جورج شاهين – الجمهورية
بمعزل عن سقوط كل سيناريوهات «حكومة أكثرية» بمجموعة من الضربات القاضية، ما زالت التشكيلة التوافقية هي المطروحة بقوة لا تنازعها أخرى. لذلك فإنّ الحديث عن أكثر من صيغة حكومية ليس دقيقاً. فتلك التي وُضعت في بداية مشوار التكليف ما زالت تخضع للتعديلات. فلماذا وكيف؟
قبل تكليف الرئيس سعد الحريري كانت المفاوضات الجارية تناقش صيغة توزع الحقائب على القوى «الأكثر تمثيلاً» بنحوٍ لا يبقي أيّاً منها لأيّ طرف آخر كان خارج الحكومة السابقة، وسيبقى، طالما أنّ مكوّناتها الأساسية لم تتغيّر ولو عزّز البعض منها حضوره النيابي.
ومردّ هذه المعادلة الى عوامل عدة ابرزها انّ هذه القوى نجحت في وضع قانون انتخاب لا يراعي سواها. فأعادت توزيع الدوائر بنحو يحفظ لها مكامن قوتها بدقة متناهية وبتفاهمات جمعت الأضداد حيث يجب والحلفاء ايضاً لحفظ المواقع. وما زاد من قوة هذه التقسيمات أنها أفضت الى تحالفات هجينة جمعت الأضداد لتوزيع المقاعد النيابية بنحو مضمون أطاح ببعض القوى المستهدَفة أو تلك التي تقوقعت على نفسها ورفضت ما عُرض عليها من تحالفات لخروجها بكل بساطة عن ثوابتها السياسية والوطنية التي حكمت المرحلة السابقة وخصوصاً تلك التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، فدمّرت نفسها بنفسها.
فكل ما أنتجته الإنتخابات، باستثناء السيطرة الشاملة للثنائي الشيعي على ساحته المذهبية، هو تعزيز التحالفات التي بنتها التسوية الرئاسية التي قادت الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وأعادت الرئيس سعد الحريري الى السراي الحكومي بـ «هندسة سلطوية خلّاقة» نُفّذت بإتقان على أنقاض ما بقي من الفرز السابق بين 8 و14 آذار. أضف الى ذلك قدرة البعض على استغلال مواقع القوة في السلطة والحكومة، فأفرط في استخدام موارد الدولة ومؤسساتها حتى الأمنية والقضائية لغايات مرحلية وآنية محض.
وعلى هذه الخلفيات، لم تفاجأ المراجع المعنية بالتشكيلة الأولى للرئيس المكلف، خصوصاً أنها جاءت ترجمة لتلك التفاهمات والتسويات، قبل أن ينفرط ما كان يعتقد أنه أكبرها وأمتنها ألا وهو «تفاهم معراب». والذي زاد في الطين بلّة، هو الكشف عمّا كان يُضمر قبل الإنتخابات النيابية من مشاريع الإستئثار والإلغاء وتقاسم النفوذ.
عند هذه المحطة من مرحلة ما بعد «تفاهم معراب» بات واضحاً أنّ من الصعب إعادة تكوين المقاعد والحصص وتوزيعها كما السابق. ففي السباق، اعتقد قادة «التيار الوطني الحر» أنهم من أقوى المكوّنات السياسية فشنّوا حروبهم على الجميع، ما ساهم في نشوء حلف قوي في المواجهة بات يجمع الى «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و»الحزب التقدمي الإشتراكي»، نصف الثنائية الشيعية، بعدما برز وقوف رئيس مجلس النواب الى جانب هذا الثلاثي الجديد.
ومع اهتزاز التفاهمات التي نُسجت قبيل الإنتخابات الرئاسية في «بيت الوسط» وكليمنصو بعد سقوط معراب من طرف واحد، بلغت الأمور المرحلة المعقّدة التي حالت دون التفاهم على تشكيلة نهائية. وزادت صعوبتها مع توقف المساعي المبذولة في انتظار انتهاء الأسفار الرئاسية.
بناءً على ما تقدّم، لا تبدو الظروف مؤاتية لإمرار التشكيلة المقترحة فبقيت تدور على نفسها. فالتشكيلة الأولى التي طرحها الرئيس المكلف في نهاية تموز الماضي ما زالت في أساس ما هو مطروح الى اليوم ولم تخضع الى أيِّ تعديل اساسي يمكن أن يشكّل خرقاً. فإعادة توزيع ثلاث او اربع حقائب من حكومة ثلاثينية لا ينفي أهمية إلقاء الضوء على عقد أكثر صعوبة يُبحثُ فيها داخل الكواليس المقفلة.
وثمّة مَن يختصر الأزمة ليقول إنّ «العهد» ومعه حلفاءه لن يسمح لرئيس الحكومة بتشكيل «حكومته» وهو بدوره لن يقبل بترؤس حكومة يشكّلها «غيره».
وتُرجمت هذه المعادلة في النقاش «العقيم» حول الصلاحيات الدستورية التي استندت الى المواد الدستورية عينها والتي لا تتحمّل تفسيرَين لولا التفسير الذي قدّمه وزير العدل خارقاً مفاهيمها مقترحاً خطوات لن تقدم ولن تؤخر في سحب التكليف من الحريري. فليست هناك أيّ وسيلة لإنهاء المهمة ولو طالت لسنوات. ولذلك على بقية الأطراف احتساب التعثر من رصيد العهد. فلن يقال يوماً إنه «عهد الحريري» أو «عهد بري» بدلاً من عهد عون، وهو قد اقترب من خسارة ثلث ولايته الرئاسية. وطالما أنّ التعثر بلا مهل فهل في الإمكان اختصار مهلة التأليف؟ ومَن سيبادر ويضحّي لإنقاذ العهد؟