صحيفة الاخبار
«برّع برّع يا سلمان… يا عميل الأمريكان». شعار جديد باتت تردّده جموع غاضبة من اليمنيين الجنوبيين، في محافظات اليمن الشرقية والجنوبية. من المكان نفسه، ردفان في محافظة لحج، حيث دوّى شعار «برّع برّع يا استعمار» (أخرج يا استعمار)، وانطلقت الشرارة الأولى للمقاومة العسكرية للاحتلال البريطاني، دُشّنت الاحتجاجات الجديدة ضد الوجود الإماراتي – السعودي، مُستعيرةً هتاف المقاومة الشهير. احتجاجات شرارتها الأوضاع المتردية جراء انهيار الريال وتراجع الخدمات، في المناطق التي يُفترض أنها تنعم بنعمة «التحرير» في ظلّ سيطرة «التحالف» المباشرة. أما أسبابها فتبدو أكثر عمقاً، ومردّها استياء متزايد من طريقة تعامل «التحالف» مع تلك المناطق، وافتضاح تجربة ثلاث سنوات من عمر الاحتلال. ففضلاً عن اكتشاف النظرة الإماراتية والسعودية للساحة الجنوبية كأرض للاستثمار في الحروب بالجغرافيا والمقاتلين بلا مقابل مُجْدٍ، باتت أنباء مخططات السيطرة والسجون السرية والمشاريع الأشبه بالاستعمار في الموانئ والجزر تؤثر في الرأي العام الجنوبي، الذي استيقظ على احتلال متكامل الأوصاف من حوله واستلاب لإرادة مُمثِّليه السياسيين.
هذا ما تؤكده الشعارات والفعاليات الاحتجاجية التي وصلت إلى تمزيق صور زعماء الإمارات والسعودية، ودوس الأعلام الإماراتية بالأرجل والسيارات، وإطلاق الشعارات المناهضة لدول «التحالف» والداعية إلى خروجها من البلاد. مشهد غير مسبوق أقرب إلى انتفاضة بدأت تتوسّع رقعتها إلى أكثر من محافظة، وإن كان استمرار وتيرتها غير واضح حتى الآن. إلا أن خطورة المؤشر التقطته أبو ظبي، التي سارعت عبر وزير دولتها للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إلى اتهام «التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان اليمن)، في تصريح نادر، بالوقوف وراء الاحتجاجات وتحريكها. وقال قرقاش في تغريدة له إن «السلوك المخزي تجاه رموز الإمارات والتحالف في حضرموت وبعض مناطق الجنوب، والتي يُوجّهها الإصلاح، لن تثنينا عن تأدية المهمة»، مضيفاً أن «قناعتنا أنها أقلية حزبية لا تريد لليمن الخير، والتحالف في سعيه لتثبيت الاستقرار لن تهزّه هذه التصرفات».
الرد الإماراتي الغاضب والمُقلِّل من شأن المحتجين بوصفهم «أقلية حزبية»، والساعي إلى شيطنتهم باعتبارهم «إصلاحيين»، لم يوقف التحركات الاحتجاجية في المدن الجنوبية. إذ امتدّت الاحتجاجات إلى مدينة المكلا مركز محافظة حضرموت، حيث أقدم المتظاهرون على تمزيق صور قيادات «التحالف» المرفوعة في المدينة، وردّدوا شعارات تطالب برحيل قواته. كذلك، أصيب ستة متظاهرين في المكلا برصاص ميليشيات «النخبة الحضرمية» التابعة للإمارات. وفي عدن، عاصمة الجنوب اليمني، تَواصل العصيان المدني، وأغلق العشرات من السكان الغاضبين شارع المكلا، فيما استمرّ إغلاق محلات تجارية ومحلات تبادل العملات، وتطوّر الغضب الشعبي إلى وصول موجة إحراق صور رئيس الإمارات وملك السعودية إلى المدينة، التي تُعدّ مركز التواجد الإماراتي – السعودي.
وقد استوقف المراقبين ركوب «المجلس الانتقالي الجنوبي» المتحالف مع الإمارات موجة الاحتجاجات. وهو ما فُسّر بأنه محاولة إماراتية لاستخدام الحراك ضد حكومة عبد ربه منصور هادي في إطار المناكفات بين الأخيرة وأبو ظبي، وعودة الخلافات بعد معارك تعز. لكن حتى مساء أمس، لم يخرج موقف من فريق هادي الغائب عن المشهد بسبب خضوعه للعلاج في الخارج، علماً أن «الانتقالي» استُبعد عن مشاورات جنيف، وساد الغموض حول مشاركته حتى بصفة «مراقب». إلا أن تحركات الأجنحة الأمنية لـ«الانتقالي» الموازية، بوجه المخالفات التجارية في الأسواق، بدت أقرب إلى مسعى لاحتواء ما يجري حتى لا ينفجر بوجه القوات الإماراتية.