كلير شكر – الجمهورية
كان يُنتظر أن تُلتقط صورة استثنائية لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في «القصر الجمهوري» متأبّطاً مسوّدته الحكومية بعد طول انتظار، وإذ به يطير فجأة إلى مصر للمشاركة في مناسبة خاصة، محبطاً كل التكهّنات التي بشّرت بحراك حكوميّ قد يخرج المشاورات من نفق التعطيل ويسمح لحكومة العهد الثانية برؤية النور.
لحظات من التفاؤل سيطرت على المناخ الحكومي ممهدة لحفر كوّة في الجدار الحديديّ، وإذ بها تتبخّر بعد ساعات قليلة بعدما تبيّن أنّ المسودة من فوق غير المسودة من تحت!
بعد 100 يوم على التكليف، بَدا أنّ الحريري قرر الاستجابة للضغوط المعنوية التي تمارس عليه من جانب رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي، من خلال رمي كرة المبادرة في ملعبه لدفعه إلى كتابة صيغته الحكومية ووضعها على طاولة شريكه في التوقيع الدستوري، أي رئيس الجمهورية.
أعلنها الرئيس عون أكثر من مرة: فليضع رئيس الحكومة مسودته، ونحن بانتظارها لكي نقول كلمتنا.
بالنتيجة، يبقى الحريري هو المخوّل في خطّ أسماء حكومته، وفي يده صلاحية الكتابة، فيما التوقيع قرار مشترك مع الرئاسة الأولى التي يمكن لها أن تضع «بصمتها»، أو أن ترفض التشكيلة برمّتها. ولكن بين الحدّين، يمكن للرجلين أن يتفاهما وأن يجدا مربّع التقاء يجمع التوقيعين بعد توافقهما.
يدرك رئيس «تيار المستقبل» أنّ قبول التحدي بتحدٍ مماثل سيرفع سقف المواجهة أكثر اذا ما وقع الخلاف بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية، واذا ما أصرّ الأول على ترك ورقته على طاولة الثاني ليحسم مصيرها. في تلك الحالة، ستكون العودة إلى الوراء مكلفة جداً على الرجلين، وستكون أثمانها باهظة لأنّها ستفرض تراجعاً حتمياً مع الوقت، أو مواجهة معطّلة للبلاد.
ولهذا يحاذران بلوغ هذه الحافة، ويفضّلان تكثيف خطوط التشاور والتنسيق قبل حسم الصيغة الحكومية، لاسيما من جهة رئيس الحكومة المكلف، لكي لا يسلك مُكرهاً خيار «اللهم انّي بلّغت».
على هذا الأساس، كان من المفترض حصول لقاء «اللمسات الأخيرة» بين الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل خلال الساعات الماضية، كما تفيد المعلومات، للوقوف عند رأي الأخير من المسودة التي صارت شبه منجزة بين يدي رئيس الحكومة المكلف. وعلى هذا الأساس تمّ تحديد الموعد، قبل نسفه نتيجة انشغال رئيس «التيار الوطني الحر»، كما تؤكد المعلومات.
ويتردد أنّ اعتراض باسيل على عناوين المسودة قبل الاطلاع على تفاصيلها هو السبب وراء تطيير اللقاء، وبالتالي تأجيل التوجه إلى قصر بعبدا لعرض المسودة. هكذا عادت الأمور إلى مربّع الجمود، بانتظار مبادرة ما من شأنها، إمّا أن تقنع باسيل بسلامة مقاربة الحريري، وإمّا أن تقنع الأخير بتعديل ورقته.
وفق اللصيقين بخطّ مشاورات التأليف، فإنّ طبخة الحكومة لم تنضج بعد ولو أنّها حققت تقدّماً ملموساً خصوصاً على خطّ الحصص المسيحية، بعدما قررت «القوات» التخلي عن مطلبها بحقيبة سيادية على أن تكون حصتها 4 حقائب أساسية كتعويض لها عن تنازلها. وهي الكوة التي تمكّن عبرها رئيس الحكومة من التقدّم إلى الأمام لوضع صيغته الحكومية على الورقة.
على هذا الأساس، أعاد الحريري توزيع الحصص الوزارية، لصياغة تركيبته قبل وضعها أمام رئيس الجمهورية.
وفي هذا السياق يقول أحد المعنيين بالطبخة الحكومية، إنّ صيغة الثلاث عشرات بُعثت من جديد، كونها أكثر تعبيراً عن التوازن الجديد في مجلس النواب، ولأنها تمنح الثقة لكل المشاركين فيها ولا تعطي أيّاً منهم ثلثاً معطلاً، إذ تقوم التوزيعة على الشكل الآتي:
– 10 وزراء من العونيّين يتوزّعون بين 3 محسوبين على رئيس الجمهورية و7 لـ«تكتل لبنان القوي» بينهم الوزير الأرمني المحسوب على «الطاشناق».
– 10 وزراء للثنائي الشيعي إلى جانب وزير لـ«تيار المردة» و3 وزراء دروز.
– 10 وزراء للتحالف القديم – الجديد يتوزعون بين 6 وزراء لـ«تيار المستقبل» و4 لـ«القوات».
حتى الآن، تلاقي هذه الصيغة آذاناً صاغية وتأييداً من المعنيين باستثناء «التيار الوطني الحر»، الذي لا يزال مصرّاً على حصّة من 11 وزيراً.