عماد مرمل – الجمهورية
على رغم أنّ مساحة الشأن الداخلي لم تكن واسعة في الخطاب الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ألّا انّ الحيّز الذي خصصه لهذا الشأن كان «مكثفاً» بالمعنى السياسي، وانطوى على رسائل هامّة، خصوصاً الى الرئيس المكلّف سعد الحريري.. فما هو مضمونها وماذا قصد «السيد» منها؟
لعلّ الجانب الابرز في الكلام الداخلي لنصرالله تمثّل في تلويحه بأنّ الحزب سيتخلى عن «تواضعه» في مقاربة الملف الحكومي وسيرفع سقف مطالبه ربطا بالانتصارات التي يحققها محور المقاومة في الاقليم، إذا تأكد من ان هناك من يعوّل على رهانات وتطورات خارجية في حسابات التأليف.
ويقول العارفون بأبعاد موقف «السيد» ان الهدف منه ليس التهويل او التهديد، بل تنشيط «الخلايا السياسية» للحريري وتحفيزه على الإسراع في تشكيل الحكومة على قاعدة لبننة «الولادة» وفصل العوامل الخارجية عن هذه الطبخة الداخلية، مع الاشارة الى انّ حرص نصرالله على استخدام الـ«إذا» في معرض تطرّقه الى احتمال وجود رهانات عابرة للحدود لدى البعض، إنما يترك هامشاً أمام الرئيس المكلف للتحرك واستعادة المبادرة وفق معايير محلية الصنع، من دون تحويل «الشبهة» الى «تهمة» في الوقت الحاضر.
ويكشف المطلعون على كواليس النقاشات في «حزب الله» عن انّه في حال قرر بعض الافرقاء المحليين المضي بعيداً في تصلّبهم وشروطهم تناغماً مع ضغوط الخارج او رهاناً عليها، فان التعديل في سقف مطالب الحزب لن يتصل بعدد وزرائه، وانما بوظيفة الحكومة المقبلة وأجندتها السياسية، مشيرين الى أنّ نصرالله لن يفصح حالياً عما سيطلبه آنذاك، لكن الأكيد ان اموراً جوهرية ستتبدل في طرحه.
والمفارقة التي يتوقف عندها الحزب باستغراب هي ان من يخسر محوره الاقليمي هو الذي يصعّد خطابه ويشترط عدم استئناف العلاقات الطبيعية مع سوريا لتشكيل الحكومة، في حين انّ الفريق المنتمي الى المحور المنتصر هو الذي يبدي مرونة شديدة ويتجنب صرف «تفوّقه» الواضح والظاهر للعيان في البازار الحكومي.
وضمن هذا السياق، تلفت الاوساط المقربة من «الحزب» الى انّ نصرالله لم يشترط حتى الآن تفعيل العلاقة مع سوريا او ادراج هذا المطلب في البيان الوزراي، لتسهيل ولادة الحكومة الجديدة، على رغم ان بامكانه ان يفعل ذلك، من موقع الشريك في انتصارات الميدان السوري والحليف لدمشق، وكل ما طلبه الحزب مع حركة امل هو تمثيلهما بستة وزراء انسجاما مع التوزانات اللبنانية المرهفة، إضافة الى مراعاة بعض الحلفاء مثل « تيار المردة» والمجموعة السنية المستقلة عن «تيار المستقبل».
وبينما بادر الحريري أخيراً الى رفع نبرته، ملوحاً باستعداده لعدم تشكيل الحكومة إذا اصرّ البعض على التطبيع مع النظام السوري، وتعتبر الأوساط المقربة من «الحزب» انّ هذا الموقف يندرج في إطار افتعال ذريعة جديدة لتبرير الاخفاق المستمر في التأليف.
وتشدد الأوساط على انّ من مصلحة الحريري وحلفائه تشكيل الحكومة أمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد، لانّ ما يمكنهم تحصيله الآن قد يصبح متعذّراً في ما بعد، مشيرة الى ان التطورات المتلاحقة من الجنوب السوري الى الحديدة في اليمن تُبين بوضوح انّ موازين القوى لا تسمح بمزيد من الرهانات الخاطئة والعبثية.
وترافق تصعيد الحريري ضدّ الانفتاح على سوريا مع معلومات توافرت لدى شخصية لبنانية واسعة الاطلاع حول لجوء السعودية الى تحريك «أقنية خلفية» مع دمشق، بهدف استشراف إمكان استئناف التواصل الثنائي، وهو ما يفسّر ربما قول نصرالله في خطابه الأخير بأن هناك من قد يضطر مستقبلاً الى التراجع عن موقفه المتشدّد حيال العلاقة اللبنانية – السورية.
وفيما أظهرت إحدى الدراسات انّ قيمة صادرات لبنان الصناعية والزراعية عبر معبر نصيب تصل الى مبالغ ضخمة، قياساً على المعدلات التي سبقت اقفاله، يعتبر كل من الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري و«التيار الحر» و«حزب الله» انّ بند إحياء كلّ أشكال التواصل مع الدولة السورية يجب ان يكون أساسياً على جدول أعمال الحكومة المقبلة، لأن فيه مصلحة حيوية للبنان بالدرجة الاولى، سواء لجهة تصريف البضائع أو لجهة تأمين الارضية اللازمة لعودة النازحين.
ولعلّ الحريري الذي يعرف الوزن الثقيل لهذه الاطراف، يحاول ان يخوض من الآن معركة استباقية أو وقائية لتفادي تجرّع «كأس التطبيع» المرّة على طاولة الحكومة الجديدة، يؤازره في ذلك كل من «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية».
العقدة المسيحية
على خط آخر، يبدو أنّ الحريري لم يتمكن بعد من فكّ «العقدة المسيحية»، وإن كانت قد لانت قليلاً في الأيام الماضية، أقلّه من حيث الشكل، بعد لقاء الرئيس المكلف برئيس «التيار» الوزير جبران باسيل، وما تلاه من مشاورات في اتجاهات عدّة.
ويُظهر التدقيق في حقيقة ما دار بين الحريري وباسيل انّ بعض الأمور التي كان يُعتقد انها حُسمت، لا تزال عملياً عالقة او غامضة، ومنها مسألة موافقة باسيل على تخفيض حصة «التيار» ورئيس الجمهورية من 11 وزير الى 10، إذ يؤكد مصدر موثوق تسنّى له الاطلاع على مجريات اللقاء، انّ وزير الخارجية لم يبلّغ بعد الى الرئيس المكلف موافقة واضحة وصريحة على هذا التخفيض، خلافا لما اشاعه الحريري نفسه، موضحاً انّ «التيار» تجنب الرد المباشر على الحريري حتى لا يُتهم بأنّه يعرقل التأليف.
وتبعاً للمصدر، يصرّ باسيل على ان يتمثل «التيار» والرئيس وفق الحجم الذي يستحقانه، من دون ان يعني ذلك انّ الثلث المعطل هو الهدف، لأن الحاجة اليه انتفت اصلاً مع وجود عون في الرئاسة، «ولكن في حال أفضى معيار الإنصاف الى وجود كتلة وزارية تعادل تلقائياً الثلث زائداً واحد او اثنين فهذا لا يجب ان يُسبب مشكلة للآخرين، تماما كما انّ المعيار الموضوعي لا يجب ان يشكّل مشكلة لعون وباسيل لو انّه أنتج كتلة وزارية تعادل الثلث ناقصاً واحداً او اثنين».
ويؤكد المصدر المواكب عن قرب للمفاوضات الحكومية ان هناك صعوبات أساسية تمنع حصول «القوات اللبنانية» على حقيبة سيادية، لافتاً الى انّ ضباطاً في الجيش حذّروا على سبيل المثال من انّ ردّ فعلهم سيكون سلبياً في حال جرى منح وزارة الدفاع الى «القوات».
ويشير المصدر الى انّ الثنائي الشيعي، وخلافاً للمعلن، يرفض ضمناً اعطاء «القوات» حقيبة «الخارجية» او «الدفاع» نظراً الى حساسيتهما الفائقة، والحريري يعلم جيداً هذا الامر، كما ان الرئيس المكلف ليس في وارد منحها «الداخلية»، وبرّي بدوره لا يمكن ان يتنازل لها عن «المالية».
ويلفت المصدر المطلع على كواليس التفاوض الى انّ باسيل يشعر بأنّ «الاشتراكي» و»القوات» يعرقلان تشكيل الحكومة بناء على إشارات خارجية يجري تمويهها بذرائع محلية مفتعلة، كاشفاً عن انّ باسيل أكّد للحريري منذ بدايات تكليفه انّه مقتنع بأنّ حصة «القوات» الموضوعية هي 3 وزراء ولكنه لا يمانع في رفعها الى 4 او 5 شرط ألا تُعطى هذه الهدية من حساب «التيار» الذي يقارب معادلة التوزير من زاوية انّ الحقائب الوزارية هي ملك للشعب ربطا بنتائج الانتخابات النيابية، وبالتالي ينبغي توزيعها على اساس هذه النتائج حصراً.