داود رمال – الاخبار
بالأمس الطفلة رؤى مظلوم. غداً رؤى مظلوم ثانية. لا يتوقف مسلسل الفوضى وحرب العصابات في منطقة البقاع الشمالي. حتى إن الحديث عن خطة أمنية أو عسكرية صار مملاً. كل يوم مداهمة ومصادرة أسلحة وذخائر ومواد مخدرة من أصناف مختلفة (حشيشة و«سيلفيا» و«سيمو» إلخ… لكن هاجس الناس صار الأمن قبل الرغيف وقبل المدرسة وفرصة العمل النادرة في هذه المنطقة المنكوبة اجتماعياً
في سياق خريطة طريق حدد أبرز معالمها قائد الجيش العماد جوزيف عون، قررت المؤسسة العسكرية اقتحام منطقة بعلبك ـــــ الهرمل، ليس أمنياً، بل بانتقال مديرية المخابرات من اليرزة إلى قلب البقاع الشمالي من أجل الاستماع إلى فاعليات المنطقة مباشرة وتلمّس مشاكلهم ومخاوفهم.
وفي المعلومات، أن قيادة الجيش، ممثلة بمدير المخابرات العميد الركن أنطوان منصور، ومساعده العميد الركن علي شريف، ورئيس فرع البقاع العميد الركن علي عواركة، التقت عدداً كبيراً من وجهاء العشائر والعائلات في محافظة بعلبك ــــ الهرمل، وناقشت معهم الأوضاع السائدة في المنطقة، وخاصة الأمنية، وكيفية إيجاد حلول لمذكرات التوقيف التي تطاول عدداً كبيراً من أهالي المنطقة.
وعلمت «الأخبار» أن اللقاء كان بمثابة كسر جليد بين الجيش والعائلات البقاعية، وقد أبدى مدير المخابرات تجاوب المؤسسة مع معظم المطالب، مع وعد بحلّ كثير من القضايا التي تسهم في تخفيف العبء عن كاهل الأهالي، مشدداً على أن العشائر والعائلات في المنطقة هم رأس حربة مكافحة المشاكل من خطف (لأجل الفدية) وتعديات وإطلاق نار وسرقة ومخدرات وغيرها.
ونقل منصور عن قائد الجيش أن أبناء منطقة البقاع «هم خزان الجيش اللبناني»، بدليل أن هنالك ٤٢٦ ضابطاً و١١٧٨١ رتيباً وفرداً و٣٤٥٩ مجنداً من منطقة البقاع وحدها، كذلك إن عدد شهداء الجيش من أبناء محافظة بعلبك ــــ الهرمل يتجاوز العشرين ضابطاً و108 رتباء. وقال مدير المخابرات: جئنا إليكم بهدفين: الأول، سماع وجعكم بقلب وعقل منفتحين لإيصال صوتكم إلى أبعد مكان ممكن. الهدف الثاني، أضاف منصور، «كما استمعنا إلى أوجاعكم ومطالبكم، عليكم الاستماع إلى عتبنا، لأن هناك من يشوّه صورة المنطقة وهم قلة، بدليل أن 50 ألف عائلة في محافظة بعلبك – الهرمل تنتسب إلى الدولة عبر مؤسساتها العسكرية والأمنية، وهذا يعني أن الدولة لا تغلق الأبواب بوجهكم، إنما مفتوحة الذراعين لكم دائماً».
خلال الحوار، عرض عدد من وجهاء العشائر والعائلات لمطالبهم، ولا سيما قضية مذكرات التوقيف التي لا تكاد تستثني عائلة، فضلاً عن تكثيف حضور القوى الأمنية والعسكرية (دوريات وحواجز ومخافر ومداهمات ونقاط عسكرية ثابتة إلخ…).
أحد وجهاء آل جعفر قال «نحن دائما كنا مع الجيش اللبناني وسنظل معه، ونريد من الدولة ان توصلنا الى الثمرة التي نريدها جميعنا وهي العفو العام والغاء مذكرات التوقيف ومساعدة هذه المنطقة باعادتها الى حضن الوطن بعدما طال تعمّد الدولة اهمالها والتعاطي معها وكأنها دخيلة على خريطة الوطن، ونحن مشكلتنا ليست مع الجيش ابدا، ولن تكون، انما مع الحرمان المزمن الذي ترزح تحت وطأته المنطقة وما عاد يطاق».
في هذا السياق، شددت قيادة الجيش على أن الحل الجذري للمشاكل المزمنة «طويل الأمد، ويشمل مجالات عديدة، وبالتأكيد لن يكون بين ليلة وضحاها، مع التأكيد أن لا تسويات مع المجرمين والمطلوبين الذين سيستمر عمل الأجهزة الأمنية ليل نهار من أجل توقيفهم مهما طال الوقت أو قصر، ومحاسبتهم أمام القضاء المختص وفقاً للقوانين اللبنانية، وهي تقوم من أجل ذلك بمداهمات يومية لأماكن وجود المطلوبين، وقد دفعت أكثر من مرة ضريبة دم غالية في سبيل تحقيق هذه المهمة، التي تبقى في صلب أولويات المؤسسة العسكرية».
اللقاء الذي دام ساعات، تخلله تعهد الجيش بتسوية العديد من الأمور التي يمكن تسويتها سريعاً، وبالفعل، جرت تسوية أوضاع نحو ٢٠٠ مطلوب، على أن يستمر رصد المطلوبين الخطيرين، علما بأنه أُوقف نحو ٩٠٠ مطلوب بقضايا مختلفة، حتى الآن.
وأبلغت مديرية المخابرات الحاضرين أن الجيش «لن يتهاون أبداً في معالجة أي خلل أو مشاكل أمنية رغم الظروف غير الطبيعية والحساسة لهذه المنطقة، لكن، في الوقت نفسه، لا يمكن دفع الجيش للصدام مع أهله عبر توجيه الافتراءات وادعاءات التقصير، فالمشاكل التي تعانيها المنطقة بحاجة إلى تضافر الجهود الإنمائية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى جانب الجهود الأمنية لحلّ معضلاتها وتخفيف العبء عن أهلها وعن أمنهم، فالعمل الأمني لم يتوقف يوماً، وهو عمل مستمر ورهن بالظروف التي تؤمن نجاحه وليس بروباغندا وتعلية سقوف دون جدوى.
وكان لافتاً للانتباه، في هذا السياق، قيام وفد من فاعليات عشيرة آل جعفر في بعلبك – الشراونة بزيارة العميد علي عواركة في مقر فرع مخابرات البقاع «وكان ثناء على التزام التعهد الذي سبق أن قطعته على نفسها عشيرة آل جعفر في المساهمة بخفض التوتر وبذل كل جهد لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وبشكل خاص في حيّ الشراونة وبلدة دار الواسعة، بما يعيد الحياة الطبيعية والهادئة إلى محافظة بعلبك – الهرمل».