غادة حلاوي – الأخبار
سنوات مضت على محاولات إقرار قانون جديد للإعلام بلا نتيجة. اقتراح القانون الذي أمضى 9 سنوات في لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، يخشى عليه من 9 سنوات إضافية في لجنة الإدارة والعدل، فيما تتسارع التطورات بنحو مذهل في هذا القطاع، وفي الوقت نفسه، يزداد الخوف على الواقع الإعلامي، في ظل ظاهرة إقفال عدد من الصحف والمجلات اللبنانية والعربية
إذا أردت أن تقف على واقع الإعلام في لبنان، فما عليك إلا العودة بالتاريخ 65 سنة إلى الوراء لإلقاء نظرة على المرسوم الاشتراعي رقم 75 الصادر عام 1953 الذي لا يزال معمولاً به حتى اليوم، وهو يمنع الترخيص لأي مطبوعة سياسية جديدة. وإليه ينضم قانون للمطبوعات يعود إلى عام 1962، وقانون الإعلام المرئي والمسموع إلى عام 1994، ونقابتان هرمتان للمحررين والصحافة. وإذا أردت أن تحصي نتائج هذا الواقع بالأرقام، فسيتبيّن لك أنّ من أصل 113 صحيفة سياسية تحظى برخصة، بقي قيد الصدور منها 12 مطبوعة يومية، فيما اكتفى 350 موقعاً إلكترونياً بإعطاء علم وخبر للمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، وكلّها تعمل من دون أي نص قانوني يجيز الترخيص لها. يضاف إلى ذلك وضع تلفزيون لبنان، الذي عاصر على مدى 20 عاماً 3 رؤساء جمهورية، 11 حكومة، 7 رؤساء حكومات و9 زراء إعلام من دون أن يحظى بشـرف تعيين مجلس إدارة جديد للتلفزيون.
هذا الواقع، الذي لا ينفصل عن التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع الإعلامي في العالم نتيجة التطورات التقنية المتسارعة، تتعامل معه الدولة بارتجال وفي غياب استراتيجية إعلامية هدفها حماية القطاع والعاملين فيه، لا بل تحويله إلى قطاع منتج وحيوي وقادر على الاستقطاب عربياً وعالمياً.
في مقابلة مع «الأخبار»، يعترف رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النيابية حسن فضل الله، بأن «لبنان الذي يتمتع بحرية واسعة، يعاني من الفوضى. تحكمه قوانين قديمة بالية أكل عليها الدهر وشرب، لا تتطابق مع الواقع ولا تواكب التطور الهائل الذي شهده قطاع الإعلام والاتصالات».
القانون الجديد والمماطلة
في عام 2009 خاضت لجنة الإعلام والاتصالات المحاولة من أجل تطوير قانون جديد «يشكل رافعة للإعلام». كان أمامها اقتراحا قانونين «أخذنا منهما الأفضل ولم نترك جهة إعلامية ونقابية إلا وأشركناها في المناقشات حتى توصلنا إلى صيغة اقتراح قانون للإعلام المكتوب والمرئي والمسموع والإلكتروني».
ليس من الطبيعي أن تستغرق مناقشة قانون كل تلك المدة، لكن عمل النواب «لا يتناسب مع مهمتهم ومع دور مطبخ التشريع»، ويضيف فضل الله: «يتزاحم النواب للدخول إلى اللجان النيابية ثم يتخلف كثيرون منهم عن حضور الجلسات فيتعطل النصاب، اللهم إلا حين تخصص الجلسة لمناقشة داتا الاتصالات أو التنصت. هم يحضرون لحماية الأجهزة التي تتنصت وليس حماية للناس». ثم هناك السقف السياسي والطائفي الذي يجري النقاش في ظلّه، بما يعني، وباعتراف فضل الله، أننا لن نكون بعد كل تلك المدة أمام قانون مثالي «لنكن واقعيين، هناك استحالة لأن يحتوي القانون كل التطور التقني الحاصل»!
تفاصيل القانون
ينطلق القانون الجديد من مسلَّمة أن المحافظة على الحريات تحصيل حاصل. ألغى التراخيص المسبقة للصحف، واستبدل بها صيغةً وسطاً بين الترخيص والعلم والخبر، ألغى التوقيف الاحتياطي، وخُفِّفَت الأعباء عن المؤسسات الفضائية «لكونها تعاني كالصحافة الورقية من الأعباء المالية»، فأُعفيت من مليارات الليرات المتراكمة عليها، حسب فضل الله.
منذ نشأته، ظل الإعلام الإلكتروني بلا إطار قانوني. 350 موقعاً إلكترونياً تعمل بلا أسس قانونية. يقول فضل الله إن القانون الجديد عرّف الإعلام الإلكتروني بأنه «الإعلام المهني الذي لا يحتاج إلى ترخيص»، لكنه مجبر بتحديد المالك والمدير المسؤول وعدد الموظفين «كي يحظى برعاية قانونية وتكون مرجعيته قانون الإعلام وليس قانون العقوبات».
اقتراح القانون عرّف الإعلام الإلكتروني بأنه «الإعلام المهني الذي لا يحتاج إلى ترخيص»
أنجزت اللجنة صيغة لمحكمة تخصصية في موضوع الإعلام «فقد ألغينا كلمة جرائم واستبدلنا بها مخالفات الإعلام، ووضعنا بنداً ينص على عدم المحاسبة على الرأي وبنداً آخر حول تحديد سقف الغرامات انطلاقاً من الحد الأدنى للأجور، أي ضعف الحد الأدنى أو أكثر، حسب المخالفات».
القدح والذم
هنا الطامة الكبرى، دعاوى القدح والذم التي لا تحصى في عهدة القضاء يجدها السياسي باباً للاقتصاص من الصحافي على إبداء رأي لا يناسبه. هنا يقول فضل الله: «أهم نقطة في هذا الموضوع أننا ذهبنا إلى سياق قضائي له علاقة بالإعلام، ولم نعد أمام محكمة مطبوعات لأننا أصبحنا في مجال أوسع. أعطينا للصحافي الحق بأن يلاحق الأسرار دون أن يُطال، طبعاً إذا توافرت المستندات والأدلة، لأنه لا يجوز إطلاق التهم جزافاً. أقررنا مادة أثارت نقاشاً واسعاً أتمنى أن تُقرّ في الهيئة العامة تقول إن الموظف العام، بمن فيه الوزير، ليس عليه حصانة. وإذا أراد الموظف ملاحقة الصحافي، فآليات ذلك معقدة. وفق القانون الجديد، لا محاكمة على الرأي، والصحافي لا يلاحق دون إذن النقابة».
مصير القانون
أحيل القانون على الهيئة العامة «لكن مجلس النواب لم يكن نشيطاً في الفترة الماضية»، والمطلوب إدراجه على جدول الأعمال. يقول فضل الله: «سعينا في الولاية الماضية قدر الإمكان، لأن تكون الكتل الأساسية متفقة عليه في اللجنة. وعدنا الرئيس نبيه بري بإدراجه على جدول الأعمال، لكن وقعنا في إشكال قانوني وشكلي لإلزامية تحويله إلى لجنة الإدارة والعدل. حينها طلب الرئيس بري أن نفاتح رئيس اللجنة (روبير غانم) بشأنه. قلت للرئيس بري إنّ القانون بقي 9 سنوات في لجنة الإعلام وإذا أراد رئيس اللجنة جدولته في لجنة الإدارة والعدل فقد يبقى 9 سنوات إضافية. وافق رئيس اللجنة على إمراره، ولكن بعض النواب عارضوا ودخلنا في فترة الانتخابات النيابية الأخيرة».
أزمة الصحافة الورقية
مع مناقشة القانون، «تعرضت الصحافة الورقية لأزمة أُقفلت بموجبها صحف وصرف موظفون، واجهها المعنيون بالشجب والاستنكار دون اتخاذ أي إجراءات عملية لحماية هذا القطاع، علماً أن هناك اقتراحات قدمت في هذا المجال لم يؤخذ بها، منها اقتراحان: الأول، من وزير الإعلام السابق رمزي جريج، والثاني، من وزير الإعلام الحالي ملحم رياشي، بعض ما ورد في الاقتراحين لا يحتاج حتى إلى قانون. هناك إجراء عملي بإمكان الحكومة أن تتخذه، وإذا ما كان يحتاج إلى قانون، فنحن حاضرون، لكن أي اقتراح تمويل يجب أن يمرّ عبر مجلس نواب. ونحن نفضّل أن يأتي من الحكومة لكونها الأدرى بموازنتها وإمكاناتها. أحد الاقتراحات كان يقضي بدفع نسبة عن الأعداد التي تبيعها الصحف (50%) أو تخصيص صندوق دعم إلخ… طرحت اقتراحات أخرى، بينها الإعفاء من رسوم الضمان والإعفاءات الجمركية (الورق) ومجموعة حوافز تجعل الجسم النقابي للصحافيين شبيهاً بباقي قطاعات المهن الحرة».
هذه الاقتراحات وغيرها مما سبق أن طرحه الزميل إبراهيم الأمين عبر «الأخبار»، نوقشَت في أحد لقاءات الأربعاء النيابية مع الرئيس بري، وقال في حينه لرئيس لجنة الإعلام والحاضرين إنها اقتراحات عملية، وهناك إمكانية للعمل عليها. لاحقاً، تبين أن بعض هذه الأفكار تلزمها قرارات تصدر عن مجلس وزراء وليس صدور قانون.
ويتابع فضل الله: «طرحت إنشاء صندوق وطني لدعم الإعلام وفق آلية معينة، وحين كنا نناقش مشروع قانون الموازنة وجدنا مبلغ 500 مليون ليرة لدعم نقابة الصحافة. سألت: لمن تذهب هذه المبالغ؟ كيف يمكن أن نحوِّل هذه الأموال لدعم العاملين في الصحف وليس أصحابها؟ هل ندعم الورق أم الطباعة؟ اتجهنا نحو أمور عملية لدعم الصحافة الورقية، ولكنها لم تقر».
الأزمة لم تنته بعد؟
ويتابع: «لا تستطيع لجنة الإعلام أن تؤمن مورداً مالياً لدعم الصحافة. حين نتحدث عن دفع المال نذهب إلى الحكومة بالدرجة الأولى». يرى أن مناقشة الموازنة هي المكان الطبيعي لتأمين الدعم للصحافة الورقية، سألت عن مبلغ يقارب مليون دولار في السنة موزع بين نقابتي الصحافة والمحررين، «وراجعت ملف الجمعيات، وإذا بالدولة لا تريد التعاطي مع الإعلام بوصفه قضية أو ثروة للبلد، فتسحب أي مشروع لدعمه من حسابها، فيما هي تدعم الجمعيات، ومنها جمعية معنية بأدوية السرطان تتلقى دعماً بقيمة تتجاوز سبعة مليارات ليرة لبنانية سنوياً».
كل تلك الاقتراحات تقود إلى القول إن معالجة أزمة الصحافة الورقية «هي في صلب الموازنة، لكن إذا كانت الصحف لا تريد تقديم كشوفاتها، يصعب صرف المال العام من دون كشوفات. الحكومة هي المسؤولة عن معالجة هذا الموضوع».
تلفزيون لبنان
أزمة تلفزيون لبنان، حسب النائب فضل الله، احتلت حيزاً من البحث في اجتماعات اللجنة «وأخذنا وعوداً بالجملة، بينها وعد قطعه رئيس الحكومة بتعيين مجلس إدارة مع أول جلسة للحكومة غداة التسوية السياسية الرئاسية (نهاية 2016). لكن الحكومة صارت حكومة تصريف أعمال ومجلس الإدارة لم يعيَّن بعد»!
وعن رأيه في الاقتراح المقدم من وزير الإعلام بخصخصة الإذاعة اللبنانية وتلفزيون لبنان، رأى فضل الله أن الموضوع يحتاج إلى دراسة معمقة، سائلاً: «ماذا تعني الخصخصة ولدينا تلفزيونات خاصة؟ هل تريد الدولة منبراً أم لا؟ وما سياسة الجهة التي ستأخذه بعد خصخصته؟».
وعن طرح وزير الإعلام ملحم رياشي القاضي بإلغاء وزارة الإعلام وتحويلها إلى وزارة حوار وتواصل، يقول فضل الله: «وفق القانون الجديد، وضعنا صلاحيات وزارة الإعلام عند المجلس الوطني للإعلام، وما له علاقة بالصحافة سيكون من صلاحيات الوزارة. وحين يقرَّر إلغاؤها، يجب أن نعرف لمن تجيَّر منعاً للفراغ. لذا، هذا الأمر يستلزم نقاشاً هادئاً والموضوع غير مطروح للبحث».
سلطة الرقابة والمحاسبة
وإذا كانت اللجنة قد قامت بدورها، كما يقول رئيسها، فيما أخلّ المسؤولون عن القطاع بمسؤولياتهم، فلماذا لا يمارس النائب دوره في المراقبة والمحاسبة وهو الأساس في عمله؟ يؤكد فضل الله أن السلطة الرقابية لمجلس النواب تعطيه الحق إذا أخل الوزير بواجبه، إما بطرح سؤال للحكومة أو استجواب ثم نطرح الثقة بالوزير «هذه هي آلية الرقابة، ولكن هل هذا المفهوم معتمد في لبنان؟ لا أتحدث هنا عن مسؤولية وزير الإعلام بذاته، لكن في أيّ ملف من الملفات التي يفترض أن تنتهي في الهيئة العامة بما فيها أعمال اللجان، إذا وجدت الهيئة خللاً في عمل الوزير، فلها الحق بطرح الثقة، لكن التركيبة اللبنانية لا تسمح بهذه الممارسة الدستورية».
وفق القانون الجديد لا محاكمة على الرأي، والصحافي لا يلاحق دون إذن النقابة
في آخر كلمة له في مجلس النواب، تحدث فضل الله عن هذه الإشكالية وقال: هل نريد مجلساً نيابياً عبارة عن منتدى لرجال الأعمال أم مجلساً تشريعياً ورقابياً، أم أن هناك سياسة معتمدة هي بمنع المجلس النيابي من القيام بدوره؟ «صدقوني، رغم كل سيئات النظام الطائفي، إذا طبقنا الآليات الموجودة في الدستور، فهي وحدها كفيلة بتحقيق الإصلاح بنسبة سبعين بالمئة».
اصطدمنا بواقع سياسي
رغم الفترة الطويلة الذي استغرقها بحثه، إلا أن اقتراح القانون الجديد للإعلام ليس هو القانون المرتجى «عدلنا بما يسمح بمرورالقانون أمام الهيئة العامة. هل هذا القانون هو الطموح الأقصى؟ لا. في لبنان لا يمكن أن نصل إلى الطموح الأقصى لعدم إمكانية نفاذه أمام هذا الموزاييك اللبناني الموجود».
يختم فضل الله قائلاً: «أدعي أننا أنجزنا أكبر ورشة استراتيجية للإعلام. لم نعمل على الجزئيات، لكن اصطدمنا بواقع سياسي لم يكن الإعلام جزءاً من أولوياته». في رأيه، إن المعالجة «تتطلب وجود بيئة حاضنة».
مجلس الإعلام شبيه بالمجلس الدستوري
حوّل إقتراح قانون الإعلام الجديد المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع من هيئة استشارية إلى هيئة تقريرية «وهذا أهم بند إصلاحي في قانون الإعلام، بحيث أصبح هو السلطة الفعلية على الإعلام المرئي والمسموع، وجزئياً على الإعلام الإلكتروني، بحيث أخرجنا السلطة على الإعلام من مجلس الوزراء» حسب النائب حسن فضل الله.
ولكن أي دور يمكن أن يقوم به مجلس يُعيَّن مناصفةً بين مجلسي الوزراء والنواب؟ يقول فضل الله: «ندرك جيداً تركيبة لبنان واستحالة تجاوز التقسيم الطائفي الذي نعمل في ظله. وأخذنا النماذج المعتمدة في الخارج كتجربة CSA في فرنسا (Conseil supérieur de l›audiovisuel) وكيف يتشكل وما هي صلاحياته، فلم يكن أمامنا خيار إلا أن نذهب باتجاه مجلس معين مثل المجلس الدستوري، وحاولنا بالفعل توصيفه حتى يكون مستقلاً يعيَّن أعضاؤه مناصفةً بين مجلسي النواب والحكومة، ولكن بعد تحديد مجموعة معايير، وأولها الكفاءة بطبيعة الحال».