فؤاد مخزومي
يسعدني دائماً أن أتحدث في المناسبات التي تتعلق بابني الحبيب رامي، لا سيما اليوم ونحن على أبواب ذكرى رحيله الثامنة.
أولى رامي حوكمة الشركات اهتماماً كبيراً، وسعى إلى تحويل شركتنا الخاصة إلى شركة تعمل بأسلوب الشركة العامة، فرأى في إنشاء مجلس استشاري واعتماد الحوكمة خطوة أولى نحو الشفافية والتطور. أمّا الخطوة الثانية، فتمثلت بترسيخ المسؤولية الاجتماعية للشركات، وعنى ذلك بالنسبة إليه تطبيق الممارسات الصحيحة تجاه موظفينا وعملائنا ومجلس إدارتنا ومجتمعنا على حدّ سواء. هذه المهمة لم تكن سهلة لا سيما أن شركاتنا منتشرة في أكثر من 50 دولة حول العالم تختلف فيها القوانين والتقاليد واللغات.
كانت انطلاقة عائلتنا في مجال العمل الخيري عام 1997 مع إنشاء مؤسسة مخزومي التي شكلت الذراع الاجتماعي الاستراتيجي لمجموعة شركاتنا وعمدت إلى تقديم خدماتها للشعب اللبناني، وسعت لتمكين المجتمعات المحلية من تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستدامة. ومن هذا المنطلق، بدأت المجموعة في ممارسة أنشطة مختلفة في البلدان التي تعمل فيها، كلّ حسب حاجته، وأفتخر بالقول إننا نلنا جوائز عن عملنا في الإمارات العربية المتحدة، وقد نلنا علامة غرفة دبي للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات للمرة الثانية منذ انضمام شركة المستقبل لصناعة الأنابيب إليها عام 2018.
تقوم المسؤولية الاجتماعية لشركتنا على أربع ركائز، بما ينسجم مع استراتيجيتنا: أصحاب المصلحة والمجتمع، والاقتصاد، والبيئة والناس، والثقافة. ونحن نسعى انطلاقاً من كل ركيزة من هذه الركائز إلى معالجة هدف تنمية مستدامة محدد. فنحن كشركة، نتبع بوصلتنا الاستراتيجية التي توجّه كلّ ما نقوم به. إن هدفنا واضح ونحن نركز دائماً على قيمنا بما أنها تعكس من نحن كأشخاص.
بالنسبة لشركة المستقبل لصناعة الأنابيب، فإن الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية تعنيان إحداث فرق وتحمّل مسؤولية تأثير أعمالنا على البيئة وعلى المجتمع بشكل عام. ونحن ملتزمون بالتنمية المستدامة لضمان جودة الحياة للجميع، اليوم وللأجيال القادمة.
نحن نعتمد مبادئ الاستدامة كما وردت في الاتفاق العالمي للأمم المتحدة، حيث تعكس استراتيجيتنا وآلياتنا وممارساتنا هذه المبادئ وتتيح لنا تحقيقها. إن تحقيق الاستدامة على المدى الطويل هي مسؤولية كلّ موظف في شركتنا.
منذ عام 2015، حين أعلنت اليونسكو عن أهداف التنمية المستدامة الـ17 الجديدة، واعتماد اتفاق الأمم المتحدة العالمي أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، باتت المسؤولية الاجتماعية للشركات تعرف اليوم بالشركات من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهي تدعو كافة الحكومات والمؤسسات الخاصة والرسمية للسعي إلى تحقيق هذه الأهداف الـ17.
تتسابق الدول اليوم لتكون الأولى في تحقيق هذه الأهداف… فحين يكون عملنا خاضعاً إلى الحوكمة الصحيحة، سينعكس ذلك على أدائنا كشركة وعلى موظفينا وعملائنا.
يداً بيد سنبحث عن سبل لإنقاذ بيئتنا، مستخدمين كلّ الوسائل المتاحة. كذلك سنسعى لتمكين الناس وتوجيههم نحو الصحة الجيدة ونشر الوعي حول المدن المستدامة وتشجيعهم على التمسك بحقوقهم والدفاع عن حقوق الإنسان. هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستدامة على صعيد الشركة وعلى صعيد الوطن.
إن زوجتي ميّ عضو في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، وهي بصفتها رئيسة مؤسسة مخزومي، عضو أيضاً في مجلس الشبكة الوطنية لميثاق الأمم المتحدة في لبنان GCNL، وممثلة وطنية لهدف التنمية المستدامة الخامس، أي المساواة بين الجنسين.
وأنا عضو في اللجنة البرلمانية للتنمية المستدامة، وعلى الرغم من أننا نعمل لتحقيق كافة الأهداف، فإننا نركز بشكل أساسي على تحقيق الهدف الأول، أي مكافحة الفقر.
الفساد منتشر حول العالم والطريقة الوحيدة لمكافحته هي عبر اعتماد الحوكمة في جميع الميادين: في التعليم والصحة والمؤسسات المصرفية والمالية والمؤسسات الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية والإدارات الحكومية، وبالتالي في كلّ جوانب الحياة. حينها فقط نحقق الاستدامة من خلال الحوكمة.
منذ انتخابي لعضوية مجلس النواب اللبناني في عام 2018، اكتشفت مدى ترسخ الفساد في النظام القائم. فإن لم نعتمد الشفافية ولم ندفع مجلس النواب باتجاه ممارسة واجباته في مراقبة الحكومة ومحاسبتها، فإن أمل شبابنا بمستقبل أفضل سيكون ضعيفاً، فلسوء الحظ يعتبر 75% من شبابنا أن الهجرة هي السبيل لحياة أفضل.
الحياة هي العطاء لا الأخذ. إعطاء الحب، يعطي السعادة، وإعطاء المعرفة، يعطي التعليم، ومن خلال العمل معاً، نصبح أشخاصاً أفضل.
كان رامي صاحب رؤية، وكان يردد “سأعلمك بوجهتنا، وعليك أنت إيجاد السبيل للوصول”. لقد أرشدنا إلى الحوكمة والأعمال الإنسانية ومسؤوليتنا اليوم متابعة المسير من أجل تحقيق أهدافنا.
* كلمة النائب فؤاد مخزومي خلال افتتاح مؤتمر الحوكمة المستدامة والأعمال الخيرية في دبي في 26 آذار 2019.