ليا القزي – الأخبار
اتهامات بنيامين نتنياهو، من على منبر الأمم المتحدة، للبنان والتهديدات لأمنه، كانت الدافع الرئيسي لاستدعاء وزارة الخارجية والمغتربين سفراء الدول المُعتمدة في لبنان. أرادت «الخارجية» القيام بخطوة استباقية، تكشف فيها زيف اتهامات «إسرائيل»، ونياتها لشنّ حرب شاملة على لبنان. في وزارة الخارجية، ثم في الضاحية الجنوبية لبيروت، جمع الوزير جبران باسيل ما يمكن وصفه بـ«الأمم المتحدة المصغّرة»، ليثبت، بالدليل، أن إسرائيل كاذبة.
73 دبلوماسياً عربياً وأجنبياً، لبّوا أمس دعوة وزارة الخارجية والمغتربين للردّ على كلام رئيس حكومة العدّو بنيامين نتنياهو، من على منبر الأمم المتحدة، حول وجود مخازن صواريخ للمقاومة اللبنانية قرب مطار بيروت الدولي. لم يتمكن الوزير جبران باسيل من الردّ على ادعاءات نتنياهو مُباشرةً في نيويورك، لأنّه كان قد أصبح على متن طائرة العودة إلى بيروت. اجتماع أمس، أتى كـ«تعويض»، فدُعي سفراء كلّ الدول المعتمدين لدى لبنان، كما لو أنّ في قصر بسترس، ثم في الضاحية الجنوبية لبيروت، «جمعية عمومية مُصغرة» للأمم المتحدة، تُريد أن تُفرغ كلام رئيس الحكومة الإسرائيلي من مضمونه، وتُظهر كذبه للعالم. الهدف الأكبر من اللقاء الذي يكاد يكون غير مسبوق في تاريخ لبنان، كان توجيه رسالة إلى المجتمعات الأجنبية والعربية أولاً، وإلى الرأي العام المحلي ثانياً، تكشف المُخطّط الاسرائيلي بوضع كلّ لبنان تحت نيرانه خلال الحرب المقبلة، وسعيه إلى «تبرير» قصف البنية التحتية واستهداف المدنيين. فكان لا بُدّ من أن تسحب وزارة الخارجية «الذرائع» من أمام العدوّ، وتطلب تحرّك الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. «أردنا أيضاً أن نُذكّر بأنّ هذا النوع من الألاعيب لا يمرّ معنا، وسنردّ عليه بالوسائل اللازمة»، استناداً إلى المدير العامّ في وزارة الخارجية.
لجأت الدبلوماسية اللبنانية إلى هذه الخطوة من موقع «القوي»، والمؤمن بالمقاومة لحماية لبنان من أي اعتداء، إلا أنها «استثنائية»، ولن تكون وسيلة يستخدمها لبنان كلّما هدّد وكذب نتنياهو، «لأننا لسنا كشافة للعدو الإسرائيلي»، استناداً إلى باسيل. هي «مُبرّرة» هذه المرّة، لأنّ لبنان يعرف «النيات الإسرائيلية للاعتداء، ولأنّ الكلام حُكي من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولأنه مطار بيروت مع ما يرمز إليه في التاريخ من اعتداء وفي الحاضر من استقرار في البلد وفي المستقبل من وعود للبنان، قمنا بهذه المبادرة».
اللافت، كان مقاطعة سفارة الولايات المتحدة الأميركية في بيروت للحدث. «برّر» باسيل الأمر بأنّ السفيرة إليزابيث ريتشارد خارج لبنان. ولكن، لو وجدت «النيّة» الأميركية للاستماع إلى وجهة النظر اللبنانية، لكان بالإمكان إيفاد أي دبلوماسي يُمثّل «سفارة عوكر»، تماماً كما فعل سفراء آخرون. إلا أنّ الأميركيين يصمون آذانهم ضدّ كل صوت مُعارض للدعاية الصهيونية، فيؤكدون مرّة جديدة أنّهم في الموقع الذي يريد فتح الجبهة اللبنانية وتهديد الاستقرار المحلي، خلافاً لكلّ الكلام المعسول عن «حرص» الإدارة الأميركية على الاستقرار في لبنان.
قبل الساعة الثالثة، بدأ توافد الدبلوماسيين إلى قصر بسترس في الأشرفية، المُكتظ بالصحافة المحلية والأجنبية. كان المنظمون لا يزالون يهتمون بوضع الكراسي في البهو، والحسم بين اختيار طاولة ليجلس حولها المتكلمون أو منبر، حين وصل مُمثل السفارة التركية من دون أن ينتبه له أحد. مرّ بعض الوقت، قبل أن يُرشَد الدبلوماسي التركي إلى مكتب الأمين العام لـ«الخارجية» هاني شميطلي، الذي لم يُشارك في لقاء أمس. العديد من الدبلوماسيين وصلوا من دون أن يجدوا، أيضاً، من يستقبلهم من المراسم. فجأةً، عمّت الفوضى أرجاء «الخارجية»، فلم يكن التنظيم والمراسم، على مستوى المبادرة المُهمّة، التي لم تعهدها الخارجية اللبنانية. فرغم أنّ الدبلوماسيين أكدّوا حضورهم قبل وقت، إلا أنّه لم يكن هناك عددٌ كافٍ من المقاعد المُخصصة لهم، والمحجوزة بأسمائهم. جلس القائمون بالأعمال محلّ السفراء، الذين بقي عدد منهم واقفاً، إلى حين «تدبير» كرسي لهم، أو طلب مديرة المراسم السفيرة نجلا رياشي عساكر من القائمين بالأعمال ترك أماكنهم والتوجه إلى الخلف، فسحاً في المجال لدبلوماسيي الفئة الأولى. سوء التنظيم دفع السفير الفلسطيني والقائمة بالأعمال الإيطالية إلى المغادرة.
غداء جبران باسيل مع وزيرة خارجية النمسا كارين كنايسل، دفعه إلى التأخر عن موعد المؤتمر، قرابة نصف ساعة، كان خلالها الدبلوماسيون يقتلون الوقت بالمقابلات الإعلامية. السفير الروسي ألكسندر زاسبكين قال لـ«الأخبار» إنّ الإسرائيليين «يُفبركون حالة غير مبنية على دلائل. يجب أن نصل، في ظلّ هذه الأكاذيب، إلى الواقع». ويؤكد أنّه لا يوجد ثقة بالتصريحات الإسرائيلية، «واليوم (أمس) سنطلع على الواقع، ليكون دليلاً للرأي العام العالمي»، مُشدداً على «الموقف الروسي الداعم للبنان». أما السكرتير الثاني في السفارة القطرية علي العذبة، فرأى أنّ «خطوة الخارجية اللبنانية إيجابية، وتُحسب لها». العذبة أكّد لـ«الأخبار» أنّه «أينما تكن المصلحة اللبنانية، فكلّ الدول تكون داعمة لها. ومن الطبيعي أن تكون قطر من الداعمين». من جهتهم، كان معظم السفراء الأوروبيين يُفضلون انتظار المؤتمر الصحافي والكشف على المواقع قبل التعليق، «لأنّ الوضع حساس»، كما قال مُمثل السفارة الرومانية. أما السفير الفرنسي برونو فوشيه، فأعاد تجديد موقف بلاده المُطالب «بتطبيق النأي بالنفس، لاستمرار الاستقرار. وإذا هُدّد هذا الأخير، فنحن لدينا وسائلنا للتصرف، لا تقلقوا». ولكن فات سفير دولة الانتداب سابقاً، أنّ «لبنان ملتزم القانون الدولي والقرارات الدولية، وهو لا يلتزم النأي بالنفس عندما يتعلّق الأمر بالدفاع عن أرضه وشعبه»، كما افتتح باسيل كلمته.
لم ينحصر لقاء الخارجية في الردّ على اتهامات نتنياهو سياسياً ودبلوماسياً. بل نُظّمت أيضاً جولة ميدانية للدبلوماسيين العرب والأجانب، إلى المواقع الثلاثة التي «شهَر» نتنياهو صورتها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، زاعماً أنّها تضمّ آلاف الصواريخ لحزب الله. إلى «منطقة نفوذ» سياسي وشعبي لحزب الله (ملعب الغولف وملعب فريق العهد و«بورة المولى»)، توجهت أربعة باصات تنقل الدبلوماسيين والإعلاميين، حتى يكون مُمثلو الدول «شهوداً على كذب نتنياهو، ويُبرهن لنا أنّ إسرائيل هي المعتدية الأولى على النظام الدولي والشرعية الدولية والخارقة الأولى لقراراتها ولسيادة لبنان»، بحسب باسيل.
الغائب الأبرز عن الجولة الميدانية، كان سفراء وممثلي دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء القائم بأعمال سفارة عُمان. أما مُعظم الدول الأوروبية الأساسية والمؤثرة في الأمم المتحدة، فقد خفضت تمثيلها إلى مستوى «السكرتير» في السفارات، خلال الجولة على المواقع.
الكلام عن وجود صواريخ، يدفع القائم بالأعمال الإيراني أحمد حسين، إلى السخرية. يقول لـ«الأخبار» إنّه «بالتأكيد هناك صواريخ في لبنان، ولكن حزب الله أعقل من زرعها قرب مطار بيروت وعلى تماس مع المدنيين». يرفض الدبلوماسي الحديث عن خوف من اعتداء إسرائيلي جديد، «فالخوف ليست كلمة دقيقة، ولكن يجب التحسب لكلّ شيء. هذا العدو مجبول بالكذب، وأمام التحريض والاستعراض اللذين شاهدناهما، يجب كشف زيف الادعاءات».
في الإطار نفسه، يتحدث السفير العراقي علي العامر، رافضاً ادعاءات نتنياهو، «التي تنمّ عن عدائية مُطلقة من إسرائيل تجاه العرب». يؤكد لـ«الأخبار» أنّ لبنان هو «إحدى دول المواجهة مع العدّو الإسرائيلي، لذلك من الضروري أن ينال دعماً عربياً، وأن يكون التضامن على مستوى الحدث».
كان لاعبو فريق العهد ينهون تمريناً رياضياً، حين وصل وفد «الخارجية». تولّى رئيس النادي، تميم سليمان، إخبار الدبلوماسيين عن الملعب الذي أُنشئ بتمويل من «الفيفا»، للتأكيد أن لا علاقة لحزب الله به. عند الوصول إلى «بورة المولى»، على بعد 500 متر من ملعب «العهد»، توجه أحد الصحافيين لباسيل بأنّك «تكلمت ونكرت وجود الصواريخ، ولكن نحن لم نرَ المستودع وما بداخله». طلب باسيل فتح الباب لما كان سابقاً معمل ورق وكرتون، فكاد الباب ينهار أمام الحاضرين. المستودع فارغ، ولكن باسيل طلب من الصحافي العودة في يوم آخر، لا يكون هناك فيه جولة منظمة، للتأكد.
من أحد أحياء الأوزاعي الضيقة، التي تضيق أكثر بالصبيان وطابات كرة القدم، والدراجات النارية، خرج أعضاء الوفد سيراً على الأقدام للالتحاق بالباصات. «شو؟ لقيتوا صواريخ؟»، يصرخ أحد الرجال هازئاً، من شرفة شقته.
باسيل: سنقاوم أي اعتداء… وننتصر
قال الوزير جبران باسيل في كلمته أمس إنّ «إسرائيل» انتهكت أرضنا وجونا وبحرنا 1417 مرّة خلال آخر ثمانية أشهر، «إسرائيل تُمارس بامتياز الإرهاب الدولي على الشعوب من خلال قتلها جماعياً وعدم احترام الشرعية الدولية، ولن يقبل اللبنانيون أن تُستعمل الأمم المتحدة منبراً للاعتداء على سيادة لبنان والتحضير لاعتداء جديد عليه من خلال ادعاءات كاذبة وغير ثابتة». باسيل الذي أكد حقّ لبنان في الدفاع عن نفسه، «واستعمال كلّ وسائل المقاومة المشروعة لتحرير أرضه»، ذكّر نتنياهو بأنّه «يتكلّم عن بلد وشعب انتصر عليه وعلى غطرسته وعدم احترامه للشرعية الدولية، وإنّه شعبٌ مستعد مرة جديدة ليُقاوم وينتصر لأنّه يدافع عن أرضه ولا يعتدي على أحد». وتوجّه باسيل إلى كلّ «إسرائيل» بأنّها «لم ولن ترهبنا يوماً، وهي حين تُهدّد نُدرك ضعفها».
بناءً على ذلك، وُجّهت الدعوة إلى الدبلوماسيين، «وأنتم أيضاً لا تقبلوا ادعاءات كاذبة كهذه من على منبر الأمم المتحدة لتُستعمل للاعتداء على لبنان. ويجب أن تضعوا حدّاً من قبلكم ومن قبل دول العالم ومن قبل الشرعية الدولية لما هو إرهاب الدولة». وقد اعتبر أنّ الهدف من السياسة اللبنانية «حماية لبنان والدفاع عنه، ولن نرضى يوماً أن نُغطي اعتداءً من لبنان أو من لبنانيين على الخارج، نحن بلد كلّ همّه أن يعيش بسلام ويتمكن من حماية نفسه».
كلام نتنياهو ليس الأول ولن يكون الأخير، لبنان «بصموده ومقاومته ومواجهته استطاع تحرير أرضه في عام 2000 وسنة 2006 تغلّب على الاعتداء عليه في حرب تموز، وديبلوماسياً هو في مواجهة دائمة ليثبت قضيته من خلال تقديمه البراهين والشكوى إلى مجلس الأمن».
وردّ باسيل على سؤال عن تنسيق الجولة مع المقاومة، بالقول إنّه «لا أعتقد أنّ حزب الله مع أن يتمّ الكشف عليه في حال توجيه اتهام أو ادّعاء أو افتراء. في كلّ الأحوال، أودّ القول أن ليس من مهمات وزارة الخارجية الذهاب ومراقبة المنطقة هناك، ولكن قمنا بهذه الجولة بعد أن أبرز نتنياهو صوراً وادعاءات كاذبة من على منبر الأمم المتحدة». وفي تغريدة له على «تويتر»، وعد باسيل بلعب مباراة كرة قدم على ملعب العهد قريباً لاستذكار ما حققه لبنان في حرب تموز 2006.