مسكين زياد

مسكين زياد
مسكين زياد

التالي هو الرواية التي لم نسمعها عن الممثل المسرحي زياد عيتاني، كل الروايات التي ادانته او تعاطفت معه لم تبنى وفق معلومات واضحة، وخلال الاشهر الاخيرة تجمعت المعطيات التالية، وهي مدونة هنا كما تقاطعت من مصادرها.

وتم التغاضي عن ذكر المصادر خلال النص، للحفاظ على سريتها، سيما ان الاوضاع في البلاد لم تعد تسمح بالتلميح الى المصادر، عداك عن ذكرها، الا انه لا بد من  الإشارة إلى ان معلومات النص مستقاة من محامين وضباط وعناصر امنيين، وعدد من أصدقاء زياد عيتاني.

لا يمت لي زياد عيتاني بصلة نسب، ولا قرابة بعيدة حتى، وغير اسم العائلة لا شيء يجمعنا تقريبا، تعرفت اليه في العام ٢٠٠٩ او ٢٠١٠، وبقينا على صلة لمدة لا تزيد على العامين، ثم سار كل منا في طريق مختلف تماما، ومنذ العام ٢٠١٢ قلما صدف والتقينا. ولمحبي العلاقات العائلية والروايات عشائرية فان النص التالي لن يشفي غليلكم.

يوم ٢٣ من تشرين الثاني ٢٠١٧ يترجل زياد عيتاني من سيارة برفقة أحد معارفه، فيركض نحوه عدد من الشبان المسلحين يطلبون منه التوقف، يدب الرعب في قلب زياد الممثل، ويركض محاولا الفرار، ويتم القبض عليه واصطحابه الى مكان مجهول.

ليلا يتصل زياد بعدد من افراد اسرته ليطمئنهم بانه “مع الشباب” وان ”الموضوع مالي وسأعود خلال بضعة ايام، ولا داعي للبلبلة والكلام عبر مواقع التواصل الاجتماعي“.

في ذلك النهار لم يعرف زياد عيتاني من هم هؤلاء الشبان الذين ركضوا خلفه، فلا هم عرفوا عن أنفسهم، ولا حاولوا التحدث معه، بل ركضوا نحوه فجأة شاهرين اسلحتهم، وبعد ان تم نقله في سيارة مدنية، لم يتلق منهم الا الضرب، وحين وصل الى مبنى ما كان مغمض العينين ولا يعرف اين هو.

طوال النهار كان يتعرض للضرب، ولم يعرف تماما من هم هؤلاء، ودار في ذهنه بانه مخطوف من اجل فدية مالية. حين طلب منه الاتصال ايضا لم يعرف هؤلاء عن أنفسهم، بل فقط طالبوه بالاتصال والتأكيد على عدم اثارة بلبلة لغيابه.

طوال النهار والليل كان الضرب هو الاسلوب المتبع لدفع زياد للكلام، والسؤال نفسه حول تعامله مع اسرائيل.

صباح اليوم التالي بدأ الخبر بالانتشار، واتصل مدير عام جهاز امن الدولة العميد طوني صليبا برئيس الجمهورية ميشال عون، واطلعه على ”ملف تعامل زياد عيتاني مع العدو الاسرائيلي“ وطلب اذنه بنشر الخبر وتعميمه بصفته اول انجاز للمدير العام للجهاز بعد استلامه لمهامه. رئيس الجمهورية وافق مرحبا بالإنجاز الكبير للجهاز، وبارك خطواته.

ونقلت الصحف في يوم ٢٥ تشرين الثاني خبر اعتقال زياد عيتاني، واوردت جريدة الحياة ضمن الخبر الفقرة التالية: ”واتصل رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا صباح أمس برئيس الجمهورية ميشال عون وأطلعه على فحوى التحقيقات الأولية مع عيتاني، وبدوره اتصل عون بالوزير المشنوق وبادره بالقول: «الحمد الله على السلامة». وحين سأل المشنوق عما هو حاصل، عرض له عون المعلومات التي تلقاها. واتصل اللواء صليبا برئيس الحكومة سعد الحريري والمشنوق“.

كما بادر المدير العام للاتصال بعدد من الشخصيات ”التي كان يستهدفها العميل زياد عيتاني“ وابرزها عبد الرحيم مراد، وابلغهم بما كان يحاك لهم من المخابرات الاسرائيلية، واكد لهم ان زياد انهار فور اعتقاله واعترف بكل شيء.

في  ٢٤ تشرين الثاني اصدرت المديرية العامة لأمن الدولة بيانا رسميا مما جاء فيه انها قامت بـ: “إنجاز عملية نوعية استباقية في مجال التجسس المضاد، وأوقفت اللبناني المدعو زياد أحمد عيتاني، وهو ممثل ومخرج وكاتب مسرحي، من مواليد بيروت عام 1975، بجرم التخابر والتواصل والتعامل مع العدو الإسرائيلي وقامت وحدة متخصصة من أمن الدولة، بعد الرصد والمتابعة والاستقصاءات على مدار شهور داخل الأراضي اللبنانية وخارجها، وبتوجيهات وأوامر مباشرة من المدير العام اللواء طوني صليبا، بتثبيت الجرم فعلياً على المشتبه به زياد عيتاني”.

وأضافت في بيان انه في التحقيق معه، و”بمواجهته بالأدلة والبراهين، إعترف بما نسب إليه، وأقرّ بالمهام التي كلف بتنفيذها في لبنان، ونذكر بعضا”منها :

  • رصد مجموعة من الشخصّيات السياسّية رفيعة المستوى، وتوطيد العلاقات مع معاونيهم المقرّبين، بغية الاستحصال منهم على أكبر كمّ من التفاصيل المتعلّقة بحياتهم ووظائفهم والتركيز على تحركاتهم.
  • تزويدهم بمعلومات موسعة عن شخصيتين سياسيتين بارزتين (نهاد المشنوق وعبد الرحيم مراد)، سيتم الكشف عن هويتهما في بياناتنا اللاحقة.
  • العمل على تأسيس نواة لبنانية تمهّد لتمرير مبدأ التطبيع مع إسرائيل، والترويج للفكر الصهيوني بين المثقفين.
  • تزويدهم بتقارير حول ردود أفعال الشارع اللبناني بجميع أطيافه بعد التطورات السياسية التي طرأَت خلال الأسبوعين الفائتين على الساحة اللبنانية”. (المتعلقة بغياب رئيس الحكومة سعد الحريري حينها في المملكة العربية السعودية).

في يوم ٢٤ تشرين الثاني علم زياد عيتاني مساءا انه موقوف لدى جهاز أمن الدولة، كان الممثل المسرحي يتدلى معلقا من رجليه وهو يتعرض للضرب، بينما احد ضباط الجهاز يضربه ويسأله باصرار “مرتك بشو احسن مني لتقبض اكتر؟”

خلال هذا التحقيق الطويل في يومي ٢٣ و٢٤ تشرين الثاني، كان زياد قد اخبر المحققين الرئيسيين كل ما يريدان سماعه من اخبار وروايات، تعامل، كوليت، السويد، اتصالات، مجيء وفد تجسسي للتدريب، تحويلات مالية، مراقبة شخصيات سياسية مهمة، تشكيل مجموعة من المثقفين للتطبيع، كل شيء يخطر على بال، كل سؤال طرحه المحققان أجاب عنه زياد تحت الضرب والتعذيب.

ملاحظة وتدقيق: على خلاف ما ذكرته بعض المصادر، الا ان الموسيقي الذي كان برفقة زياد عيتاني لحظة القبض عليه اكد ان من تقدم من زياد شابين، واخبراه بوجوب مرافقتهما، وحين فر زياد ابلغاه بانهما من جهاز امن الدولة.

(الحلقة الثانية: “كيف اصبح زياد عميلا”))

المصدر

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى