محمد وهبة – الاخبار
يبدو أن المصارف غير مدركة لحجم الأزمة التي تصيب لبنان، على عكس اللهجة القلقة التي يعبّر فيها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. هي طالبته بأن يفتح لها باب التسليف بالليرة مجدداً، ما دفعه إلى الإقرار بأنه حدّ من ضخّ التمويل المدعوم للقروض السكنية من أجل السيطرة على «الطلب على الدولار»، وأن ما يهمه حالياً هو «إبعاد الفقاعة المالية» و «تخطّي المرحلة الصعبة»
ما ورد في محضر اللقاء الشهري الأخير بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف، ينهي كل التشكيك في وجود أزمة في لبنان. فقد أقرّ سلامة بأنه أوقف الإقراض السكني المدعوم من مصرف لبنان لتخفيف الطلب على الدولار، وتحدث عن «إبعاد الفقاعة المالية» وعن ضرورة «تخطّي المرحلة الصعبة». العبارات التي وردت في المحضر نقلاً عن سلامة، لا تحسم وجود الأزمة فحسب، بل تكشف عن درجة القلق في ظل مؤشرات سلبية تبدأ بتدهور قيمة سندات اليوروبوندز في الخارج ولا تنتهي بضعف قدرة النظام المالي على استقطاب الدولارات من الخارج بسبب المنافسة الإقليمية، لا بل بات الحديث عن نموّ للودائع بمعدل 4% في عام 2017 يعدّ «زيادة إيجابية في الوضع الراهن». عبارة الوضع الراهن تدلّ على الكثير، نظراً إلى كون الفائدة على الودائع تساوي أكثر من 4%، أي إن معدل خروج الأموال من لبنان أعلى من معدل مركب من دخول الودائع ونموّها بفعل الفائدة.
وبحسب التعميم الصادر عن جمعية مصارف لبنان تحت الرقم 304 والموجّه لرؤساء مجالس إدارات المصارف لإبلاغهم بمضمون النقاشات في اللقاء الشهري الذي عقد في 25 أيلول، فإن النقاش بين سلامة والمصارف تركّز حول مسائل متعلقة بالوضع النقدي وتقلبات أسعار سندات اليوروبوندز والتسليفات بالليرة. في البدء أوضح سلامة للمصارف أن «سوق النقد تحت السيطرة»، إلا أنه كانت لافتة إشارته إلى أن «تقلبات معدلات الفوائد متروكة للسوق»، ولا سيما أن أسعار الفوائد ارتفعت إلى مستويات عالية بسبب الهندسات المالية التي ينفذها مصرف لبنان.
بعد ذلك، تحدث سلامة عن سندات اليوروبوندز، مشيراً إلى وجود تراجع في الطلب الخارجي عليها، وخصوصاً الشرائح التي تستحق بين 2019 و2024. وفسّر ما يحصل لجهة تراجع السندات ذات الاستحقاق القصير الأمد (2019) بالإشارة إلى أن حاملي السندات في الخارج يجرون تقييماً لقدرة لبنان على تجديد هذه السندات «مع تعثّر تشكيل الحكومة»، أي إن المستثمرين الأجانب يرون أن لبنان لن يتمكن من إيجاد تمويل لهذه السندات عند استحقاقها، ما يدفعهم إلى التخلص منها وبيعها سريعاً. ومن أسباب تراجع هذه السندات أن أسعارها تتحرك أحياناً كثيرة بفعل حجم قليل من العمليات، فضلاً عن «القدرة على التلاعب بها في الاسواق من قبل بعض اللاعبين».
في مجال التسليفات، طلبت جمعية المصارف من سلامة استثناء القروض السكنية من مقتضيات التعميم 503 الذي يحدّد سقفاً للتسليف بالليرة بمعدل 25% من الودائع، وذلك نظراً إلى «خشيتها من صعوبة الالتزام»، ولا سيما أن المصارف لديها ارتباط مع العديد من الجهات العسكرية والأمنية والقضائية والمهنية ببروتوكولات إقراض سكني.
لم يوافق سلامة على هذا الأمر، وتوسع في تفسير مبرراته. بالنسبة إلى سلامة، ثمة أسباب جوهرية دفعته إلى تحديد سقف الإقراض بالليرة وهي على الشكل الآتي:
– مصرف لبنان ليس قادراً، ضمن المعطيات القائمة، على الاستمرار في ضخّ السيولة بالليرة اللبنانية ثم تتحوّل بنسبة كبيرة منها إلى الطلب على الدولار. «ذكّر الحاكم في هذا الإطار ما آلت إليه القروض السكنية إلى أزمة Subprime في أوروبا وأميركا، والتي كانت لها تداعيات خطيرة على أسواق هذه الدول.
– ثمة ضغوطات في المنطقة بسبب قلّة السيولة بالعملات الأجنبية. ففي مصر الطلب على السندات يجري بتسعيرة بحدود 18% و19% ، فيما تركيا رفعت الفوائد إلى 24%، «ما يعني أن مبرّر وجود هذا التعميم جدّي وقوي، وأن على المصارف بذل جهد لزيادة الودائع بالليرة إن أرادت أن تزيد التسليفات بالليرة»، وفق سلامة. ثم أضاف بلهجة تحذيرية واضحة: «المهم إبعاد الفقاعة المالية لكي تستمر الثقة بالنظام ككل. الثقة مصلحة مشتركة للمركزي والمصارف والبلد. فلنتعاون جمعياً لتخطّي المرحلة الصعبة».
– مستوى الفوائد في لبنان ما زال أفضل من العديد في الأسواق الناشئة. الفوائد المدينة بالليرة لا تتعدى 8.5% وبالدولار 7.5%، متوقعاً أن تنمو الودائع لدى القطاع المصرفي بما يفوق 4% في عام 2018 «وهو معدل زيادة إيجابي وجيّد في الوضع الراهن. يضاف إلى ذلك أن حجم التسليف للاقتصاد، والذي يقارب 58 مليار دولار، هو عالي قياساً إلى حجم الاقتصاد».