عماد مرمل – الجمهورية
يخوض لبنان معركة ديبلوماسية صعبة مع اسرائيل، متسلحاً بموقف رسمي ويقظة لبنانية من اجل احتواء الهجوم الدعائي الذي قاده بنيامين نتنياهو، ومن ثم تنفيذ هجوم سياسي مضاد يفضى الى «تحرير» محيط المطار من الادعاءات الاسرائيلية، ما استفزّ نتنياهو الذي رد بتوتر وانفعال على جبران باسيل. ولكن هذه التجربة أظهرت في الوقت نفسه انّ الحاجة باتت ملحة لتأليف الحكومة الجديدة حتى تتفرغ للتحديات المتراكمة والمحتملة، لأن «ليس في كل مرة تسلم الجرّة».
يدرك رئيس مجلس النواب نبيه بري جيداً حساسية المرحلة التي يعبرها لبنان واستحقاقاتها الدقيقة، وهو يشعر بالوطأة الثقيلة لكل يوم إضافي يمر من دون ولادة الحكومة، مستغرباً كيف انّ هناك في الداخل من يتعامل بـ«استرخاء» مع أولوية التأليف، على رغم خطورة الملفات المعلقة التي لا تتحمل إبقاءها سجينة خلف قضبان تصريف الاعمال.
وحين يقال لبري انّ مدة المراوحة في التأليف لم تكسر بعد الرقم القياسي لحكومة الرئيس تمام سلام والتي احتاجت ولادتها نحو 11 شهراً، يجيب: «هذا صحيح.. لكنّ الظرف الحالي مختلف وكل دقيقة نهدرها عبثاً هي مكلفة، إذ انّ الواقع الاقتصادي أصبح أشد حراجة وقد يؤثر على الوضع النقدي إذا استمر الاهتراء الراهن في جسم الدولة وغياب مجلس الوزراء الأصيل، كما انّ التهديدات الاسرائيلية تتصاعد وتتخذ أشكالاً مختلفة، وغيرها من الامور الملحّة التي تستوجب الإسراع في تأليف الحكومة أكثر من أي وقت مضى».
ويستغرب بري كيف «انّ بعض الخارج يبدو قلقاً على لبنان ومهتمّاً بتأليف حكومته أكثر من بعض القوى اللبنانية»، موضحاً انه سمع من زواره الاجانب أخيراً «نبرة غير مرتاحة الى وضعنا وهم يحضّوننا على معالجته قبل تفاقمه واستفحاله، بينما نحن مستغرقون في تجاذبات وخلافات حول الحصص والأحجام في الحكومة».
ويكشف بري انّ وفد البنك الدولي الذي زاره أمس عرض معه حساسية الواقع الاقتصادي في لبنان، وصارَحه بوجود وقائع ومؤشرات سلبية تدعو الى القلق، «وهم عَرضوا لي بالأرقام تداعيات ملف الكهرباء وغيره من مكامن النزف، كما أنّ وزيرة الشؤون الخارجية النمساوية بَدت خلال لقائي معها مهتمّة بأوضاعنا وبما يمكن أن تؤول إليه».
امّا اللقاء بين بري وآرون غاندي حفيد الماهاتما غاندي فله قصة أخرى يرويها رئيس المجلس بحماسة. يقول بري انّ ضيفه المتقدم في العمر، لا يزال يبشّر بمبدأ «اللاعنف» في مقاربة أزمات العالم وقضاياه، على خطى جده الاستثنائي. ومن وحي هذا المبدأ، لم يتأخر بري في التقاط اللحظة و»لَبننتها»، قائلاً لزائره المميّز: «نحن في لبنان نحتاج ايضاً الى اعتماد اللاعنف في تأليف الحكومة».
وسرد آرون غاندي لرئيس المجلس تفاصيل تتعلق باجتماع غير تقليدي عقده مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في رام الله، قبل فترة قصيرة من رحيله.
خلال تلك الجلسة، سأل عرفات ضيفه: «لو أنك مكاني ماذا كنت تفعل للتخلص من الاحتلال الاسرائيلي؟» فأجابه: «كنت قد ذهبت الى الاردن وطلبت من الفلسطينيين المقيمين هناك الانطلاق في مسيرة سلمية نحو فلسطين، للرجوع إليها واستعادتها، مع الاصرار على عدم التراجع مهما كان رد الفعل الاسرائيلي، تماماً كما فعل جدي في مواجهة الاحتلال البريطاني».
وقد دعا عرفات حفيد غاندي الى المشاركة في اجتماع لمجلس النواب الفلسطيني حتى يعرض فكرته أمامه، فوافق وحضر شارحاً اقتراحه، ثم غادر رام الله تاركاً الفكرة في حوزة الفلسطينيين.
ولفت بري ضيفه الى انّ «حركة «حماس» باشرت أخيراً في تطبيق أمر مشابه، عبر التظاهرات الاسبوعية التي تنظمها نحو الحدود الفاصلة بين قطاع غزة وبقية أراضي فلسطين المحتلة، حيث يواجه المتظاهرون بالصدور العارية والقبضات المرفوعة وَحشيّة جيش الاحتلال وبَطشه «وهم يواظبون على هذا التحرك المدني على رغم الخسائر التي تقع في صفوفهم»، مؤكداً ضرورة اعتماد كل أشكال المقاومة في مواجهة العدو الاسرائيلي.