فاتن الحاج – الأخبار
التذرّع بـ«خطأ غير مقصود» في الترويج لفرصة تدريبية للطلاب في إسرائيل لا يفترض أن يعفي إدارة الجامعة الأميركية في بيروت من اتخاذ الإجراءات والتدابير الاحترازية اللازمة لمنع تكراره. في كل ما يتعلّق بالتطبيع مع العدو الإسرائيلي، عندما يتكرّر «الخطأ غير المقصود»، لا يمكن لوم من سيعتبره «خطيئة مقصودة». التطبيع مع العدو «مش مزحة»!
في كل مرّة تُكشف فيها «أخطاء» تطبيعية مع العدو الإسرائيلي داخل الجامعة الأميركية في بيروت، تخرج إدارتها لتؤكد التزامها الكامل والصارم بالقوانين اللبنانية التي تصنّف إسرائيل عدوّاً وتحظر التعاطي معها وتدعو إلى مقاطعتها، مدرجة أي خرق في هذا الخصوص في خانة «الخطأ غير المقصود».
الموقف نفسه كرره، أخيراً، مدير الإعلام النشيط في الجامعة، مارتن جون أوين آسر، في رسالة إلكترونية توضيحية، بعث بها إلى أهل الجامعة، ينفي فيها ما يسميه «انطباعاً» تكوّن لدى أحد الأفراد بأنّ «إدارة الجامعة هي الجهة التي أرسلت إليه عبر البريد الإلكتروني عرضاً لبرنامج تدريبي قدمته شركة تكنولوجيا إسرائيلية، يتضمن «زيارة لإسرائيل لمدة 3 أشهر»، باعتبار أنّ الرسالة مرسلة من طرف ثالث (بوابة عالمية للوظائف) وتنطوي على جملة من فرص العمل، من بينها فرصة تدريبية في إسرائيل. وأكّد آسر أن «لا صحة للمزاعم التي انتشرت إثر تداول الرسالة عبر مواقع التواصل الاجتماعي»، معلناً فتح تحقيق في الحادثة واتخاذ الإجراءات المناسبة. كما دعا أهل الجامعة إلى إبلاغ الإدارة مباشرة في حال التعرض لموقف مماثل.
هذا التوضيح لا يعفي، بحسب حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» واللقاء الوطنيّ ضدّ التطبيع في لبنان، الجامعة من مسؤولية الرقابة على الموقع الإلكتروني والقيام بالتدابير الاحترازية التي تمنع الوقوع في أي خطأ من هذا النوع، عبر مراجعة قسم المعلوماتية في الجامعة، لجهة وضع «فلتر» أو ما شابه.
الحادثة دفعت عدداً من الطلاب الناشطين في أندية الجامعة إلى التأكيد أنهم سيضغطون لتشكيل مجموعات طلابية ستبدأ بتوثيق حوادث التطبيع مع العدو، سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة. وأكد هؤلاء أن العيون يجب أن تكون ساهرة على هذه الحوادث التي غدت يومية و«غير متفرقة»، وما يخرج منها إلى العلن أقل بكثير مما يبقى مستتراً، ولا سيما في القاعات الدراسية وداخل حرم الجامعة وخارجه.
ويوضح الناشطون أنّ الاعتراض بدأ باستفسار أحد الطلاب الذي نشر الرسالة عن مدى قانونية الترويج لمثل هذه «الفرصة التدريبية»، وتفاعل الأمر على مواقع التواصل، ما أثار امتعاض كثيرين وقّعوا عريضة احتجاجية سيرفعونها إلى إدارة الجامعة. ورغم أن هؤلاء تأكدوا، كما قالوا، من أنّ مركز التوظيف في الجامعة ليس هو من أرسل الإعلان، بل إن الجامعة تتعاون مع بوابة عالمية للوظائف هي higher global career services تشترك فيها 488 جامعة من 80 دولة، ولدى «الأميركية» اسم نطاق أو domaine داخل هذا الموقع هو AUB higher talent.org، وبالتالي، فإنّ فرصة العمل لم توضع مباشرةً على الموقع الإلكتروني من الجامعة الأميركية، بل ظهرت على الموقع عن طريق المؤسسة الأوروبية لتطوير الإدارة EMFD. إلا أن هؤلاء يشددون على أن ذلك لا يعفي الجامعة من مسؤولية الرقابة.
يذكر أنّ مركز التوظيف في الجامعة أغلق بوابة البيانات الخاصة بالمؤسسة الأوروبية.
اللافت أن هذه الحادثة ليست فريدة من نوعها، بل تندرج في إطار مسار طويل من المواجهة بين إدارة الجامعة ودعاة مقاطعة إسرائيل، فالناشطون لم يتمكنوا من توقيف اتفاق طويل المدى مع شركة «تاهو» لافتتاح مقهى «نستله تول هاوس» في الجهة الغربية من الحرم الجامعي، بما ينطوي عليه من ترويج لشركة «نستله» المتهمة بدعم الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما يقتصر تحركهم على تنفيذ اعتصامات أمام المقهى بين الفينة والأخرى.
ومنذ أشهر، ألغت الجامعة ندوة كان مقرراً أن تنظّمها قناة «بي بي سي» البريطانية حول «تأثيرات الصراع الإيراني ــــ السعودي»، بعدما جوبه رفضها لمشاركة الأستاذ في جامعة طهران الدكتور محمد مرندي في الندوة باحتجاجات. وقد عزت قرارها يومها إلى تلقّيها «نصيحة قانونية» ترى أن «من غير الممكن إجراء الندوة وفق برنامجها المعلن التزاماً بالقوانين الأميركية».
وقبل ذلك، لم تمنع الإدارة الأستاذة في الجامعة، هيلين صادر، من المشاركة في ورشة عمل في ميونيخ الألمانية بعنوان «الفينيقيون في فينيقيا: اتجاهاتٌ حديثة واكتشافاتٌ جديدة»، ضمّت أساتذة جامعيين من الجامعة العبرية وجامعة حيفا.
وفي عام 2016، لم يتردد قسم اللغة العربيّة ولغات الشرق الأدنى في الجامعة في استضافة وليد صالح، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة تورونتو، وهو مطبّع ومعروف بصداقاته مع الأكاديميين الإسرائيليين ومشارك في أعمال مشتركة معهم.
ويروي الطلاب أنهم لا يتوقفون عن مصادفة مواد «تطبيعية» في حرم الجامعة؛ منها مثلاً الفيديو الذي نشرته جريدة «هآرتس» الإسرائيلية ويروّج للهولوكست، وكتيب يعترف بالكيان الإسرائيلي وضع في مكتبة الجامعة، وما لبث أن سحب بعد الاعتراض عليه، أو خرائط حلّت فيها إسرائيل مكان فلسطين المحتلة وتعالج بمبادرات فردية للأساتذة.