ايلي الفرزلي – الأخبار
الإنجاز تحقق في اللجان النيابية المشتركة، والمعاملات الإلكترونية صار لها قانون ينظمها ويحمي المتعاملين فيها. لكن بقيت مادة وحيدة حتى يكتمل الإنجاز، هي المادة المتعلقة بإدارة أسماء النطاقات المحلية (lb.). الخلاف بشأنها تقني وليس سياسياً
صار جلياً أن قانون المعاملات الإلكترونية سيبصر النور فور انعقاد الهيئة العامة لمجلس النواب الجديد. مرّ عليه 6 سنوات منذ أقرّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2012، وأكثر من 12 عاماً منذ بدء الإعداد له، لكن منذ أسبوعين فقط حلّ المشروع ضيفاً على اجتماع اللجان النيابية المشتركة، التي صدّقته، باستثناء المادة 79 المتوقع إقرارُها في الجلسة المقبلة (في 30 الجاري).
خلال مسيرته الطويلة، قضى المشروع ثلاث سنوات في لجنة فرعية منبثقة عن اللجان النيابية المشتركة. عقدت هذه اللجنة 64 جلسة في الفترة الممتدة بين 5/2/2015 و14/3/2018، شارك فيها كل أصحاب الاختصاص والمصلحة. وبحسب ما ورد في التقرير الصادر عن اللجنة التي ترأسها النائب السابق سامر سعادة، فقد «جهدت اللجنة للوصول إلى قانون عصري يتلاءم مع التطور السريع للوسائل الإلكترونية، كما حاولت إقامة توازن بين عمل الضابطة العدلية وحفظ حقوق الأفراد لجهة حماية البيانات الشخصية وحق الدفاع أمام المحاكم المختصة».
بالنتيجة، فإن إقرار القانون سيكون بمثابة النقلة التي تضع لبنان على خارطة الدول التي تقونن تشريعاتها التعاملات الإلكترونية، من التوقيع الإلكتروني إلى التعاقد عبر الإنترنت إلى التجارة الإلكترونية، في إطار يحفظ حقوق المتعاملين، كما يحفظ معلوماتهم الشخصية.
أما في ما يتعلق بالمادة 79 الخاصة بإدارة أسماء نطاق الإنترنت («lb.» و«.لبنان»)، فقد اقترحت اللجنة نقل الصلاحية من وزارة الاقتصاد إلى وزارة الاتصالات، وتحول النص من «وزير الاقتصاد يعيّن جمعية أو مؤسسة خاصة أو شركة لتتولى منح إدارة أسماء المواقع المتعلقة بالنطاقات اللبنانية (Domain names)» (بحسب مشروع القانون المرسل من الحكومة) إلى «يمكن لوزارة الاتصالات أن تتولى مباشرة عبر إدارتها منح وإدارة أسماء النطاق، كما لها أن تولي الهيئة المنظّمة للاتصالات هذه الصلاحية، ولها أيضاً أن تعيّن جمعية أو مؤسسة خاصة أو شركة للقيام بمنح وإدارة أسماء المواقع وفق ما تقدم…». برغم التعديل الأخير، إلا أن اللجنة الفرعية أشارت في تقريرها إلى ترك بتّ مسألة الصلاحية إلى اللجان المشتركة، التي لم تتفق بدورها خلال الجلستين اللتين عقدتهما على ذلك.
فقد اختلف النواب على صلاحية «المركز اللبناني للإنترنت» (LINC) الذي يفترض أن يدير النطاق المخصص للبنان، فتأخر بتّ المادة، وإن يجزم نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي، الذي يترأس اللجان، أن الجلسة المقبلة ستشهد إقرارها أو على أسوأ تقدير سيترك بتّها إلى الهيئة العامة. بالنسبة إلى الفرزلي، فإن المهم هو أن القانون الذي يتألف من 136 بنداً صار بحكم المُقرّ، ويحتاج إلى انعقاد الهيئة العامة حتى يتحوّل إلى أمر واقع طار انتظاره.
عقبة المادة 79
أما بشأن المادة 79، فقد تبين أن معظم النواب لم يكونوا على دراية بطبيعتها ولا بمسألة إدارة أسماء النطاق، إلا أنه نتيجة النقاشات المستفيضة، رست الآراء على خيارين اثنين: الأول، يدعو إلى تسمية جمعية «LINC» التي ستدير أسماء النطاقات الوطنية بالاسم، انطلاقاً من أنه لا بديل منها كونها اعتمدت من قبل «هيئة الانترنت للأسماء والأرقام المخصصة» (ICANN) المسؤولة عن نطاقات الانترنت في العالم، والثاني، يعتبر أن القانون هو إطار عام، وبالتالي لا يجوز أن تسمى الجمعية أو الجهة، بل يجب الاكتفاء بتحديد الإطار العام لعملها وآلية إنشائها والأعضاء الحكميين فيها، انطلاقاً من أن أي تسمية يمكن أن تؤدي إلى تعثر المشروع في حال تعطل عمل الجمعية لأي سبب كان، أو في حال ألغي الاعتماد من المنظمة الدولية أو لأي سبب آخر. ولأنه لم يتم حسم الوجهة القانونية، تم تشكيل لجنة مؤلفة من وزيرة التنمية الإدارية عناية عز الدين ورئيس لجنة تكنولوجيا المعلومات النيابية نديم الجميل لمتابعة الأمر مع أصحاب الاختصاص والعودة إلى اللجان بنص جديد يراعي ما أمكن من ملاحظات النواب من الحفاظ على شروط الاعتماد الدولي.
لكن قبل حصر النقاش بالاقتراحين، ثم تشكيل اللجنة، خرجت آراء تحذّر من خطورة المعلومات التي يمكن أن تستقيها الجمعية بنتيجة عملها، المتصل بطبيعة الحال بالهيئة العالمية للنطاقات الموجودة في أميركا أو تدعو إلى أن تتولى جهة رسمية إدارة المرفق، أسوة بعدد من الدول. ومن الآراء التي قدمت أيضاً، تلك التي تطالب بتحديد آلية تعيين أعضاء الجمعية، وتحديد من يُشرف على أعمالها ومن يدقّق في ماليتها، كما طُرح ضمّ الأمن العام ووزارة التنمية الإدارية إلى مجلس إدارتها، والأهم ضرورة التأكيد أن اعتمادها لا يشكّل احتكاراً لخدمة عامة. كذلك طالب البعض بأن يصار إلى تأليف جمعية ثانية، انطلاقاً من ضرورة أن يكون إقرار القانون سابقاً على تأليف الجمعية، حتى لو كانت الجمعية التي ستنشأ عبارة عن نسخة عن «لينك».
وإزاء هواجس النواب، أوضح المدير الحالي للنطاقات اللبنانية نبيل بوخالد لـ«الأخبار» أن الجمعية هي بمثابة الدليل والمنظّم للأسماء، ولا علاقة لها بأنظمة الحماية وأمن المعلومات، التي تؤمنها شركات الانترنت حصراً. أما بشأن ارتباط الجمعية بالجمعية الأم في أميركا، فيؤكد أن ذلك أمر لا مفر منه ولا بديل منه في العالم، مع الإشارة إلى أن ( ICANN ) لا علاقة لها حالياً بالسلطات الأميركية، إذ إنه في تاريخ 30 أيلول 2016، انتهى العقد الذي يربط «هيئة الانترنت للأرقام والأسماء المخصصة» (ICANN) بــــ«وكالة الاتصالات والمعلومات الوطنية» (NTIA) التابعة لوزارة الاقتصاد الأميركية. ولتقدير أهمية هذه الخطوة بالنسبة إلى مجتمع الانترنت العالمي الساعي إلى حوكمة القطاع، يكفي الإشارة إلى أن هذا التاريخ صار ينظر له بوصفه بداية عهد جديد يقضي بأن تقوم المنظمات المكلفة بإدارة موارد الانترنت بعملها من دون رقابة أي جهة حكومية.
عملياً، وبعد الاجتماع الذي عُقد الإثنين الماضي في مكتب الوزيرة عناية عز الدين وشارك فيه نديم الجميّل والنائب ياسين جابر مع رئيس مجتمع الانترنت نبيل بوخالد، وبحضور عدد من المحامين، توضحت أهمية المضي قدماً باعتماد نموذج الجمعية التي تضم كل أصحاب المصلحة والمعنيين بعالم الانترنت من قطاع خاص وعام. فبحسب نظامها الداخلي، يتألف مجلس إدارة الجمعية من: الهيئة المنظمة للاتصالات، وزارة الاتصالات، وزارة الاقتصاد، الجامعات، جمعيات المجتمع المدني (عضوان)، تجمّع الشركات التي لا تتعاطى المعلوماتية، غرف التجارة، النقابات وتجمّع شركات المعلوماتية (عضوان). وقد عكف المحامون المعنيون على إعداد صياغة أخيرة للمادة، على أن تقدم في الاجتماع المقبل للجان، علماً بأن جلسة اللجان المشتركة كانت قد شهدت نقاشاً يتعلق بعدد الجهات الحكومية التي يفترض أن تنضم إلى مجلس إدارة الجمعية، فاقترح البعض المساواة بين الطرفين، قبل أن تميل الكفة إلى إبقاء الأغلبية للجهات غير الحكومية.
جمعية لإدارة النطاقات
تجدر الإشارة إلى أن المركز اللبناني للانترنت ينتظر منذ عام 2013 إصدار العلم والخبر من وزارة الداخلية، بما يتيح له مباشرة أعماله، أي إن الجمعية لم تكن بحاجة إلى قانون حتى تباشر عملها، إذ يكفي أن تحصل على الاعتماد من ICANN حتى يحق لها إدارة اسم النطاق المتعلق بلبنان. لكن هذا لا يعني أن القانون ليس ضرورياً، فإقراره، وخاصة في الشق المتعلق باعتماد التحكيم، يسمح بتحرير القطاع من القوانين التقليدية التي لا تتناسب مع تطوره، كما تسمح بأن يكون للبنان جهة معتمدة رسمياً لوضع التشريعات والقواعد التي ترعى شؤون القطاع والعاملين فيه، مع إمكانية تعاقدها مع شركات تتولى مسألة بيع النطاقات عوضاً عنها مقابل نسبة مئوية، على أن يبقى سجل النطاقات في يدها، من دون أن يكون لها أي حقوق على أسماء المواقع التي تمنحها أو تديرها، بما يوسّع هامش العمل ويحرر الساعين إلى امتلاك نطاقات من أن يكونوا حاملين لسجل تجاري كما يحصل حالياً. كما يحفظ، في الوقت نفسه، «حقوق الغير، خاصة عناصر الشخصية، كالاسم وحقوق الملكية الصناعية، ولا سيما تلك المتعلقة بالعلامات التجارية» (المادة 81 من القانون).
النطاق بـ5 دولارات
النقاش بشأن من يدير النطاقات المحلية كان قد طرح منذ ما يزيد على عشرين عاماً، على خلفية نزاع نشأ في عام 1997 بشأن الحق في أحد الأسماء. حينها برزت الحاجة إلى اعتماد آلية تحكيم لبت النزاعات المتعلقة بأسماء النطاقات. لكن في ظل عدم وجود قانون يحكم هذه النزاعات، عمد بوخالد، المسؤول عن نطاق «lb.» منذ عام 1993 (خصّصت «هيئة الأرقام المخصصة للانترنت» IANA، التابعة لـــICANN، اسم النطاق «lb.» لنبيل بوخالد من الجامعة الأميركية في بيروت في 25 آب 1993)، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد، إلى إيجاد حلول تؤمن حماية مسجّل النطاق إلى حين إصدار قانون تنظيمي، فتم التوصل إلى تدبير ينص على أنه يجب على مقدم طلب النطاق تسجيله كعلامة تجارية، الأمر الذي حوّل النظام من خدمة مجانية متاحة لأي كان إلى خدمة تكلف 200 دولار تقريباً (ثمن تسجيل العلامة التجارية)، فكان أن توجّهت معظم المواقع اللبنانية إلى اعتماد النطاقات الدولية (com. أو org. وغيرها الكثير).
ولأن الاعتماد كان مرتبطاً باسم بوخالد شخصياً، فقد بقي مديراً للنطاق المخصص لرمز البلد حتى عندما ترك الجامعة الأميركية، فيما بقيت الجامعة مستضيفة لقاعدة بيانات النطاقات، إلا أن ذلك أكد الحاجة إلى حلول أكثر استدامة. وبناءً عليه، فضّل بوخالد ترك نطاق «lb.» إلى حين إيجاد آلية قانونية تنظم القطاع، والاعتماد على نطاق «com.lb.».
وفيما يضم السجل الحالي لأسماء النطاق في لبنان نحو خمسة آلاف إسم، يُتوقع أن يتضاعف العدد عند إقرار القانون، بحيث تكون عملية التسجيل أقل تعقيداً وتكلفة. ففي ظل عدم الحاجة إلى سجل تجاري أو إسم تجاري يمكن لأي كان الحصول على إسم نطاق مقابل نحو خمسة دولارات، وفي أقصى الحالات عشر دولارات، كما يؤكد بو خالد، متوقعاً أن تكون حصة الجمعية منها بين 3 و3.5 دولارات، هي كل ما ستحصّله. كما يوضح الفارق بين وظيفة الجهة المعنية بتنظيم سجل النطاقات وإدارته (التي يعنى القانون بها) وبين الجهة مقدّمة خدمات التسجيل، والتي يمكن أن تبيع خدمات مرافقة كالبريد الالكتروني أو إنشاء المواقع أو استضافتها (Hosting)… لقاء بدلات يفترض أن تكون تنافسية.
ولأنه يتوقع أن تعتمد الجمعية، بشكل أساسي، على التبرعات، يوضح النائب نديم الجميّل لـ«الأخبار» أن ذلك يحتّم إصدار مرسوم يعطيها صفة الجمعية ذات المنفعة العامة، ما يعفي التبرعات التي تحصل عليها من الضرائب، ويسمح في الوقت نفسه بأن تكون خاضعة لديوان المحاسبة.
علم وخبر معلّق
في شباط 2013، قام رئيس مجلس إدارة هيئة الانترنت للأسماء والأرقام المخصصة (ICANN) فادي شحادة بزيارة استطلاعية للبنان، التقى خلالها وزيري الاتصالات نقولا صحناوي والاقتصاد نقولا نحاس. وقد أكد حينها أن «حوكمة تشرك كل أصحاب المصلحة هي خيار استراتيجي ومفضل في حوكمة الانترنت». وبالفعل، بعد 15 شهراً من تلك الزيارة، تم التوافق على النظام الأساسي والنظام الداخلي لجمعية لا تتوخى الربح لها طابع عام/خاص ستحكم إدارة ملكية النظام المخصص لرمز البلد، هي «المركز اللبناني للانترنت» (LINC). وأطلقت الجمعية رسمياً في مؤتمر صحافي عقده الوزير ألان حكيم في الوزارة في 3 حزيران 2014. وعملياً، لو حصلت الجمعية على العلم والخبر، لكانت اليوم هي التي تدير سجل النطاقات الوطنية، لكن بعد تسجيلها في 2 حزيران 2014، كانت النتيجة أن وزارة الداخلية لم تعط المركز شهادة جمعية، ما حال دون إمكانية عمله وفتح حسابات مصرفية، علماً بأن «الداخلية» كانت في حينه قد أشارت إلى أنها أحالت النظام الداخلي للجمعية إلى وزارة الاتصالات لتبدي ملاحظاتها عليه، ولم ترد الأخيرة، بالرغم من أنها كانت راعية للعمل الذي أدى إلى نشوء الجمعية. لكن بالنتيجة، فقد جمّد عمل linc وبقي بوخالد، بصفته الشخصية، مديراً للسجل الوطني للنطاقات، يساعده عدد من المتطوعين. وهو سيبقى في موقعه، في حال عدم الاتفاق، في مجلس النواب، على آلية لإدارة النطاقات الوطنية.