بقلم: دافيد عيسى
سياسي لبناني
قصدت اهدن، مثل كثيرين غيري قبل أيام، لتقديم واجب العزاء بالراحل روبير فرنجية نجل الرئيس الراحل سليمان فرنجية وشعرت ومنذ أن وطأت أرض الشمال بأجواء الحزن تخيّم على مختلف الأرجاء، الوجوه تتّسم بملامح حزن عميق وهادئ والأذهان تستعيد مشاهد وذكريات حقبة تاريخية في تاريخ اهدن والشمال…
لم أفاجأ بتفاعل أهل زغرتا خصوصاً والشمال عموماً مع غياب روبير فرنجية، كان من الطبيعي أن يحدث ذلك لأنّ اسم هذا الرجل مرتبط مباشرة بحقبة الرئيس الراحل سليمان فرنجية وما شهدته المنطقة من إنجازات مهمة وكذلك من أحداث مؤسفة ومؤلمة وحزينة.
في اهدن وفي هذا اليوم الحزين لمست حجم المحبة التي يكنها ابناء هذه المنطقة عموماً ومناصروه ومحبوه خصوصاً لعائلة فرنجية، كما لمست الاحترام من جانب الفعاليات السياسية على مختلف انتماءاتها لهذا البيت مقرونة بالتقدير والمودة… وهذا ما عبّر عنه هذا الدفق من الشخصيّات من غالبية التيارات السياسية التي قصدت هذه المنطقة من الشمال والتي لم تشعر أنها تكبدت عناء الطريق، وإنما كانت بمشوارها هذا تعبّر عن تقديرها لعائلة فرنجية وعن تضامنها معها في هذا الوقت الحزين والصعب التي تمر به، وهذا الحشد لا يحصل في أي مناسبة مماثلة ومع أي طرف آخر يجد لزاماً عليه أن يخصص يوماً للتعزية في بيروت…
سليمان فرنجية دمث الأخلاق يعرف كيف يستقبل ضيوفه ويشعرهم بحرارة الاستقبال ودفء الضيافة في كل المناسبات ومطلق الظروف، لا يفرق بين غني وفقير، او بين كبير وصغير، وهذه خصال ومزايا متوارثة أباً عن جدّ في عائلة مارونية لبنانية أصيلة وعريقة.
من سليمان فرنجية الرئيس والجد إلى سليمان فرنجية الحفيد مسيرة تضحيات وإنجازات لا تتوقف، وينبوع عطاء لا ينضب، ومدرسة وطنية أسست واستمرت على مبادئ وقيم أولها الفروسية والشجاعة والكرم وحسن الاستقبال، وأهمها الولاء للوطن والانسجام مع تاريخه وجغرافيته ومن دون التفريط بالانتماء المسيحي…
ولأن عائلة فرنجية، مدرسة ومسيرة قبل أن تكون تياراً شعبياً أو حزباً سياسياً، لم يجد سليمان فرنجية الحفيد صعوبة في تحمّل المسؤولية ومواجهة التحديات والصعوبات والصمود في كل الظروف والأوضاع… لأنه وبكل بساطة يستمد قوته من ذاته وصفاته وفروسيته ووفائه لأصدقائه ومن رصيد عائلته المتراكم عبر سنوات وعقود ومن جمهور يمحضه التأييد والوفاء.
كثيرون راهنوا قبل سنوات على أن سليمان فرنجية سيصيبه الضعف والوهن بعد خروج السوريين من لبنان لكن هؤلاء خاب رهانهم وتوقعهم، فقد خرج السوريون وانتهى كثيرون بعد ذلك، وبقي سليمان فرنجية زعيماً هو هو، ورقماً سياسياً صعباً وفي صلب المعادلة الشمالية واللبنانية، ولم تنجح المحاولات لمحاصرته وإضعافه، لا بل زاد تماسكاً وزاد مناصروه ومحبوه تمسكاً به وظل حاضراً في كل المجالس والحكومات وبرهن دائماً أنه من الثوابت في ظروف متحركة ومتغيرة ومن دون أن يغير في ثوابته ومواقفه السياسية، وظل يجاهر بصداقته واشدد على كلمة “صداقته” لعائلة الأسد وللرئيس السوري بشار الأسد في ذروة الحرب السورية وعندما كان كثيرون يظنون أن نظام الرئيس الأسد آيل للسقوط.
لقد أضاف فرنجية مصطلحاً ومفهوماً جديداً إلى الممارسة السياسية هو الصدق والوفاء معاكساً كثيرين ممن يعتبرون أنّ السياسة قائمة على المصالح والتزلف والتزلم وأن “الكذب ملح الرجال” وأن “الغاية تبرر الوسيلة” وما إلى هنالك من “نفاق” سياسي لبناني…
سليمان فرنجية الذي لا تغيره الظروف ولعبة المصالح ولا تحبطه خيبات وخسارة مهما بلغت، سلم الأمانة لنجله طوني هذا الشاب الواعد وأعطاه كامل الدعم والثقة عندما حان الوقت… وطوني سليمان فرنجية الذي تولى مرة واحدة مقاليد المسؤولية أثبت في فترة زمنية وجيزة أنه سرّ أبيه، وانه على قدر المسؤولية، وأثبت أنّه مميّز، وعلى قدر كبير من الثقافة، وصاحب كاريزما، واكتسب محبة واحترام الذي عرفوه عن كثب أو الذين تابعوا انطلاقته الناجحة والقوية في وقت تعثرت انطلاقة آخرين من جيله ممّن تسلموا عن آبائهم النيابة وورثوها وبدت انطلاقتهم ضعيفة وباهتة وفاشلة…
إنها عائلة فرنجية منبت الناس الشرفاء والأوفياء والتي تنبض بالتاريخ والحياة ولها مع السياسة صولات وجولات وكل مرة كانت تخرج من التجربة والامتحان أقوى وأصلب…