البصرة تُخرج العبادي من سباق رئاسة الحكومة… و«الحوثيون» يربطون أي تفاوض بفك الحصار
المعارضة التركية تدعو للحوار مع الأسد… وعمليات التمهيد الناري للمعركة تبلغ ذروتها
الحريري يخسر حرب الصلاحيات المفتعلة… ويعود للجولة المقبلة حكومياً بتنازلات
كتب المحرّر السياسيّ – البناء
المشهد الإقليمي الذاهب إلى التصعيد يبدو مصدر قلق للحلف الذي تقوده واشنطن. فالحروب الناعمة التي يحاولون إشعالها في ساحات المواجهة تنقلب عليهم. فهذا هو الحال يمنياً مع التدخل السعودي لتحديد شروط سفر الوفد اليمني من صنعاء إلى جنيف، وقد أعلنت قيادة أنصار الله أنها لن تذهب للتفاوض في ظل الوصاية السعودية على مطار صنعاء، بينما تفشل السعودية في تحقيق أي إنجاز عسكري يجعلها تراهن على الوقت. وفي العراق تحوّلت أحداث البصرة التي أريد من خلالها محاصرة إيران وحلفائها وتحميلهم مسؤولية الخراب عبر استدراجهم لفتنة أهلية، عبر دفع جموع من المتظاهرين والملثمين لاقتحام القنصلية الإيرانية ومقار قوى الحشد الشعبي، كشفت مشغلي التخريب وهويتهم بمجرد استثناء مقار أحزاب أخرى من عمليات الحرق وتحييد القنصلية الأميركية، بينما انسحب عناصر الحشد الشعبي من مقارهم وغاب حراس القنصلية الإيرانية عن المواجهة منعاً للفتنة وكشفاً للفاعلين. فكانت النتيجة السياسية خروج رئيس الحكومة حيدر العبادي من السباق إلى رئاسة الحكومة الجديدة بشراكة خصومه وحلفائه، ونجاح مساعي الحشد لاجتماع تشاوري يضم الفريقين تحت عنوان السعي لرئيس حكومة توافقي، وجاء استهداف الحرس الثوري للجماعات الكردية الإيرانية المتمرّدة المنتشرة في كردستان العراق، رسالة لمنع سوء فهم المرونة في الشأن العراقي الداخلي، في أكثر من اتجاه.
في سورية حيث المعركة الحاسمة بين معارك المنطقة، بينما بدأت سورية وحلفاؤها في قوى المقاومة وروسيا وإيران عمليات التمهيد الناري لعملية التقدّم البري، حيث قام الطيران الروسي والطيران السوري ومواقع المدفعية والصواريخ باستهداف مواقع جبهة النصرة وداعش ومواقع الجماعات الإرهابية من التركستان والإيغور، في جبل الزاوية وجسر الشغور، وفي الريف الجنوبي لإدلب، بينما واصل الموقف التركي الارتباك مع العجز عن تغيير اتجاه المعارك والعجز المقابل في الانتقال للمواجهة. وكان لافتاً تقدّم حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض بالإعلان عن مبادرة تقوم على مطالبة الرئيس التركي بالإسراع في فتح حوار مباشر مع الدولة السورية ورئيسها، وبدعوة الفصائل المسلحة للمعارضة السورية بإلقاء السلاح.
في لبنان لم يكن الأمر مختلفاً، حيث فشلت حرب الصلاحيات المفتعلة مع رئيس الجمهورية في خلق مناخ جدّي رسم لها طائفياً عبر حشد واستحضار عناوين طائفية لمنحها هذا الطابع. فبقي السؤال الرئيس من أين جاء الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة بعرض صيغة مبدئية لتشكيل الحكومة بدلاً من تقديم حكومته لرئيس الجمهورية، وماذا يفترض أن ينتظر من رئيس الجمهورية غير مناقشة التشكيلة عندما يقترحها ليقرر أحد أمرين، السير بالتوافق مع رئيس الجمهورية عبر إدخال تعديلات يتفقان عليها على التشكيلة، أو الاعتذار عن تشكيل الحكومة. وقد قالت مصادر متابعة لتشكيل الحكومة، إنه بعد هذه الجولة فإن الرئيس المكلف أمام أحد خيارين واضحين هما الاعتذار أو العودة للحوار مع رئيس الجمهورية، وهو حوار يبدأ من مناقشة ملاحظات رئيس الجمهورية والسعي لملاقاتها بتعديلات. وقالت المصادر إن تأكيدات الحريري التي تتخذ طابع التحدي عن رفض الاعتذار، لا يجب أخذها بصفتها تعبيراً عن نيات التصعيد، طالما أن بديل الاعتذار الوحيد هو التفاهم مع رئيس الجمهورية، أي ملاقاته في منتصف الطريق على ملاحظاته، والبحث لدى حلفاء الرئيس المكلّف عن تنازلات جديدة.
مرة جديدة يدخل التأليف الحكومي في إجازة مع مغادرة رئيس الجهورية العماد ميشال عون اليوم إلى ستراسبورغ، حيث يُلقي خطاباً أمام البرلمان الأوروبي يتطرّق فيه إلى ملف النازحين، كما يلتقي كبار المسؤولين الأوروبيين، ومغادرة الرئيس المكلف سعد الحريري إلى لاهاي، حيث تنطلق المرافعات الختامية للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان غداً الثلاثاء.
وبانتظار عودة رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، فإن حرب الصلاحيات لا تزال مستعرة على خط بعبدا بيت الوسط الذي أكدت مصادره لـ»البناء» ضرورة تطبيق ما نادى به الدستور ترجمة لوثيقة الطائف بعيداً عن أية اجتهادات أو تأويلات من هنا وهناك في ما خصّ صلاحيات الرئيس المكلف، فلا أحد يضع عليه شروطاً للتأليف، ولا يمكن لبعبدا ان تدعو الرئيس المكلف للالتزام بمعاييرها عند التأليف، لأن الرئيس المكلف هو مَن يؤلف الحكومة ويرفع الصيغة الى رئيس الجمهورية الذي يتمتع بأحقية إبداء ملاحظاته على التشكيلة، وفي الوقت نفسه للرئيس المكلف الحق بالقبول أو الرفض، بمعزل عن إمكانية تعديل الصيغة الواردة اذا اتفق الطرفان.
وأكدت مصادر تكتل لبنان القوي من جهتها أن الرئيس عون لا يتجاوز صلاحياته، فهو يقوم بواجبه الوطني الذي أملاه عليه الدستور الذي أكد أن رئيس الجمهورية هو شريك في التأليف الى جانب الرئيس المكلف.
ولفتت المصادر لـ«البناء» إلى أن الحكومة لن تتشكل إلا على قاعدة المعيار الواحد تبعاً لنتائج الانتخابات النيابية والعدالة في التمثيل بعيداً عن الاحتكار، مشيرة إلى أن من واجب الرئيس المكلف سعد الحريري البدء بجولة مشاورات جديدة مع المكوّنات السياسية على قاعدة الملاحظات الجوهرية التي وضعها الرئيس عون على صيغة الحريري المبدئية، ووضع في صورة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية من أجل الإسراع في تأليف الحكومة، مع تجديد المصادر نفسها تأكيد أن رئيس الجمهورية الذي لم يرفض الصيغة بالمطلق دعا الحريري الى مراعاة الأحجام عند توزيع الحقائب الخدمية بعيداً عن الاستنسابية، في إشارة المصادر إلى أن حصة للقوات يجب أن تتضمن وزير دولة وإلا ستبقى الأمور عالقة».
وفي السياق، اعتبرت مصادر نيابية في كتلة التحرير والتنمية لـ«البناء» أن الأزمة الحكومية تتفاقم مع لجوء الفرقاء الى فتح باب الصلاحيات، مشيرة إلى ضرورة أن يعي الجميع أن التأخر في التأليف لم يعُد في مصلحة احد على الإطلاق، فارتدادات التعطيل لن تستثني أحداً.
في المقابل وجّه رئيس حزب القوات سهامه نحو وزير الخارجية جبران باسيل متهماً إياه بطريقة غير مباشرة بالتعطيل وضرب العهد، داعياً الرئيس عون للمبادرة إلى إنقاذ عهده بيده بدءًا من تأليف الحكومة الجديدة. فجلّ ما هو مطلوب منه أن يشهد للحق ويلجم طمع البعض، وينقذ التسوية الرئاسية الكبرى المهدّدة فعلاً في الوقت الراهن». وأضاف: «اتفاق الطائف قام بتحديد الصلاحيات وجميعنا وفي طليعتنا الرئيس ميشال عون نعترف ونتمسك به، والصحيح الوحيد هو أن هناك بعض متمترس بالعهد ويحاول من جهة تقليص تمثيل القوّات، ومن جهة ثانية وضع يده على أكبر عدد ممكن من الوزارات بشكل غير منطقي».
وناشد نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي الرئيس سعد الحريري أن «يشكّل حكومة أكثرية بلا تكتل لبنان القوي وليذهب بها إلى رئيس الجمهورية وسيوقّعها». وسأل الفرزلي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع: «أي عهد تتحدّث عنه؟ الذي خاض معركة تحرير الجرود من الإرهاب؟ والذي أعاد الأمن والأمان إلى البلد»؟، متوجّها إليه بالقول: «هناك خريطة في مجلس النواب عليك ان تحترمها «أنت وواقف على رِجل واحدة».
وشدّد الفرزلي على أنّ «أي تشكيلة حكومية لا تراعي نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة هدفها ضرب العهد وعلى الكبير والصغير أن يفهم ذلك». وتابع: «الرئيس نبيه برّي سأل الوزير باسيل عمّا يريده في تشكيل الحكومة، فأجابه أنّه لا يريد إلّا المعيار الواحد».
الى ذلك كان لافتاً ما أعلنه مسؤول منطقة جبل لبنان والشمال في «حزب الله» الشيخ حسين زعيتر، أمس، «أننا نواجه أكبر هجمة على الكيان اللبناني لإسقاط الرئيس القوي»، مؤكداً أن «الرئيس العماد ميشال عون لن يسقط بالرغم من كل محاولات الداخل والخارج».
من ناحية أخرى شن وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي، هجوماً على أداء الامانة العامة لمجلس الوزراء، قائلاً إنها «سابقة خطيرة أن تبادر الأمانة العامة لمجلس الوزراء الى الردّ الإعلامي على وزير في حكومة عاملة أو مستقيلة بموضوع يتعلق بالمباشر بالمال العام، في حين أن وزير العدل تطرق الى مسألة مبلغ الـ 88 مليون دولار أخذاً حرفياً عن تصريح زميله وزير الأشغال العامة والنقل بعد اجتماع السراي بموضوع تلزيمات المطار، وحبذا لو كلفت الأمانة العامة لمجلس الوزراء نفسها الاستماع الى هذا التصريح. إن الوزير في دستور الطائف حيثيته السياسية والهرمية مصونة في المادة 66 من الدستور، والأمانة العامة لمجلس الوزراء مدعوة الى تحرير مشاريع المراسيم العالقة لديها والنائمة في أدراجها والمتعلقة بحقوق حيوية للمواطنين، بدلاً من مساجلة الوزراء إعلامياً، على غرار مشاريع مراسيم تأليف اللجان القضائية، كلجان الإيجارات والاستملاكات والاعتراضات على الضرائب والرسوم وما شابه، وكأنها لم تحفظ من دستور ما بعد الطائف الا فعل الامتناع والحجب. حبذا لو نلتزم جميعاً حدود ميثاقنا الوطني ودستورنا لينتظم عمل سلطاتنا ومؤسساتنا».
إلى ذلك يقوم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بزيارة رسمية الى مقرّ البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، تبدأ اليوم وتستمر ثلاثة أيام، يلقي خلالها كلمة في جلسة خاصة لافتتاح الدورة العادية للبرلمان للعام 2018-2019، ويجري خلالها لقاءات مع كبار المسؤولين الأوروبيين تتناول العلاقات بين لبنان والاتحاد الأوروبي، والأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة. وترافق الرئيس عون في الزيارة، اللبنانية الأولى السيدة ناديا عون، إضافة الى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ووفد رسمي. ويلقي الرئيس عون كلمته أمام البرلمان الأوروبي عند الثانية عشرة ظهراً بتوقيت ستراسبورغ الثالثة عشرة بتوقيت بيروت ، بعد أن يكون عقد لقاء موسعاً مع رئيس البرلمان الأوروبي انطونيو طاجاني في مقر البرلمان يحضره الى الرئيس عون أعضاء الوفد المرافق، الى جانب عدد من نواب الرئيس طاجاني والمسؤولين في مكتب رئاسة البرلمان.
ويقيم الرئيس طاجاني للرئيس عون مأدبة غداء على شرفه واللبنانية الاولى والوفد المرافق، بعد كلمة رئيس الجمهورية يحضرها رؤساء الكتل البرلمانية في البرلمان وعدد من النواب فيه. ويلتقي رئيس الجمهورية للمناسبة عددا من كبار المسؤولين الأوروبيين. كما يلتقي الرئيس عون مساء الثلثاء ابناء الجالية اللبنانية في ستراسبورغ والمدن الأوروبية المجاورة.