صحيفة الاخبار
توجّهت الأنظار، أمس، صوب البرلمان العراقي في انتظار خروج «الدخان الأبيض» لـ«الكتلة الأكبر». هناك، خيّمت الضبابية على الأرقام التي بات يتناتشها محوران رئيسيان غير طائفيين للمرة الأولى، أفرزهما فشل اتصالات التسوية في ربع الساعة الأخير، والتدخل الأميركي غير المسبوق تاريخياً حتى إبان الاحتلال، وفق توصيف مصادر مطلعة تحدثت إلى «الأخبار»، إلى جانب تريّث الأكراد في إعلان موقفهم.
ومن البرلمان، انتقل مصير «الكتلة الأكبر» إلى المحكمة الاتحادية، التي عليها أن تفصل في خلال 48 ساعة في كيفية احتساب نواب هذه الكتلة التي لها الحق في تشكيل الحكومة: فإما اعتماد تواقيع النواب التي اعتمدها تحالف «البناء» (كتلتا «الفتح» و«دولة القانون» وحلفاؤهما)، أو تواقيع رؤساء اللوائح التي اعتمدها تحالف «الإصلاح والبناء» (كتلتا «سائرون» و«النصر» وحلفاؤهما). بالنظر في الأرقام، يتضح أن إعلان «النصر» (حيدر العبادي) رقم 185 نائباً ضمن التحالف الذي وقّع عليه رؤساء الكتل وليس النواب، أشبه بـ«مسدس بلا رصاص». ففي المقابل، أعلن تحالف «الفتح» و«دولة القانون» أسماء نوابه التي قاربت 153، وقّعوا بأسمائهم الفردية. وإذا ما جُمع الرقمان يكون الحاصل 338 نائباً، علماً أن عدد المقاعد في البرلمان لا يتجاوز 328! وكذلك، فإن الكتل الكردية (61 نائباً بينهم 4 مع تحالف العبادي) لم تنضمّ بعد إلى أي من التحالفين. وهو ما تشرحه مصادر «الأخبار» بفوارق النواب المنشقين عن لوائح «النصر» (حيدر العبادي) و«الوطنية» (إياد علاوي) و«القرار» (أسامة النجيفي)، والذين تتحفظ المصادر عن ذكر حجمهم، مكتفيةً بالقول: «إنهم بالعشرات»، فضلاً عن آخرين لم ينضموا بعد إلى أحد، كنواب «حزب الفضيلة». بأي حال، إن رهان تحالف العبادي بدا واضحاً على المخرج القانوني باعتماد تواقيع رؤساء الكتل.
لكن بحسب مصادر متابعة، إن اعتماد تواقيع النواب الفردية هو المُرجّح، خصوصاً بعد أداء النواب القسم الدستوري، الذي باتوا معه كاملي الصلاحيات، بما في ذلك اختيار كتلهم. لكن الإشكاليات القانونية ليست وحدها العائق أمام حسم الموقف، إنما الأخطر التدخل الأميركي الذي بلغ حدّ ملاحقة المحكمة الاتحادية وقضاتها، عبر ضغوط كبرى. وتصف مصادر واسعة الإطلاع ما يجري بأنه سابقة لم يشهدها العراق، لا في حجم ضغوط واشنطن ولا في كيفية الضغوط. إذ إن الأميركيين عمدوا إلى الاتصال أو الاجتماع بمعظم السياسيين والمؤثرين ورؤساء الكتل، وصولاً إلى محاولة استدعاء النواب نائباً نائباً. أكثر من ذلك، سمع عدد كبير من المسؤولين العراقيين تهديدات أميركية بلغت حدّ التلويح بوضع بعض الشخصيات على قوائم دعم الإرهاب، وتجميد أرصدة مصرفية وممتلكات، إضافة إلى تهديدات عامة للعراق بشكل صريح بقطع كل أشكال الدعم والمساعدات الأميركية. في المقابل، شعر عدد من الساسة العراقيين بالاستفزاز من طريقة التعامل الأميركية الخارجة عن الأعراف واللياقات الدبلوماسية كما وصفها البعض، ما دفعهم إلى اتخاذ مواقف مضادة للمطالب الأميركية بالانضمام إلى تحالف العبادي وعدم السير بأي تحالف يضم «حلفاء إيران»، على عكس آخرين خضعوا للضغوط.
وعن سبب تأخر حسم الأكراد موقفهم، يشير أكثر من مصدر لـ«الأخبار» إلى استمرار المفاوضات حتى وقت متأخر من ليل أمس، فيما قالت أوساط تحالف «البناء» إن الموقف الكردي مائل إليه بنسبة كبيرة جداً، إلا إذا ما بلغ الضغط الأميركي مبلغاً لا يمكن تخيله، على حد تعبير أحد المصادر. لكن إلى ليل البارحة، بقيت الكتل الكردية مختلفة في ما بينها على تسمية رئيس الجمهورية، وكذلك استمرت في تمسكها بانتهاز الفرصة لاستحضار المطالب الجامعة المعتادة كملف كركوك وقضايا الإقليم الشائكة. وأكدت مصادر أخرى استمرار المفاوضات في الكواليس بين جميع الأطراف على «تسوية» واسعة قد تحصل حتى بعد حسم إحدى الكتل توصيفها ككتلة أكبر، ولا سيما حول تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة.