العام الخامس… والأخير؟
خليل كوثراني – الأخبار
في خضمّ تحركاته لتنظيم مشاورات السويد، التقى مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، بأحد السياسيين العرب. سأله الأخير: هل تدعم السعودية جدياً عملك سيد غريفيث؟ ضحك الوسيط الدولي، والتفت إلى محدّثه وقال: انظر، أتفهّم سبب سؤالك. بصراحة، في بداية عملي عندما تم تعييني كانوا متجاهلين لأي مبادرة من قِبَلي، ولا يظهرون مبالاة تذكر بتحقيق شيء. أما الآن فالأمر تغيّر تماماً، هم من بادر إلى الاتصال وطلب تفعيل الجهود وأكد الدعم لهذا التحرك والتشجيع عليه.
ليست حرب اليمن على حالها منذ أربعة أعوام، هذا على الأقل بالنسبة إلى كل من الرياض وصنعاء. قبل عام من الآن، وصل خيار التحالف السعودي ـــ الإماراتي، المدعوم أميركياً وبريطانياً، إلى طريق مسدود ميدانياً. أراد المعسكر الرباعي إحداث اختراق في الخريطة التي يمكن أن ترسو عليها أي خطة للخروج وإنهاء الحرب، فكانت معركة الحديدة على قاعدة انتزاع السواحل من «أنصار الله» وحلفائها ليسهل إخضاعها وتحجيمها في أي تسوية. يعترف الإماراتيون والسعوديون بأن معركة الساحل الغربي خيضت على أساس أنها بوابة خروج مشرف ولائق. خروجٌ أكثر مَن يطلبه في الرسائل المتجهة صوب صنعاء ومسقط وطهران ووسطاء آخرين، منذ مدة، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبعده بدرجة أقل حليفه ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، وتشجّع عليه لندن، على عكس واشنطن المتريثة.
صحيح أن ابن سلمان لا يزال متمسكاً بخروج «المنتصر»، لكن المتابعين لكواليس المفاوضات يشيرون إلى انعطافة تلوح في الأفق، بدأت إرهاصاتها منذ أن هدأت المعارك قرب الحديدة، وتشي بمسار أكثر عقلانية وواقعية. الانعطافة المتوقعة مهّدت لها تطورات حاسمة، أحدها الأشهر الستة التي فشل فيها الميدان في تقديم الانتصار على مشارف الحديدة، منذ تصاعد الهجوم في رمضان الماضي، وتبدّد المحاولات المتكرّرة لدخول المدينة وتحولها استنزافاً لا يطاق، ما يتطلب خطة بديلة بسقف أكثر تواضعاً. التالي، الأزمة التي دخلتها السعودية عقب مقتل الصحافي جمال خاشقجي، والندوب التي تركتها حتى الآن على العلاقة مع الولايات المتحدة، وأوضح تجلياتها استمرار محاولات الكونغرس إيقاف المشاركة الأميركية في الحرب.
لا يزال محمد بن سلمان يوسم، في إعلام خصومه، بالتهور. إلا أن الأشهر الماضية، منذ أزمة خاشقجي تحديداً، ولّدت جنوحاً نحو التهدئة بدأت تتلمسه دول عديدة في المنطقة ليست على وئام مع الرياض. هذا مثلاً ما تشعر به بغداد، التي تلقّى رئيس وزرائها الشهر الماضي اتصالاً من ابن سلمان لم يعلن عنه وقتها، وُصف عراقياً بأنه إيجابي على درجة غير معتادة. سبقت الاتصال بأيام زيارة وفد عراقي إلى السعودية حيث التقى ابن سلمان، وبحث التوسط في جملة من الأزمات الإقليمية، ليلقى تجاوباً مفاجئاً من ولي العهد السعودي. على هامش اللقاء، قال ابن سلمان إنه لا يريد للحرب في اليمن أن تستمر، وهو موقف مشابه لما سمعه مسؤولون عرب التقوا به أخيراً. لم تكن هذه لهجة الأمير الشاب قبل عامين، حين نقل عنه أحد الدبلوماسيين العرب قوله، بلغة متشددة، إنه مستمر في الحرب حتى آخر جندي سعودي.
يؤكد المعنيون بتفاهمات السويد، التي تقف وراء مسارها بريطانيا، أن كل ما تم التوصل إليه ليس اتفاقات إنسانية محدودة، بل محطة اختبار متقدم في سياق سياسي مستجد يقود باتجاه إيقاف الصراع. تفضّل «أنصار الله» إظهار استعداداتها العسكرية لعودة السعودية وحلفائها إلى التصعيد، وذلك رغم شعورها الضمني بعد طول صمود بإحراز تقدم كبير لصالحها على مستويات البنية العسكرية والمزاج الشعبي والخارطة السياسية الداخلية والإقليمية التي أحدث فيها انقلاباً كبيراً مفصلان مهمان: الأزمة الخليجية ونتيجة المعركة مع علي عبد الله صالح. كذلك، لا تخفي الحركة اليمنية اعتقادها بأن ما يجري في اليمن لا ينفك عن مسار المحاور المتصارعة في الإقليم، حيث تعاني «الأدوات الأميركية» عموماً تراجعاً فادحاً سيتطلب مراجعة واشنطن لاستراتيجيتها في المنطقة، ما قد يصبّ في صالح إيقاف الحرب. ترى مصادر مطلعة أن توقّع انتهاء الحرب سريعاً وببساطة أمر مغرق في التفاؤل، في ظلّ عدم وضوح الموقف الأميركي وضياع حلفاء واشنطن، لكنها تؤكد أن العام الخامس يحمل مؤشرات «إيجابية» تطفو للمرة الأولى على السطح.