خبر

«مفوضية اللاجئين»… تهميش الدولة مستمر

ليا القزي – الأخبار

 

 

لا يزال عمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، يثير العديد من علامات الاستفهام. تبديلها استراتيجية عملها مع النازحين السوريين، لم يُقلّص «الفوارق» بينها وبين عددٍ من الإدارات الرسمية، التي ما زالت تتّهم «المفوضية» بالتفرّد بالقرارات، وعدم التجاوب مع الدعوات إلى تنسيق العمل بين الوزارات المعنية وجميع المنظمات والجمعيات

سُحب فتيل الاشتعال بين وزارة الخارجية والمغتربين من جهة، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من جهة أخرى، من دون أن يؤدّي إلى إلغاء «الشبهات» حول عمل البرنامج الدولي لمساعدة اللاجئين. الملاحظات الرسمية على «المفوضية» عديدة، تدور حول نقطة رئيسية، وهي الاستمرار في سياسة «تهميش» إدارات الدولة، وعدم إظهار تعاون وتنسيق معها. العمل بأسلوب فردي ومباشر مع المنظمات الدولية الأخرى والجمعيات المحلية والنازحين السوريين، هو أكثر ما يتحدّث عنه المعنيون بالوزارات المُشاركة في برنامج «خطة لبنان للاستجابة للأزمة السورية».

الحديث عن غياب الدولة، أو تغييبها، عن ملف النازحين السوريين، وتفرّد الدول المانحة والمنظمات الدولية بالعمل، يشمل أيضاً المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. بالتأكيد هي استفادت من تشتّت الموقف اللبناني، وعدم وجود رؤية مُوحدة لمواجهة أزمة النزوح، فضلاً عن الموقف الضعيف للحكومة اللبنانية أمام «المجتمع الدولي» وهيئاته، والسماح بأن يكون البلد مُشرّعاً لتطبيق «الأجندة الدولية»، من دون أي رقابة. ولكنّ العامل الجديد في الملفّ، يتعلق بما تذكره مصادر أمنية عن إعادة «المفوضية» تسجيل عددٍ من النازحين السوريين الذين غادروا إلى سوريا ثمّ عادوا إلى لبنان، علماً بأنّه يُفترض شطب كلّ نازح يعود إلى بلده، من سجلات «المفوضية». اكتشف الأمن العام اللبناني «الخرق»، فتواصل مع المسؤولين في مفوضية شؤون اللاجئين الذين نفوا ذلك. إلا أن المعلومات الامنية أكّدت أن المفوضية، وبعد مراجعتها من قبل الامن العام، اضطرت إلى التوقف عن تسجيل العائدين، بحسب المصادر الأمنية نفسها.
ليست المرّة الأولى التي تُعدّل فيها «المفوضية» من استراتيجيتها المُتبعة في ملفّ النازحين السوريين. فالحادثة الأخيرة تُذكّر بالإشكال الذي حصل في حزيران الـ2018، بينها وبين وزارة الخارجية والمغتربين. يومها، اتخذ الوزير جبران باسيل قراراً بتجميد إقامات فريق عمل «المفوضية» الأجنبي في لبنان، لأسباب تتعلّق بـ«مواجهتها السياسة اللبنانية وتخويف السوريين من العودة إلى بلدهم، وعدم التعاون مع الخارجية، أو مشاركة المعلومات بحجة السرية». حالياً، يقول مسؤولٌ في «الخارجية» إنّ الوضع «هادئ» مع المفوضية السامية، صحيحٌ أنّها «لا تُشجع النازحين على العودة إلى سوريا، ولكن على الأقل لم يعد طاقمها يثني السوريين عن المغادرة». ممثلة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان ميراي جيرار تقول أيضاً إنّه «توصّلنا إلى قاعدة مشتركة مع الخارجية، وهي أنّه يجب العمل مع سوريا لتسهيل العودة».
إلا أنّ مسؤولين في وزارات «خدماتية» يقولون العكس. يؤكّدون أنّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين «لا تزال تُشيع أجواءً بأنّ العودة إلى سوريا دونها عراقيل ومخاطر». ليس هذا وحسب، فهناك ملاحظات تبدأ من «الشكليات»، كرفض جيرار «أن تُدوَّن المحاضر خلال الاجتماعات التي تُعقد بين المفوضية والوزارات والمؤسسات الرسمية اللبنانية، والتي تهدف إلى مناقشة العودة. وذريعة جيرار أن يتمكّن الحاضرون من التحدّث براحتهم». وإضافة إلى ذلك، ثمة نقاط جوهرية، «كعدم تجاوب جيرار مع دعوات مُتكررة تلقتها من الجهات المعنية داخل وزارة الشؤون الاجتماعية، للاجتماع مع كلّ المنظمات الدولية غير الحكومية، والجمعيات المحلية الناشطة في ملفّ النازحين السوريين، للخروج بخطة موحدة تكون بإشراف وزارة الشؤون». وتشرح المصادر أنّ في لبنان 30% من الأحداث المُعرضين للخطر هم سوريون، «موجودون في مؤسسات متعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية، ولا تغطيهم مادياً أي جهة دولية، وتفوق كلفتهم ملياراً ونصف مليار ليرة لبنانية». انطلاقاً من هذا الملفّ، دُعيت جيرار «خمس مرات إلى عقد اجتماع لبتّ هذه النقطة، واختيار وزارة الشؤون لشركاء المفوضية في تطبيق خطة الاستجابة لأزمة النزوح، حتى لا يبقى التواصل مباشراً بينها وبين الجمعيات. والمراد هو أن تتشبّه المفوضية بـ«اليونيسف» مثلاً، التي لا تتواصل مباشرةً مع الجمعيات المحلية، قبل موافقة الشؤون الاجتماعية». وتُذكّر المصادر باستباحة الدول المانحة والمنظمات الدولية للسيادة المالية للدولة، وتوزيع المساعدات مباشرةً على الجمعيات أو النازحين أو القطاعات الاجتماعية، من دون المرور بمؤسسات الدولة (عام 2018، دفعت 10 دول مانحة مبلغ مليار و477 مليوناً و939 ألف دولار في لبنان، «استجابةً لأزمة النزوح السوري» لكن لم يدخل خزينة الدولة منها سوى 21 مليون دولار ـــ راجع «الأخبار»، عدد 21 شباط 2019.

الردّ من «المفوضية» على هذا الكلام هو بأنّ الاستجابة الإنسانية، «المنصوص عليها في خطة الاستجابة لأزمة النزوح، تحصل بالتنسيق التامّ بين الحكومة اللبنانية والمنظمات الإنسانية، ووزارة الشؤون هي المنسق العام للخطة». وتُضيف أنّه «يوجد تنسيق في كلّ واحد من القطاعات، كالصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، بين الوزارات المعنية ووكالة الأمم المتحدة المتخصصة». وتقول ميراي جيرار لـ«الأخبار» إنّ «كلّ ما نقوم به واضح للوزارات، ونُقدّم تقارير بعملنا»، مُشيرة إلى أنّه بعد مؤتمر لندن للنازحين (عُقد عام 2016)، «يُقدّم المانحون الأموال مباشرةً للدولة. مثلاً في قطاع الصحة، نحن ندفع للمستشفى وليس للنازح». لكن المستشفى ليس الدولة، والأرقام الموجودة في عهدة الوزارات تشير إلى أن 1.4 في المئة فقط من الاموال المخصصة للنازحين تدخل الخزينة اللبنانية).
من ناحية أخرى، تُنكر جيرار الكلام عن إعادة تسجيل نازحين خرجوا وعادوا إلى لبنان، لكن من دون أن تنفي إبقاء نازحين مسجّلين رغم ترددهم إلى بلادهم: «نشطب من يُغادر بشكل نهائي، وأصلاً التسجيل متوقف منذ الـ2015. ولكن هناك حالات استثنائية لمن يُغادر للعلاج ويعود، أو يذهب للاستحصال على أوراق رسمية». أما بالنسبة إلى رفضها تدوين المحاضر خلال الاجتماعات، فتُبرّرها بأنّها «لا تكون جلسات رسمية، بل مُخصّصة للعصف الذهني. لا تُسجّل للسماح للموجودين بالتحدث براحة، من دون أن يعني ذلك وجود لغتين لدينا». فهي تؤكد أنّ «80% من اللاجئين يريدون العودة، وعملنا هو تحقيق أمنيتهم، من خلال مناقشة الهواجس الرئيسية مع الحكومة السورية واللاعبين الدوليين والاقليميين للحدّ منها. نحن لسنا من يُنظّم العودة، ولكننا نحترم خيارات الناس».
المفوضية العليا لشؤون اللاجئين جزء من «المجتمع الدولي» الذي لا يزال يربط عودة السوريين بالحلّ السياسي في دمشق، وسياسته قائمة على إبقاء النازحين في الدول المضيفة لاستخدامهم كورقة ضغط على القيادة السورية. توضح جيرار أنّهم «منظمة إنسانية لا سياسية. بالنسبة إلينا، العودة تتم متى اعتبر السوريون أنّ الوقت حان لذلك». ولكن الفصل بين السياسة والعمل الانساني لا يدخل في قاموس الدول. وتحت مُسمّيات «لطيفة» عديدة، جرى غزو بلدان وتخريب أنظمة. «أعلم أنّه يوجد تصور بأنّ المنظمات الانسانية جزء من الكيان السياسي. ولكن لا. المفوضية تناقش ما نعتقد أنّ اللاجئين يحتاجون إليه. وفي مؤتمر بروكسل، لم يكن هناك نقاش حول وجود حاجة إلى المساعدة الإنسانية داخل سوريا. والمفوضية ركّزت على دعم التنمية في سوريا بغياب الحلّ السياسي. نقاش الدول كان حول إعادة الاعمار من دون حلّ سياسي»، تقول جيرار.