جوني منير – الجمهورية
كما العادة يهدر اللبنانيون الفرص. هكذا تعاطت الأطراف السياسية في لبنان بكثير من «الدلع» مع فرصة «النجاة» بحكومة طال انتظارها، ونسيت أننا نعيش في الشرق الأوسط، حيث المفاجآت غير المحسوبة تظهر فجأة لتقلب الحسابات، وهو ما حصل مع مقتل جمال الخاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، في مرحلة جديدة وحسابات مختلفة.
والأمل الذي لاح مع التسوية في العراق تبدد سريعاً، وقبل أن يستفيد لبنان من انعكاساته الايجابية.
أزمة الخاشقجي التي حصلت في خضم الحملات الإنتخابية الاميركية أرخت بثقلها على العلاقات المميزة بين الرياض والبيت الأبيض، ووضعت السعودية في موقع دفاعي، وجعلتها غارقة في كيفية التعاطي مع ما حصل «مستقيلة» ولو مرحلياً، من ساحات الصراع في الشرق الأوسط، وباختصار اختلفت الحسابات وتبدّلت المعطيات.
والواضح، انّ الرئيس الاميركي «الغارق» في الحملات الانتخابية، بات يحمل عبء ملف الخاشقجي. لذلك أرسل وزير خارجيته في مهمة مُعلنة تهدف لتبيان حقيقة ما حصل، فيما المهمة الضمنية والفعلية لجولته، إنجاز ترتيب ما مع الرياض وأنقره بهدف الخروج بأقل قدر ممكن من الخسائر.
والواضح أنّ رهان البيت الابيض ما يزال يرتكز على حماية دور ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان. ونجح بومبيو في ترتيب تسوية ما مع القيادة التركية التي تملك أوراقاً قوية في ملف اغتيال الخاشقجي.
في تلك اللحظة، أطلّ أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصرالله ناهياً وجود أي علاقة أو رابط ما بين التسوية في العراق أو رابط ما بين التسوية في العراق وولادة الحكومة اللبنانية، ومستعرضاً أحداث المنطقة والواقع السعودي، وساكباً الماء الباردة على ملف التشكيلة الحكومية من خلال التمسّك بنقطتين» تمثيل النواب السنّة من خارج تيار «المستقبل» في الحكومة، وضمان حقيبة الأشغال لتيار «المردة».
طبعاً، هو لم يتحدث عن ذلك مباشرة، لكنّه كان واضحاً في ما قصده بكلامه. ولكنّه لم يتردد في الدعوة لعدم وضع مهل زمنية للحكومة، مشيراً الى انّها قد تأخذ اسابيع وربما شهراً.
أغلب الظن، أنّ السيّد نصرالله أراد الإشارة الى حسابات جديدة، تستند الى تبدّل المعطيات والى ضرورة متابعة المتغيّرات التي طرأت وكيفية ترجمتها لبنانياً.
المراقبون الغربيون رجّحوا ان يكون «حزب الله» يريد انتظار استحقاق 6 تشرين الثاني الاميركي وما سيحمله من تأثير على الشرق الاوسط، قبل ولوج درب تشكيل الحكومة الجديدة خصوصاً، وانّها ستستمر طوال ولاية المجلس النيابي وستعاصر الكثير من الاستحقاقات المهمة الداخلية والاقليمية.
وهؤلاء المراقبون على قناعة كاملة بأنّ «حزب الله» يريد ولادة الحكومة، حيث انّ مصلحته تقضي بذلك.
في المقابل سعى «حزب الله» منذ لحظة تكليف الرئيس سعد الحريري، للمساهمة ايجاباً في جهود تأمين ظروف تشكيل الحكومة، لكنّه فضّل البقاء في الخطوط الخلفية تاركاً القيادة للرئيس نبيه بري لأسباب عدّة أبرزها:
1- رهان القوى الإقليمية المناوئة له بانّه مستميت لاستكمال انتصاره النيابي بتشكيل حكومة تحمل التوازنات نفسها، وبالتالي الأفضل إستثمار الوقت وانتظار تطورات أميركية ستحصل، وتتعلق بعقوبات على إيران و«حزب الله»، وضربات عسكرية في سوريا، ما سيجعل الحزب في وضع أضعف يمكن ترجمته في التشكيلة الحكومية. ولذلك اراد «حزب الله» الإبتعاد قليلاً عن واجهة الأحداث.
2- انّ أي حركة ناشطة او ضاغطة كان سيقوم بها ،للدفع في اتجاه تذليل العقبات أمام ولادة الحكومة، ستدفع الأطراف لطلب أثمان منه لقاء ذلك بعضها سياسي وأخرى قد تطال استحقاقات مستقبلية، كمثل استحقاق رئاسة الجمهورية.
3- السقوف العالية التي وضعتها الأطراف السياسية لتمثيلها في الحكومة، والتي ألزمت نفسها بها عبر الاشتباك الاعلامي الذي ساد خلال الاشهر الماضية، جعل أي تقدّم باتجاه هذه الاطراف محفوفاً بالمخاطر وشظايا المعارك الدائرة.
وفي كلام السيّد نصرالله الاخير، طلبات حكومية يتمسّك بطرحها، وهو يدرك سلفاً رفض الرئيس الحريري القاطع لتوزير أي شخصية سنّية من خارج تيّار «المستقبل». ففي هذه المسألة محظوران: الأول اقليمي والثاني داخلي يتعلق باستمرار زعامة الحريري السنيّة مستقبلاً.
ما يعني أنّ نقاط التباعد، إضافة الى غيرها كمثل نقاط الإشتباك المسيحية، تعني انّ المرحلة عادت مرحلة تجاذب وشدّ حبال وعضّ أصابع، الى حين ان يحلّ التعب أكثر على الاطراف السياسية، والاهم ان تنقشع الرؤيا الاقليمية بعد الانتخابات الاميركية. عندها قد تكون الساعة الاقليمية قد أذنت من جديد لولادة الحكومة اللبنانية، معطوفة على المتغيّرات والمعادلات الجديدة التي قد تكون قد طرأت.
وإذا ما حصل ذلك وسط تعب الأطراف في الداخل اللبناني، فمن الممكن أن تشهد الحكومة تمثيلاً للسنّة من خارج تيار «المستقبل».
اما إذا بقيت المواقف الداخلية على حالها، فإن الحكومة قد تتشكّل من دون ضم شخصية سنيّة معارضة لها.
لكن، في هذه الاثناء ستتزاحم الاستحقاقات الاقليمية.
أولها في السعودية، والأثمان التي ستدفعها لتجاوز أزمة الخاشقجي.
وثانيها في إيران والدفعة الجديدة من العقوبات. ويروى انّ روسيا التي بدأ اقتصادها يعاني جرّاء كلفة تدخّلها العسكري في سوريا، تفاهمت مع إيران على استيراد نفطها الخام بأسعار مشجعة، وهو ما يفيد طهران وموسكو على السواء، في مقابل ان تعيد روسيا تصدير النفط الايراني بعد تكريره الى دول اوروبية أبدت موافقتها على ذلك، وهي التي تسعى للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران وفي الوقت نفسه، حفظ مصالحها مع ايران ولو مواربة.
وثالثها، مع تطورات إدلب وسعي تركيا لان تشكّل السند الاقليمي الوحيد للمعارضة السورية، وأن تشكّل قواتها بديلاً موازياً للقوات الروسية في بعض مناطق شمال سوريا.
وروسيا أرسلت قوات مشاة الى البوكمال حيث ان المنطقة هدف دائم لسلاح الجو الاميركي. وفي شمال محافظة الرقة تقوم تحضيرات لإنشاء قاعدة عسكرية فرنسية.
وفي جنوب سوريا تركّز ايران و»حزب الله» على حضور غير منظور لهما. أي بنية عسكرية تحت الارض.
وفي جنوب العراق تأكّدت الولايات المتحدة من تسليم إيران صواريخ بالستية لمجموعات شيعية موالية لها.
واخيراً وليس آخراً، تحضيرات اسرائيلية حول غزة بين مشجّع لعملية عسكرية ورافض لها داخل الحكومة الاسرائيلية.
على أمل الا ننتظر كثيراً في لبنان بعد السادس من الشهر المقبل.