وليد شرارة – الأخبار
تعيد أحداث السودان التذكير بحقيقة بديهية، ظن البعض أن المآلات الكارثية التي انتهت إليها الموجة الأولى من الانتفاضات الشعبية في المنطقة العربية قد طمستها، وهي أن غالبية الأنظمة الحاكمة فيها قد تجاوزت عمرها البيولوجي. كان قد سبق للينين، وهو بين أبرز من كرسوا جهداً فكرياً جدياً لمحاولة فهم تفاعل الظروف الموضوعية والذاتية التي تفضي إلى الثورة، أن عرّف الوضع الثوري بأنه ينجم عن «عجز الطبقات المسيطرة عن الحفاظ على سيطرتها كما في السابق، أزمة في القمة، أزمة في سياسة الطبقة المسيطرة… ورفض القاعدة للعيش كما في السابق».
لا يعني الفشل في إنجاز التغيير المنشود، وبناء نظام جديد على أنقاض القديم، أن كسر جدار الخوف من عشرات الآلاف الذين سرعان ما يصبحون مئات الآلاف بل ملايين، وتدفقهم إلى الشوارع والساحات، متحدّين الأجهزة الأمنية وقمعها الوحشي، أن ما وقع ليس ثورة. فتاريخ الثورات هو تاريخ الثورات المهزومة، التي عادة ما تمهد لغيرها في فترات لاحقة ولو بعد عقد أو عقدين. لا يشذ ما يحدث في السودان عن هذه القاعدة. تظاهرات ضد رفع أسعار الخبز والوقود وبعض المواد الاستهلاكية الأساسية تحولت بسرعة إلى انتفاضة شعبية مطالبة برحيل رئيس البلاد، عمر البشير، ونظامه.
ما يميز هذه الانتفاضة الشعبية عن سابقاتها في السودان أنها انطلقت من الأقاليم إلى العاصمة وليس العكس، وأنها انتشرت في جميع أرجاء البلاد بلمح البصر. ميزة أخرى لها تجمع بينها وبين الانتفاضات الشعبية العربية التي سبقتها، بعكس ما شهدته ليبيا وسوريا من تدخل خارجي مباشر منذ بداية «حراكهما»، هي الإصرار على سلمية التظاهرات رغم قمع الأجهزة الأمنية لها، وكذلك حمل المتظاهرين أعلام بلادهم وليس تغييرها، تأكيداً منهم للولاء للوطن، ومطالبتهم جيشهم الوطني، وليس قوى خارجية، بالانحياز إلى مطالب الشعب.
بعد أربعة أشهر من الاحتجاجات الشعبية العارمة، قرر كبار قادة الأجهزة الأمنية السودانية، وفق المعلومات المتداولة في وسائل الإعلام، خلال اجتماع عقد فجر أمس في مقر إقامة البشير، تنحية الأخير لأنه «لا يوجد بديل آخر». وكانت مصادر عدة قد لمحت في أوقات سابقة إلى بداية صراع صامت في رأس هرم السلطة نتيجة غياب التوافق على وريث للبشير عند مغادرته. والأوضاع الحالية في السودان تشبه في بعض أوجهها تلك التي سادت عند نتحية الرئيس المصري حسني مبارك. لكن الفارق الأساسي هو إعلان وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف تعطيل الدستور وإعلان «حالة الطوارئ» ثلاثة أشهر، وتشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان، تجرى في نهايتها انتخابات.
بكلام آخر: أطاح انقلاب عسكري حكم البشير لقطع الطريق على التغيير المنشود لدى الملايين المنتفضة. المعارضة السودانية أمام تحديات هائلة، أولها تحديد السبل المناسبة لاستمرار نضالها من أجل هذا التغيير دون الوقوع في فخ الاحتراب الداخلي الذي قد يقود إلى تفكك السودان وغرقه في حروب لا تنتهي. التحدي الآخر، المرتبط بالأول، هو التنبه إلى مخططات القوى الخارجية التي لا تزال تسعى إلى تقسيم البلاد طمعاً بثرواتها، بعدما نجحت في فصل جنوبه عن شماله.