داود رمال – الاخبار
دخل التأليف الحكومي في حالة «كوما»، بسبب تزامن زيارتين رئاسيتين للخارج، الأولى، لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون لستراسبورغ، حيث سيحل ضيف شرف على البرلمان الأوروبي، والثانية، لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري للاهاي لمتابعة مرافعات المحكمة الخاصة بلبنان، بدءاً من يوم غد، حيث سيدشنها الادعاء، يليه فريق المتضررين وأخيراً وكلاء الدفاع، قبل أن تنصرف هيئة المحكمة للمذاكرة في مسار قد يستغرق شهوراً.
انشغلت الأوساط السياسية بالتراشق على خلفية ما جرى في مطار بيروت، ليل الخميس ـــــ الجمعة الفائت، فيما جاءت «الشتوة الأولى» لينكشف معها حجم الفساد المستحكم بكل مفاصل الدولة، بوزاراتها وإداراتها ومؤسساتها العامة.
وبين فضيحة المطار وفضيحة السيول، تستمر فضيحة التأليف الحكومي للشهر الرابع على التوالي. من التقى الرئيس المكلف سعد الحريري، قبيل توجهه إلى لاهاي، استنتج أن لا حراك جدياً في موضوع تأليف الحكومة وأن الاتصالات متوقفة على أكثر من «جبهة».
في القصر الجمهوري، ثمة انتظار، علماً بأن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، سيكون بعد عودته من ستراسبورغ، على موعد خلال عشرة أيام مع زيارة ثانية لنيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العادية للأمم المتحدة وإلقاء خطاب باسم لبنان هناك سيتناول فيه العديد من العناوين، ولا سيما قضيتي النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين.
«كل الأمور المتصلة بتأليف الحكومة صارت واضحة ولا تحتاج الى تفسير أو تعليل»، على حد تعبير مصدر مواكب، فالصيغة المبدئية المودعة لدى رئيس الجمهورية لم تعد سراً على أحد، وأيضاً الملاحظات الرئاسية التفصيلية عليها، إلا أن تصاعد المواقف بعد تقديم الصيغة، بعنوان الصلاحيات أو غيرها، أشعر الجميع بأن الأمور اتخذت منحى يراد منه صرف الأنظار عن أولوية الأولويات وهي تأليف الحكومة، وهذا ما دفع الحريري الى إيفاد وزير الثقافة غطاس خوري الى بعبدا في نهاية الأسبوع الماضي.
يوضح المصدر المواكب أنه تم خلال اللقاء بين عون وخوري «استعراض جديد للصيغة المبدئية التي كان رئيس الجمهورية قد سجل ملاحظاته عليها أمام رئيس الحكومة المكلف، وتحديداً موضوع التوازن في الأعداد، «وطالما أن الحريري أعطى القوات اللبنانية بكتلتها المؤلفة من 15 نائباً أربع حقائب هي: الشؤون الاجتماعية والعدل والتربية والتعليم العالي والثقافة، فماذا سنقول للكتل الأخرى ذات الحجم الأكبر والتي حازت حقيبة خدماتية وحيدة مثل تكتل لبنان القوي؟ ولماذا يحوز تيار المردة حقيبة الأشغال العامة والنقل؟ وطالما اتفقنا على حكومة وحدة وطنية، لماذا حصر التمثيل الدرزي بجهة واحدة (وليد جنبلاط)، ولماذا عدم تمثيل النواب السنة خارج تيار المستقبل. وبعدما حسمت الصحة لكتلة الوفاء والمقاومة، لماذا التلميح بإمكانية سحبها من حصة حزب الله» على حد تعبير المصدر المواكب.
ويتابع المصدر «عدا عن سحب حقيبة العدلية من رئيس الجمهورية، أدخلوا الى حصتنا إضافة الى وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية وزير دولة لحقوق الإنسان، ونائب رئيس حكومة بدون حقيبة، أي برتبة وزير دولة، في حين يرفض (الرئيس المكلف) أن تكون حصة القوات ثلاث حقائب ووزير دولة».
ويقول المصدر إن عون أبلغ خوري أن كل ما فعله أنه شرح حقه وصلاحياته «ولا تصعيد من قبلي، إنما العكس صحيح، بدليل أنني لم أرفض الصيغة المبدئية ولم أقبلها، وقلت إن المطلوب إدخال تعديلات عليها لكي تصبح أكثر توازناً وملاءمة لما سبق واتفقنا عليه لجهة تأمين العدالة في التمثيل الحكومي بما يعكس نتائج الانتخابات النيابية ويحترم إرادة الناس التي عبّرت عنها في صناديق الاقتراع، وهذا هو التسهيل بعينه، فماذا كان الجواب؟ جاء الرد عبر حملة بدأها رؤساء الحكومات السابقون عبر بيانهم الشهير الذي استحضروا فيه موضوع الصلاحيات، وكأن المطلوب تنازل رئيس الجمهورية عن صلاحياته لكي يُسحَب موضوع الصلاحيات من التداول، علماً بأن الصلاحيات واضحة ومحددة في الدستور ولا داعي للتذكير بها مجدداً»، على حد تعبير المصدر نفسه.
ويؤكد المصدر أن رئيس الجمهورية طلب من خوري أن ينقل للرئيس المكلف رغبته في تعديل الصيغة المبدئية «لكي أسهل مهمته وليس لتعقيدها، وخصوصاً أننا اتفقنا على الأعداد، والمطلوب إعادة نظر بتوزيع الحقائب بما يحقق وحدة المعيار وعدالة التمثيل».
ويشير المصدر الى أن زيارة غطاس خوري لبعبدا «أفضت إلى التفاهم على تخفيف اللهجة وتكريس الهدوء ووقف التصعيد وسحب موضوع الصلاحيات من التداول لأنه لا تفسير لطرح هذا الموضوع سوى صرف الأنظار عن أولوية تأليف الحكومة، وإذ في اليوم التالي تعود الماكينة لتشتغل من جديد، وتبث «الجوقة» جواً تصعيدياً، وصولاً الى التذكير بالطائف، وكأن أحداً طالب بوضع الطائف على مشرحة النقاش والتعديل، وهذا الأمر يطرح علامة استفهام كبرى، لن يبددها سوى اجتماع الرئيسين عون والحريري بعد عودتهما من الخارج».
جبهة قواتية ــ اشتراكية ولكن!
بعد تجربة تحالفهما خلال الانتخابات النيابية، يبحث حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي خيار تشكيل جبهة ثنائية في ما خصّ تشكيل الحكومة. وتفيد المعلومات بأنّ الحزبين يبحثان إمكانية ربط مصير الواحد منهما بمصير الثاني في الحكومة، بمعنى أنّه إذا لم تحصل «القوات» على الحصة التي «ترضيها»، تنسحب من الحكومة، على أن ينضم إليها «الاشتراكي»، والعكس صحيح. إلا أنّ بعض العقبات تقف أمام هذا الاتفاق.
أولاً، يخشى الفريقان أن يكون إخراجهما من الحكومة هو هدف رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ، لذلك سيُفكران جيداً قبل منح «العهد» هذه «الهدية».
ثانياً، يخشى الفريقان من ممارسة السياسة من الضفة المعارضة.
ثالثاً، ثمة أزمة ثقة متبادلة، إذ إن القوات اللبنانية تتعامل بحذر مع موقف التقدمي الاشتراكي، وهي تعتبر أنّ النائب السابق وليد جنبلاط قد يتركها وحيدةً في لحظة ما، إذا تمكن رئيس مجلس النواب نبيه برّي من إقناعه بالمشاركة في الحكومة. كذلك فإنّ حالة الشكّ تُصيب جنبلاط في تعامله مع القوات اللبنانية.
انطلاقاً من هذه الأسباب، لا يزال الحديث عن «جبهة قواتية ـــــــ اشتراكية» في مراحله الأولى. وردّاً على سؤال، تقول مصادر معنية إنّ «السعودية والإمارات تدفعان باتجاه خيار خروج القوات والاشتراكي من الحكومة، في حال لم ينالا الحصة التي يريدان، ما يعني تعطيل البلد