حسن عليق – الاخبار
إلى حد بعيد، ثمة قاسم مشترك بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية محمد شقير. قبل ترامب، كان على أي سياسي أو مثقف أو كاتب أن يجهّز دفاعاً متيناً عن نفسه عندما يقول إن إمارات الخليج وممالكها محميات غربية. اليوم، يقف ترامب في البيت الأبيض ليقول لـ «أنظمة الخليج»: من دون حمايتنا، ستنهارون في أسبوع.
الصراحة المطلقة هي القاسم المشترك بين ترامب وشقير. ففي حالة الثاني، كان سيُتهم بالشيوعية (يستخدم أعضاء النادي الحاكم هذه الكلمة كشتيمة) كل من يصف شقير وزملاءه بحقيقتهم: حيتان مال راغبون في مراكمة الثروة الخاصة بلا أي ضوابط، ويرفضون أي شكل من أشكال توزيع الثروة، ولو كان محدوداً، وعبر نظام ضريبي فيه حد أدنى من العدالة. وقبل شقير أيضاً، كانت تهمة تبنّي نظرية المؤامرة ستُرمى في وجه كل من يقول إن في لبنان لا وجود لـ «طبقة سياسية تعمل في خدمتها مجموعة من رجال الأعمال». الواقع الذي كشفته صراحة شقير هو أن حيتان المال هم الذين يحددون الخطوط العامة للسياسة. وبرنامجهم واضح: لا نريد فرض الضرائب علينا. العبارة الأخيرة ليست استنتاجاً من بين السطور، ولا كلاماً قيل في غرف مغلقة. بل قاله، بالفم الملآن، رئيس الهيئات الاقتصادية، محمد شقير، وهو يقف على منبر، يلقي خطاباً أمام الكاميرات والمئات من الحاضرين، ومباشرة على الهواء. (والكلمة منشورة على «الوكالة الوطنية للاعلام»). بصراحة ترامبية، قال شقير، متوجهاً إلى رئيس الحكومة سعد الحريري: «مَطالِبنا في القطاع الخاص ليست صعبة ولا كثيرة ولا مكلفة، نحن نريد ان توقف الدولة فرض ضرائب علينا». ماذا يعني ذلك؟ أضاف شقير: «نحن نريد أن توقف الدولة فرض ضرائب علينا، وأن لا تكون مؤسساتنا مكسر عصا، ونريد خلق مناخ في البلد مناسب وصديق للاستثمار ولممارسة الأعمال». والبلد «الصديق للاستثمار»، في عُرف من يشبهون شقير، هو حيث تُفرض الحصة الأكبر من الضرائب على العمل، لا على الأرباح والريوع ولا على الثروة ولا على استنزاف الموارد العامة والبيئة.
المهرجان الانتخابي الذي نظّمه محمد شقير، في البيال يوم الاثنين، ربما يكون الحدث الأبرز في حملة الانتخابات الحالية. تناوب على المنبر 10 أشخاص: شقير، رئيسة المجلس اللبناني للسيدات القياديات مديحة رسلان، رئيس نقابة وسطاء النقل في لبنان عامر قيسي، رئيس جمعية الضرائب اللبنانية هشام المكمل، نائبة رئيس جمعية المطورين العقاريين ميراي قراب أبي نصر، رئيس الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز يحيى قصعة، عميد الصناعيين جاك صراف، رئيس اتحاد النقابات السياحية بيار الأشقر، رئيس نقابة المقاولين في لبنان مارون الحلو والوزير السابق عدنان القصار. أما الحاضرون، فحشد كبير من رجال أعمال يمثلون مختلف القطاعات. واللافت في هذا اللقاء عدم تلاوة كلمات ومواقف لجمعيات المصارف والصناعيين والمزارعين والتجار، على رغم أن ملائكة هذه الجمعيات كانت حاضرة.
كلمتا الحلو والقصار، تميّزتا عن خطابات غيرهما. مجرد وجودهما يعني تأييدهما للحريري في معركته الانتخابية، وفي العودة إلى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات. لكنهما لم يبلغا في مدحهما الحريري حد اعتباره المنقذ والأمل ومحرّك الاقتصاد وصاحب الإنجازات التي لا تُعد ولا تحصى. أما مدائح رفاقهما الثمانية للحريري، فكاد معظمها يصل إلى حد الابتذال. خرج الاقتصاديون عن المعتاد. في السابق، كانوا يدعمون من يشبههم، ومن يمثلهم، ومن يدافع عن مصالحهم، لكن من دون إعلان فج. أما في المعركة الحالية، فكان كلامهم (انظر الكادر أدناه) فاقعاً في تأييد الحريري.
أهداف اللقاء واضحة في الكلمات: أولاً، دعم الحريري انتخابياً. فغالبية المتحدثين والحاضرين يملكون مؤسسات في بيروت، يعمل فيها (مجتمعة) الآلاف من الناخبين البيارتة. وموقف أرباب العمل هنا، بعدما حوّلوا أنفسهم إلى ما يشبه «المفاتيح الانتخابية»، يمكن أن يترك أثراً كبيراً على توجهات العاملين الانتخابية. أما الهدف الثاني، فتثبيت الخطوط العامة لبرنامج العمل الذي سيسعى الحريري إلى تنفيذه بعد الانتخابات. وهذا البرنامج مبني على توجهين أساسيين (أيضاً بحسب ما ظهر في كلمات الخطباء العشرة): الأول، منح أصحاب الرساميل إعفاءات ضريبية تقيهم «شرّ» ما فُرِض عليهم بالتزامن مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب، وتمنع فرض أي ضرائب إضافية عليهم. أما الثاني، فاعتبار الاستدانة من الخارج، كما في مؤتمر باريس 4، الأساس الوحيد للسياسة الاقتصادية.
أما الهدف الثالث من اللقاء، فاستباق نتائج الانتخابات، وتثبيت الحريري مرشحاً لأصحاب الرساميل إلى رئاسة الحكومة، لضمان مصالحهم.
«القلق» الذي يعيشه أصحاب الرساميل عبّر عنه مرشّحهم إلى الانتخابات في دائرة بيروت الأولى، نقولا شماس (صاحب نظرية «أبو رخوصة»). قبل خمسة أيام، قال في مهرجان انتخابي كلاماً لا يقل صراحة عن كلام شقير. خطب شماس: «الهيئات الاقتصادية مكان نفوذ، بينما السلطات الدستورية وعلى رأسها المجلس النيابي، هي مكان سلطة. لأجل ذلك اقتضى الترشح لدخول الندوة البرلمانية». باختصار، النادي الحاكم قلِق. فرض الضرائب عليه العام الماضي أظهر ارتخاء ممثليه السياسيين في المجلس النيابي. ولتفادي تكرار ذلك، لا بد من «الترسانة الثقيلة»: نقولا شماس «جندي» (استخدم هذه الكلمة في وصفه لنفسه) في جيش يخوض «الحرب الاقتصادية»، فيما محمد شقير وصحبه مفاتيح انتخابية للحريري.
«معك في 6 أيار»
لتتضح الصورة أكثر، نورد، مقتطفات (حَرفية) لأبرز ما ورد في كلمات المتحدّثين في المهرجان الذي دعا إليه رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير يوم الاثنين الفائت في البيال، لدعم الرئيس سعد الحريري:
محمد شقير: «نحن معك لأنك الضمانة للاستقرار والأمن والأمان ولاستمرار مسيرة النهوض بلبنان. في 6 أيار سنكون نحن والاقتصاد ولبنان معك، وكلنا معك والله سيكون معك».
مديحة رسلان: «دولة الرئيس ليس فقط الرجال من الصناعيين والتجار والمزارعين معك بل نحن السيدات أيضاً لنا الدور الكبير في كل القطاعات لأنك تؤمن بدور المرأة بالفعل وليس بالكلام. ونحن سنكون إلى جانبك في 6 أيار».
عامر قيسي: «سنكون معك يا دولة الرئيس في 6 أيار».
هشام المكمل: «الرؤية الثاقبة لدى الرئيس سعد الحريري تهدف إلى اعتماد الخطط والبرامج البناءة وإعداد التشريعات المجدية….»، (…) «سنكون بتصرفكم لما فيه مصلحة لبنان وخير أبنائه».
ميراي أبي نصر: أشادت «بسياسات الرئيس الحريري وما حققه حتى اليوم من إنجازات».
يحيى قصعة: «نحن، يا دولة الرئيس، لا نقف إلى جانبك فقط بداعي العاطفة، بل بسبب عملك، ولا أحد أمّن لنا وللبلد شبكة أمان اجتماعية وسياسية وأمنية بقرارات جريئة غيرك. وأنا متأكد أن الجرأة دائماً متعبة»…. «أملنا الوحيد هو الانكباب على العمل ومؤازرة الحكومة التي نتمنى أن تكون برئاستك»… «الآن أصبحنا بمواقع مسؤولة تتيح لنا أن نعمل معك يداً بيد لمستقبل بلدنا واقتصادنا».
جاك صراف: دعا زملاءه إلى انتخاب «المشروع السياسي والاقتصادي الذي يمثله الرئيس سعد الحريري»، و «ليعملوا كل من منطقته على تأمين الفوز لكتلة نيابية كبيرة تدعم رئيس الحكومة». وأضاف: «أن استكمال التسوية بعد الانتخابات تقتضي عودة الرئيس الحريري على رأس الحكومة محصناً بكتلة برلمانية وازنة ومنسجمة».
بيار الأشقر: «نرجو أن تكونوا على رأس الحكومة المقبلة».