هيام القصيفي – الأخبار
حتى الآن، حدد هذا الفريق خطوط دخوله الحكم بنعم ولا واضحتين. نعم لحصة الرئيس ولا لتمثيل القوات اللبنانية بأكثر من 3 وزراء ومن دون إعطاء حقائب أساسية لها. لم تقتصر حملة الرفض على التمثيل القواتي النيابي، بل تعدتها إلى فتح ملف الصراع المسيحي الداخلي في التسعينات، وهو ما يفترض أن يكون طوي مع توقيع اتفاق معراب، وإعادة نكء الجروح الداخلية في العلاقة بين الجيش اللبناني والقوات، مع السؤال عن الهدف من محاولة التيار الوطني الحر توتير هذه العلاقة في ظل القيادة العسكرية الحالية مع ما تمثله من ارتباط سياسي بالعهد، وإصرارها على سياسة متوازنة مع جميع القوى السياسية. في حين أن محاولة رئيس التيار الحر جبران باسيل سحب أوراق رئيس حزب القوات سمير جعجع الرئاسية، الواحدة تلو الأخرى، بمعزل عن مواقف حلفائه الرافضة لجعجع، تبدو متعددة الاتجاهات.
في عام 2013 قال باسيل نفسه، وفي عز الكلام عن استعادة المسيحيين لحقوقهم بالتضامن مع القوات، إن ما نفعله «هو أننا نحصل حقوق الجميع وليس طرفاً واحداً، ويجب أن نعرف أننا حين نربح فإننا نربح من أجل الجميع وليس من أجل طرف واحد». لكن تلك المرحلة انتهت، وبات الربح من حصة طرف واحد، كما انتهت مرحلة رفض إعطاء رئيس الجمهورية حصة وزارية، في حملة قادها عون وباسيل في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان. لا تقتصر الإحاطة بحصة الرئيس، بهذه الحملة أو بالخلاف الدستوري حول هذه الحصة وأحقيتها. إذ إن ثمة نقاطاً يمكن التوقف عندها تتعلق بأداء القوى المسيحية المعنية أولاً وآخراً بهذه الحصة، فحصة رئيس الجمهورية لم تأخذ الطابع الواضح بعد الطائف، وإن كان لرئيس الجمهورية وزراء مقربون منه، كما حصل مع الرئيس الياس الهراوي، عندما تخطى بممارساته ما نص عليه الطائف، وكما يقول النائب ألبير منصور في كتابه «الانقلاب على الطائف»، فإن الطائف «رسم دوراً لرئيس الجمهورية يعلو به إلى مرتبة رئاسة الدولة بكل مؤسساتها وإلى دور الحكم والموجه لها».
لكن عرف نيل رئيس الجمهورية حصة وزارية تكرس مع اتفاق الدوحة، عندما بدأ الكلام عن تقسيم الحكومة إلى ثلاثة أثلاث: ثلث لقوى 8 آذار وثلث لقوى 14 آذار وثلث لرئيسي الجمهورية والحكومة. ترافق ذلك مع الكلام عن مشاورات لإعطاء «الوزير الملك» (الثلث المعطل) لرئيس الجمهورية. وبحسب سياسيين رافقوا أعمال مؤتمر الدوحة، فإن إعطاء رئيس الجمهورية حصة وزارية هو أحد الأخطاء الأساسية التي أنتجها اتفاق الدوحة، وقد غطت القوى المسيحية مجتمعة هذه الغلطة عندما وافقت على ذلك، بدل التمسك بمبدأ أن تكون الحكومة كلها تحت غطاء رئيس الجمهورية وصاحب الكلمة الفصل فيها، وهو الذي يملك صلاحية التوقيع على صدور مراسيمها.
والخطأ الثاني هي أن هذه القوى وافقت على أن تؤخذ هذه الحصة من الحصص المسيحية فحسب. وعلى رغم محاولات توزير شخصيات إسلامية إفرادياً على أن تحسب من حصة الرئيس، إلا أن الطابع الأساسي لهذه الحصة بقي مسيحياً.
اليوم، يعود النقاش ليتجدد بين القوى المسيحية نفسها، حول المبدأ بذاته، لا سيما أن السجال الراهن يكمن في سعي التيار الوطني، وفي ظل الخلاف مع القوات والمردة، إلى الاستئثار بالمقاعد المسيحية والمارونية وتوسيع قاعدة التمثيل الوزاري مناطقياً، ما يجعله متفرداً بقرار كتلة وزارية ستكون أكبر من كتل القوى السياسية الأخرى بما فيها حزب الله وحركة أمل.
فالتيار يفاوض عن حصته الحزبية وحصة تكتل لبنان القوي متذرعاً بأنهما يملكان أكبر كتلة نيابية، لكنه يفاوض أيضاً عن حصة رئيس الجمهورية. وهنا تكمن المفارقة، والسؤال إذا كانت حصة رئيس الجمهورية هي حصته وحده بمعزل عن التكتل والتيار، فلماذا ينضوي وزراء رئيس الجمهورية في التكتل النيابي الذي يترأسه رئيس التيار. وإذا كان هؤلاء من حصة الرئيس وحده، فلماذا جرى الكلام أيضاً في التيار عن ضرورة استبدالهم في إحدى المراحل، بعدما قوبل أداؤهم بالانتقاد الشديد.
اليوم يطالب التيار بحصة توازي عشرة وزراء مقسمين على التيار والتكتل ورئيس الجمهورية، لكن تكريس هذا العرف، للمرة الثانية من عمر العهد، قد ينتج أعرافاً جديدة، بدأت تلوح في الأفق من خلال مطالبة رئيس الحكومة بحصة له مختلفة عن حصة تكتله النيابي، إضافة إلى أن التيار يفاوض لتكريس حصة رئاسية على قاعدة أن الرئاسة باقية اليوم وغداً وبعده للتيار. لكن ماذا لو تعبت جميع القوى السياسية من الرئيس القوي وحنت إلى زمن الرئيس الوسطي، فهل سيقبل التيار بإعطائه هذه الحصة الوزارية؟.