ألان سركيس – الجمهورية
لا يستطيع أحد من اللبنانيين إخفاءَ الحقيقة «البشعة» وهي أنّ بلاده تُحكم دائماً من الخارج، ولم ينبع الحُكمُ يوماً من إرادة الشعب أو ممّا تفرزه صناديق الانتخاب.
أكبر دليل على هذا الكلام هو أنّ الانتخابات النيابية لا تُنتج الحلول بل تعقّد المشكلات خصوصاً عندما يحين موعد تأليف الحكومات. ففي عام 2005 شكّل الرئيس فؤاد السنيورة حكومته سريعاً لأنّ الضغط الدولي كان يفرض ذلك، وكان هناك حلفٌ رباعي داخلي مغطى بتوافق أميركي- فرنسي- سعودي- مصري- إيراني- سوري.
لكنّ انتخابات عام 2009 لم تؤدِّ الى ولادة سريعة للحكومة، والسيناريو نفسه يتكرّر بعد انتخابات 6 أيار الماضي، ما يؤشّر الى أنّ الأزمة الحكومية ستطول لأنّ الخارج لم يقل كلمته بعد.
وفي هذه الأثناء، كثرت في الآونة الأخيرة رحلات الحجّ الى موسكو في استعادة لمشاهد سابقة عندما كان المسؤولون يزورون الدول المؤثّرة من أجل الاطّلاع على ما يدور من سياسات، واستمداد القوّة والتأثير والنفوذ من النبع الخارجي.
لا شكّ أنّ موسكو هي العاصمة الأكثر تأثيراً في سياسات المنطقة في الوقت الحاضر نظراً الى الدور الكبير الذي لعبته وتلعبه في سوريا، لكنّ هذا الأمر لا يعني أنها وضعت يدها على لبنان والمنطقة.
وتؤكّد مصادر دبلوماسيّة لـ«الجمهورية» أنّ وقوع لبنان تحت النفوذ الروسي ليس بالأمر السهل، لأنّ هناك موانع كثيرة تحول دون هذا الأمر.
فالمانع الأوّل هو أنّ الأميركيين يستثمرون منذ سنوات في الأمن اللبناني، وظهر ذلك جلياً من خلال تسليح الجيش، ورفض واشنطن القاطع أن يتزوّد لبنان بالسلاح الروسي، وهذا الأمر يدلّ بما لا يقبل الشكّ على أنّ لبنان هو من الحصّة الأميركية.
أمّا السبب الثاني، فهو رفض الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا أن يكون لبنان منطقة نفوذ روسي. فباريس لم يبقَ لها امتدادٌ في العالم سوى لبنان، كما أنّ واشنطن أعطت الرئيس إيمانويل ماكرون هامشاً للعودة الى لعب بلاده دوراً في الشرق انطلاقاً من البوابة اللبنانية.
أما السبب الثالث والأهمّ هو أنّ الروس لا يطمحون الى لعب مثل هذا الدور، فموسكو تعرف تعقيدات الوضع اللبناني وتركيبته الحساسة، وتعلم جيداً التوازنات الموجودة فيه والمرتبطة بالسياسات الكبرى إضافة الى لعبة الطوائف وارتباطاتها بدول خارجية.
وتشير المصادر الدبلوماسيّة الى أنّ موسكو تسعى الى أن تكون على صداقة مع جميع المكوّنات اللبنانية، ومع الدولة اللبنانية، وليس مع طرف ضدّ الآخر، وبالتالي فإنّ محاولات جرّها الى زواريب بيروت لن تنجح.
وتؤكّد المصادر أنّ ما يهمّ روسيا هو أمن لبنان واستقراره، وتعطي مثلاً على ذلك وهو أنّ «حزب الله» وحلفاءه يقاتلون في سوريا في الخندق نفسه مع روسيا، لكنّ هذا الأمر لا يُستثمر في اللعبة الداخلية اللبنانية، لأنّ صديق روسيا الأول في لبنان هو الرئيس المكلّف سعد الحريري، خصم النظام السوري، وليس «حزب الله» أو أيّ طرف آخر، وقد زار الحريري الرئيس الروسي فلاديفير بوتين مرّات عدّة، في حين أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لم يتمكّن من زيارة بوتين ولقائه حتّى الساعة.
لا شكّ أنّ روسيا يهمّها دخول السوق اللبناني والاستفادة تجارياً، وهذا الأمر يظهر من خلال دخول إحدى شركاتها الى مناقصة الغاز والنفط اللبناني، لكن لا يعني ذلك أنّ زمن الانتداب الفرنسي قد عاد بنكهة روسيّة، أو أنّ زمن الوصاية السورية وعنجر سيتجدّد، خصوصاً أنّ روسيا دولة كبرى، وليس لديها وقت لتهتمّ بـ«السخافات» اللبنانية، أو أن تستقبل المسؤولين اللبنانيين لتستمع إليهم وهم يشكون على بعضهم البعض.
وأمام هذا الواقع، يبقى أمام المسؤولين اللبنانيين الاستفادة من الدور الروسي لمصلحة بلدهم، ومن أجل عودة النازحين السوريين، خصوصاً بعد اتّفاق هلسنكي، لأنّ الموضوع يحتاج الى متابعة واستغلال هذه الفرصة التاريخية.