لا يهمّ عدد المقبولين للتجنيد في مديرية أمن الدولة، المتحدرين من البقاع، طالما أن حصة المنطقة من دورة التطويع الأخيرة، هي أقل بكثير من المناطق الأخرى، فالجدل القائم لتأكيد المعلومة أو نفيها، لا يلغي الحرمان.
ولعلها المرة الأولى التي تشهد رفعًا للصوت، بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، مُطالِبة برفع الحرمان عن البقاع، والمرة الأولى التي تشهد في العلن تعبيرًا عن الضيق بين شيعة الجنوب والبقاع.
وحتى لو لم يقلها أهل البقاع في التغريدات التي تصدرت “تويتر” في لبنان، منذ مساء الثلثاء حتى اليوم الأربعاء، فإن الشعور بالتمييز بين شيعة الجنوب والبقاع يتنامى منذ أكثر من خمس سنوات. في السر يُقال ما هو أبلغ من الحديث عن حرمان المنطقة، وغياب الدولة عنها، وتنميطها بوصفها منطقة تضم الخارجين عن القانون أو تجار المخدرات أو عصابات سرقة السيارات.
فالاحتقان يطاول الحزبين النافذين في الطائفة الشيعية على خلفية مناطقية، يتردد من أوساط البقاعيين أن الحرمان في الأساس ينطلق من رأس الهرم: رئاسة مجلس النواب، وهي أعلى موقع رسمي شيعي في الدولة اللبنانية، يشغلها رئيس يتحدر من الجنوب. كذلك رئاسة ديوان المحاسبة، ثاني أعلى موقع شيعي، يشغله أيضًا قاضٍ من الجنوب. وتطول اللائحة: مدير عام الأمن العام، ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، والمفتي الجعفري الممتاز، فضلًا عن وجود أربعة وزراء في الحكومة الحالية من الجنوب مقابل وزيرين من البقاع.
وحزبيًا، تطول اللائحة أيضًا. الأمين العام لـ”حزب الله” ونائبه من الجنوب، ورئيس “حركة أمل” أيضًا، رغم أن نائبه من البقاع.
الصراع إذًا، ينطلق من هذه الخلفية. ويقول البقاعيون ان الحرمان في المواقع الأولى، في دولة المحاصصة الطائفية، سيؤدي الى هذه النتيجة. وتزايد الاحتقان على خلفية المعارك الأخيرة في السلسلة الشرقية، بوجه التنظيمات المتشددة. فإذا كان منحُ الجنوبيين القسم الأكبر من المواقع الرسمية، قد جاء تعويضًا للتضحيات التي قدموها إبان الوجود الاسرائيلي، بحسب ما يرى البقاعيون، فإن المنطقة الواقعة في شرق لبنان قدمت تضحيات كثيرة خلال السنوات الست الماضية، وكانت عرضة لصواريخ المجموعات التكفيرية والسيارات المفخخة، وقدمت الكثير من الشهداء، فتستحق أن تُكافأ أيضًا برفع الحرمان عنها.
وللمرة الأولى، يتفجر الاحتقان بين شيعة الجنوب وشيعة البقاع، في شكل سجال في المواقع الإلكترونية. قبله، لم يكن هناك أي صراع مكشوف بين الطرفين، رغم أن الحديث عن الحرمان انفجر في وجه قطبيّ الطائفة الشيعية في الانتخابات النيابية الأخيرة، وبقي محدودًا، ولم يظهر أي تأثير يُذكر في نتائج الإنتخابات. وتوسع النقاش مرة أخرى، على خلفية الاشتباكات العشائرية، وما تلاها من إعلان قيادة الجيش اللبناني عن تفعيل الاجراءات الأمنية في المنطقة، وانضم اليه النائب عن “القوات اللبنانية” طوني حبشي يوم الأحد الماضي، مطالبًا بإعادة الدولة إلى منطقة بعلبك – الهرمل.
ورغم أن المداولات الإلكترونية التي ظهرت تحت وسم #من_حق_البقاع ، أبرزت الجانب الشيعي من الصراع الخفيّ، إلا أنها معركة يخوضها البقاعيون في وجه الدولة ككل، ولا تقتصر على الثنائية الشيعية، وتطالب بعودة الدولة الى المنطقة.
ويختصر مغرد، الردودَ على تنميط البقاع، بالقول: “بس تتساوى #بعلبك_الهرمل مع المحافظات بالحقوق …اكيد رح تتساوى معهم بسجناء رومية”.
واشتعل التغريد بالدعوة لإحضار الدولة الى البقاع، حين أظهرت نتائج الفائزين في امتحانات التطوع في “أمن الدولة” أن المتحدرين من الجنوب، يتخطون بأعدادهم، أعداد المتحدرين من البقاع. وتضاربت المعلومات بين قائل بأن المقبولين من البقاع هم 7، أو 9، أو 20 مقابل 70 من مناطق أخرى معظمهم من الجنوب.
لكن الأزمة في النقاش، تتمثل في أن توسع ظاهرة التوظيف وفق المحاصصة الطائفية الى المحاصصة المناطقية، ينهي فرص المساواة بالتوظيف على أساس الكفاءة، ويكاد يفضي الى حقيقة أخرى، وهي أن الدعوات للمساواة بين المواطنين لا تلقى أصداء في الدولة اللبنانية، ولا تزال المحسوبيات الطائفية والمناطقية تحكم فرص العمل في الإدارات الرسمية. وينذر النقاش بخطورة انتقال السجال من الطائفي والمناطقي، الى العشائري والعائلي، وصولًا إلى تكريس نظرية “اللّهم نفسي”.