زار الزعيم الدرزي وليد جنبلاط قصر بعبدا بناء على دعوة تلقاها من الرئيس ميشال عون عبر اتصال هاتفي.
هذه الزيارة التي تأتي بعد انقطاع (آخر زيارة في تشرين الثاني الماضي بعد انتهاء أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري)، لم تدم أكثر من عشرين دقيقة خرج بعدها جنبلاط وبوجه لا تبدو عليه علامات الارتياح ليعلن:
٭ التمسك بالحصة الدرزية كاملة لجهة تسمية الوزراء الدروز الثلاثة، استنادا الى “التصويت الشعبي والسياسي في الانتخابات الذي أعطاه هذا الحق”.
٭ عدم التراجع عن تغريدته التي وصف فيها العهد بالفاشل، وإن تراجع جزئيا في حصر الفشل بقسم من العهد.
٭ الطلب من أنصاره “تخفيف” حدة اللهجة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يعلن جنبلاط “وقف” الحملات الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي التي يسودها “بعض الهيجان”. وهذا التخفيف في حدة التخاطب يتماشى مع سياسة “ربط النزاع”..
إذا كان “لقاء القصر” بين جنبلاط وعون يهدف الى التهدئة والتخفيف من حدة التشنج السياسي كإجراء لابد منه لتحسين مناخ التأليف، وإذا كان يهدف الى حفظ الوضع في الجبل وتأكيد وحدته واستقراره وفصله عن الأزمة الحكومية، فإن هذا اللقاء يكون قد حقق نجاحا على هذا المستوى.، أما إذا كان اللقاء يهدف الى اختراق أزمة التأليف، وتحديدا على صعيد حل العقدة الدرزية، فإنه فشل في تحقيق اختراق أو انفراج، ولم يعرف بعد ما إذا كان جرى بحث الملف الحكومي في هذا اللقاء القصير من دون التوصل الى اتفاق، أم انه ورد عرضا في سياق الحديث، ولم يتم التطرق الى مسألة التمثيل الدرزي، فلا الرئيس فتح الموضوع ولا جنبلاط بادر إليه.
نجح “لقاء بعبدا” في احتواء التوتر السياسي والحد من انعكاساته على أرض الجبل، لكنه لم ينجح في تضييق الفجوة الحكومية وردم الهوة التي تفصل بين موقفي الزعيم الدرزي ورئيس الجهورية. وعلى الأرجح لم يكن هذا من أهداف اللقاء، ولم يكن متوقعا له أن يحل “العقدة الدرزية” التي تتفوق على العقدة المسيحية دقة وصعوبة…
الرئيس ميشال عون متمسك بدخول الوزير طلال إرسلان الى الحكومة، ليس فقط استنادا الى وعد قطعه له ومكافأة له على موقفه الثابت والحازم في الوقوف الى جانبه قبل الانتخابات الرئاسية وبعدها، وإنما استنادا الى نتائج الانتخابات التي أعطت في الجبل لائحة جنبلاط ثلثي المقاعد وأعطت لائحة إرسلان الثلث، والتي أعطت على المستوى الدرزي في كل لبنان 6 نواب دروز لجنبلاط (من 8) وبقي نائبان درزيان خارج العباءة الجنبلاطية (ارسلان وأنور الخليل). ومعنى هذه النتائج أن جنبلاط لا يمكنه أن يحتكر تمثيل الجبل (الشوف عاليه)، ولا تمثيل الطائفة الدرزية.
ولم يحصل في لبنان أن استأثر فريق واحد بطائفة وحاز على “الفيتو الميثاقي”، وحيث تقوم في كل الطوائف ثنائيات ومراكز قوى وتعددية سياسية…. أما جنبلاط فإنه متمسك بموقفه الحكومي وحساباته الانتخابية التي تفيد بأن التصويت الشعبي أعطاه أكثرية ساحقة وأحقية التفرد في تمثيل الطائفة الدرزية.
وإضافة الى حصوله على ستة نواب، فإن النائب أنور الخليل نجح بأصوات الاشتراكيين في حاصبيا وهو بمثابة “وديعة نيابية” عند بري، والنائب طلال ارسلان نجح في عاليه بحكم المقعد الدرزي الثاني الذي أبقاه جنبلاط شاغرا على لائحته.
الحسابات الانتخابية مهمة لكن الحسابات السياسية هي الأهم عند جنبلاط، وهي التي تدفعه إلى التمسك بموقفه ومواصلة معركته في الحكومة الجديدة…
وفي هذه الحسابات العناصر التالية:
٭ الاطمئنان الى الموقف الشيعي الذي يتراوح بين دعم الرئيس بري وتفهم حزب الله.
٭ الاستقواء بموقف الرئيس سعد الحريري الذي تبنى مطلب جنبلاط ووجهة نظره.
٭ الاستفادة من مواقف داعمة بشكل غير مباشر تأتيه من خارج الطائفة مثل موقف القوات اللبنانية التي تخوض معركة شبيهة بتلك التي يخوضها جنبلاط.
ومن داخل الطائفة، وتحديدا موقف الوزير السابق وئام وهاب الذي وضعته الانتخابات في المرتبة الثانية درزيا، ما أضعف ورقة ارسلان التفاوضية حول المركز الدرزي الثالث في الحكومة.
٭ الحاجة الى الاستمرار في هذه المعركة حتى لو تطلب الأمر تصعيدا سياسيا ضد العهد، وذلك لهدف: شد العصب الدرزي في هذه المرحلة الانتقالية التي تشهد انتقال الزعامة الى تيمور جنبلاط المنكفئ وغير الجاهز بعد لمثل هذا النوع من المعارك السياسية.