليات الابتزاز هذه طالت مواطنين لبنانيين وأجانب، معظمهم رجال أعمال، ما جعل بعضهم يدفع مبالغ مالية تراوحت بين ٢٠٠ ألف دولار ونصف مليون دولار. وفي السياق نفسه، ترددت معلومات أنّه منذ تولي الضابط المشار إليه (عقيد) مفرزة بعبدا القضائية عام ٢٠١٤، لم يتم توقيف أحد أفراد العصابة رغم تكرار شكاوى الاحتيال بحقهم. لا يزال آمر المفرزة يمارس مهامه على رأس عمله، رغم كل ما سبق، كأنّ شيئاً لم يكن. فقط استُمِع إلى إفادته وتُرِك رهن التحقيق.
إحدى أبرز هذه القصص كانت قصة الشاهد راجي إدريس، الذي وقع ضحية ابتزاز مفرزة تحرّي بعبدا مرّتين. الشاهد أبلغ محقّقي فرع المعلومات أنّ عناصر التحرّي طلبوا منه دفع مبلغ ١٤ ألف دولار أميركي للعقيد ع.غ. لإنهاء القضية. وذكر إدريس، الذي يملك شركة محروقات، أنّ السبب يعود إلى عام ٢٠١٥ جراء خلاف وقع بينه وبين صاحب أحد المنتجعات في منطقة الجية. آنذاك، جرى استدعاؤه من قبل مفرزة تحري بعبدا بعدما ادّعى عليه صاحب المنتجع، حيث أوقف سائق شاحنة يعمل لدى إدريس. أخبره العقيد أنّ موقوفاً لديه اعترف بأنّه اشترى كمية من المازوت من السائق الذي يعمل لديه. يومها تُرِك رهن التحقيق من قبل محامٍ عام تبين لاحقاً أنّه أعطى الإشارة من خارج دوام مناوبته. هنا أُبلِغ راجي أنّه يمكن تسوية القضية، لكن عليه أن يدفع. عندها دفع مبلغ 14 ألف دولار للعقيد آمر المفرزة ومبلغ 3 آلاف دولار لرتيب التحقيق ط. ح.
ذكر إدريس أنّها لم تكن المرة الوحيدة التي يدفع فيها للتحرّي، فعملية الابتزاز الثانية التي وقع ضحيتها حصلت قبل أشهر، حيث أبلغوه أنّه يوجد ضدّ شقيقه عباس «كتاب معلومات». هنا ذكر أيضاً أنّه عاد ودفع مع شقيقه مبلغ ٣ آلاف دولار أميركي خوفاً من توريطه أو توريط شقيقه. وفي الملف نفسه، علمت «الأخبار» أنّ أحد المحامين ومبعوثين من قبل الضابط المشتبه فيه فاوضوا الشخص المذكور للتراجع عن ادعائه، مقابل إعادة أمواله إليه، لكنّه رفض. وردت أسماء ثلاثة محامين في هذا الملف، يُشتبه في أنّهم كانوا يتولّون إيصال المبالغ المالية بدل الرشوة لدفعها لمصلحة آمر المفرزة. مصادر قضائيّة ذكرت أنّ نقابة المحامين في بيروت حذت حذو المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء عماد عثمان، ورفضت إعطاء الإذن للقضاء بملاحقة المحامين. في المقابل، النقابة تؤكّد عدم ورود أي طلب إذن ملاحقة إليها حتى تاريخ كتابة هذه السطور. المصادر القضائية تتحدث عن إصرار قاضي التحقيق على طلب رفع الحصانة عن المحامين المشار إليهم، ذلك إذا ما ثبت تورطهم. خاض المحامون على هذه الخلفية في نقاش يتعلّق بالصلاحية، علماً بأنّ ملف التحقيق انقسم إلى قسمين، أحدهما مسلكي يُجريه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي والثاني يجري بإشراف المدّعي العام لجبل لبنان القاضية غادة عون ويتولّاه قاضي التحقيق الأول في بعبدا نقولا منصور. عدد من المحامين رأوا أنّ هذا الملف من صلاحية القضاء العسكري، فيما ردّت مصادر قضائية بأنّ الجرائم المرتكبة في معرض التحقيق العدلي ينظر فيها القضاء العدلي.
وبالعودة إلى التحقيقات، فقد بدأت القضية بعد ورود معلومات للجيش عن عمليات احتيال بواسطة عراقي، ينشط فيها عدد من الأشخاص بواسطة المحامي ر. غ. (وكيل الموقوف محمد. س.). وذكرت المعلومات أنّ دور المحامي المذكور كان التنسيق مع العقيد آمر مفرزة بعبدا. إزاء ذلك، تحرّكت استخبارات الجيش لتوقيف عدد من المشتبه فيهم، فاعترفوا بقيامهم بعمليات الاحتيال، كاشفين أنّهم كانوا يدفعون رشى للعقيد المذكور في قوى الأمن. وعليه، أحيل الملف بعد إنهاء الجيش تحقيقاته إلى فرع المعلومات. يُشار، بحسب المصادر، إلى أنّ أحد الموقوفين اعترف بدفع مبلغ خمسة آلاف و٥٠٠ دولار للعقيد عبر ع. ض. الذي أقرّ بذلك. كذلك ذكر ط. ح. أنه دفع مبالغ مالية للعقيد بواسطة وكيلته المحامية ز. ض.، علماً بأنّها زوجة الموقوف ع. ض. شخص آخر، كان موقوفاً لدى استخبارات الجيش قبل أشهر، ذكر أنّه دفع شخصياً للعقيد مبلغاً من المال. ونقلت مصادر قضائية لـ«الأخبار» معلومات عن أنّ ثلاثة موقوفين اعترفوا بدفع مبالغ مالية لأحد المحامين ليعطيها للعقيد آمر المفرزة، بلغ أحدها ١٠ آلاف دولار أميركي.
أفاد أحد الموقوفين الرئيسيين، أمام قاضي التحقيق، بأنّه دفع لوكيله القانوني مبلغ 4 آلاف دولار ليدفعهم للعقيد مقابل ادعائه عبر زوجته المحامية ز. ض. بشكويين، أُحيلا إلى مفرزة بعبدا القضائية، ضد شخص من آل المقداد وآخر من آل ناصر الدين. وذكرت المعلومات أنّ المحامية المذكورة تربطها علاقة وثيقة بالعميد. وفيما أنكر أحد الموقوفين أمام قاضي التحقيق دفع أي مبالغ مالية للعقيد، ذكر موقوف آخر أنه أثناء وجوده مع ح. ح. كان الأخير يخابر العقيد للتوسط بغية عدم توقيفه مقابل دفعه مبالغ مالية.
لم يُقفل الملف بعد. فضيحة فساد الضباط لم تنتهِ فصولها. منذ «الفيتو» الذي وضعه زعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط مانعاً توقيف الضابط المحسوب عليه، أي العقيد و. م.، فُرمِل توقيف الضباط المشتبه في فسادهم حتى إشعار آخر.