خبر

ما بعد الاشتباك: إختبارات صعبة.. “سيدر” ينتظر.. وتباينات حول الكهرباء

صحيفة الجمهورية

 

 

هدأت المنصات السياسية، وتوقف السجال عن إطلاق التهديدات والاتهامات، ودخل المختلفون في هدنة وخرجوا من خلف المنابر وتموضعوا في منطقة التعايش القسري داخل حكومة تعاني أصلاً تضامناً هشّاً بين مكوناتها. وهو ما تجلى بصورة عنيفة في الاشتباك الذي حصل بين تيار «المستقبل» والتيار «الوطني الحر»، ومستوى الخطاب الذي جرى تبادله بين الطرفين.
واضح من حجم الكلام الذي سال خلال اليومين الماضيين وما رافقه من تبريرات وتوضيحات من هنا وهناك، انّ «سوء التفاهم» بين التيارين قد كُسر جليده حالياً، وبشكل مؤقت، ما يعني انه لم يذلل بالكامل بل ما زال جمراً تحت الرماد، في غياب أساس جدي يمنع تكرار حصوله في اي وقت، بالنظر الى حجم الافتراق الكبير بين المختلفين على الاولويات والأساسيات، وفي مقدمها الملفات الداخلية الحيوية والخدماتية، وكذلك حول العلاقة مع سوريا وايضاً حول ملف إعادة النازحين السوريين المعقد محلياً وإقليمياً ودولياً.

ما قبل… وما بعد

وعلى ما يقال في الصالونات السياسية، انّ ما بعد الاشتباك السياسي الأخير غير ما قبله، وتحديداً على صعيد العلاقة بين طرفيه، خصوصاً انّ شظايا هذا الاشتباك أصابت الحكومة بشكل غير مباشر، ووضع انطلاقتها على خط التوتر بين ركنين أساسيين فيها، تجمع الاوساط السياسية على اختلافها بأنّ مردّه الى تباين سياسي حاد وعميق حول مجموعة من القضايا الجوهرية، ليس أقلها ملف النازحين والعلاقة مع النظام السوري.

واذا كانت الوساطات التي جرت في الايام الاخيرة قد نجحت في إطفاء فتيل الاشتباك، ولقيت استجابة من قبل أطرافه، وهو ما تجلّى في اليومين الماضيين بتقصّدهما سلوك منحى التبريد السياسي وإطلاق تبريرات وإشارات تطمينية لمستقبل الوضع الحكومي، فإنّ الحكومة تقف في هذه الفترة أمام «غرفة اختبارات» صعبة ومتتالية لها، بدءاً من جلسة مجلس الوزراء المقرر انعقادها اليوم في القصر الجمهوري، والتي تشكّل محطة لمكوّنات الحكومة ومعها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لاختبار القدرة على إدخال الحكومة الى غرفة الانعاش من جديد، ليس فقط لغسل القلوب المحقونة داخلها، على حد تعبير أحد الرؤساء، بل لتنظيم الخلافات بين مكوّناتها، ذلك انّ هذه الحكومة قد تم تشكيلها بشق النفس، وهي ليست حكومة من لون واحد، بل هي مجمّعة من قوى سياسية مختلفة سياسياً حول العديد من القضايا، لا يستطيع اي طرف التحكّم بها او الذهاب بها الى حيث يريد.

الاختبار الصعب

والاختبار الأصعب للحكومة، كما تصفه مصادر نيابية بارزة، هو تمكّنها من إثبات جديتها على تأكيد تماسكها من جديد، وقدرتها على اطلاق ورشة العمل الذي وعدت بها، وتصويب مسارها في الاتجاه المنتج الذي ينفي عنها تهمة الهروب من المسؤولية، والتباطؤ المريب والمماطلة في مقاربة ما قطعته على نفسها من وعود والتزامات، وخصوصاً حيال الملفات التي يصنّف حسمها في خانة الانجاز.

وأوّل الطريق الى هذا الانجاز، تضيف المصادر، يبدأ في التعجيل بإحالة مشروع الموازنة الى مجلس النواب، فلا عذر للحكومة لمزيد من التأخير في إحالة المشروع الى المجلس، ومن باب حَثّها وضعنا سقفاً لها حتى آخر أيار للصرف على القاعدة الاثني عشرية، ومع ذلك لم نرَ شيئاً حتى الآن.

فكأنّ الحكومة بمماطلتها هذه تضرب الثقة التي منحها إيّاها المجلس عرض الحائط، وهي في الوقت نفسه تضرب ثقة العالم الخارجي بلبنان، بل لم تبادر الى استعادة هذه الثقة، وعلى حد قول النائب ياسين جابر «انّ لبنان اليوم في أزمة شديدة، وهو امام معركة جدية لاستعادة ثقة الدول الخارجية به، وهذا يتطلّب مبادرات وخطوات من قبل الحكومة تعزّز موقف لبنان في هذه المعركة. من هنا لا عذر للحكومة في اي تأخير، او مماطلة او تلكؤ في مقاربة متطلبات مؤتمر «سيدر» كما ينبغي، وبما يبدّد تشكيك رعاته، بصدقية الجانب اللبناني وجديته في السعي الى استفادة لبنان من تقديمات «سيدر». فإن بقينا على هذه الحال فالخسارة ستكون كبيرة، وقد لا تكون هناك ابواب أخرى لتعويضها».

الاختبار الكبير

والى جانب ذلك، يبقى ما تصفه مراجع سياسية بـ«الاختبار الكبير» المنتظر مع وصول وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو الى بيروت، حيث تكمن نقطة الاختبار الاساسية في قدرة الجانب اللبناني على تجاوز انقسامه وتبايناته حول قضايا خلافية اساسية، وبالتالي صياغة موقف لبناني رسمي موحّد حيالها.

وفيما اكدت أوساط رسمية لـ«الجمهورية» انّ موقف لبنان من مختلف القضايا، وأيّاً كانت الطروحات التي يحملها معه وزير الخارجية الاميركية، محدّد في البيان الوزاري للحكومة، وسيجري التعبير عنه من قبل مختلف المستويات اللبنانية الرسمية التي سيلتقيها بومبيو.

كشفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» انّ زيارة بومبيو الى لبنان لا يمكن اعتبارها استثنائية، تحمل افكاراً اميركية يمكن وصفها بالجدية او النوعية، ذلك انّ التحضيرات الديبلوماسية الاميركية لهذه الزيارة لم تؤشّر الى ذلك، بل هي تتويج لسلسلة الزيارات المتتالية التي قام بها مسؤولون اميركيون الى لبنان في الاشهر الاخيرة.

ولفتت المصادر الى انّ جدول اعمال زيارة بومبيو مكمل لما أثير في تلك الزيارات، والذي اكد انّ «حزب الله» هو البند الاساس في أجندة الضغط الاميركي، الرامية الى تشديد الخناق عليه باعتبار انه يشكل في نظر الادارة الاميركية وحلفائها مصدر قلق على مستوى المنطقة والعالم، وتهديداً لاستقرار لبنان.

وذكرت المصادر بـ«أنّ بومبيو، وكما كشف نائب وزير الخزانة الاميركية لشؤون مكافحة تمويل الارهاب مارشال بيلينغسلي امام شخصيات لبنانية خلال زيارته لبنان في كانون الثاني الماضي، هو صاحب فكرة وضع الحكومة اللبنانية تحت المجهر الاميركي خلال العام الحالي كتعبير عن استياء اميركي من إشراك «حزب الله» فيها، وإسناد وزارة الصحة الى وزير محسوب على الحزب، من شأنه ان يسخّر الوزارة وامكاناتها لأغراض تمويلية لـ«حزب الله» لتعويض ما يعانيه من ضائقة مالية وتمويلية».

وفيما لم تستبعد المصادر الديبلوماسية ان يكون ملف الحدود البحرية عنواناً اساسياً في زيارة بومبيو، قال مرجع معني بهذا الملف لـ«الجمهورية»: انّ لبنان، وتبعاً للتجربة مع الاميركيين في هذا الملف، لا يثق بالاميركيين كوسيط نزيه في هذه المسألة. وبالتالي، لا يتوقع ان يثير وزير الخارجية الاميركية هذه المسألة خارج سياق مصلحة اسرائيل.

وبالتالي، فإنّ خلاصة الموقف الرسمي انّ لبنان يرفض المس بسيادته وحدوده البحرية الكاملة، وبالتالي يرفض اي فكرة لتقاسم هذه سواء عبر ما يسمّى «خط فريدريك هوف» او اي خطوط وهمية اخرى، فـ«خط هوف» يحرم لبنان ما يزيد عن 360 كلم2 من حدوده البحرية ضمن بقعة الـ860 كلم2 الواقعة ضمن الحدود البحرية اللبنانية الخالصة والتي تنازعه عليها اسرائيل، والتي تقوم حالياً بمحاولات واضحة لبدء استخراج النفط والغاز من المناطق المتنازع عليها.

الكهرباء: شروحات

وفيما بات محسوماً انّ تعيينات المجلس العسكري ستمر بشكل انسيابي، الّا انّ العنوان الكهربائي الذي سيقاربه مجلس الوزراء من باب الخطة الموضوعة لمعالجة الازمة المزمنة في هذا القطاع، يتجاذبه توجهان داخل الحكومة، يسعى الاول الى إقراره في جلسة اليوم، ويدفع في هذا الاتجاه بشكل واضح وزراء تكتل «لبنان القوي»، ويسعى الثاني الى مقاربته بتمحيص تفصيلي ومن دون تسرّع، خصوصاً انّ جلسة واحدة لمجلس الوزراء قد لا تكون لعرض هذا الملف نظراً لضخامته، إضافة الى تشعباته التي تتطلب الاستعانة بخبراء لتقديم شروحات تفصيلية حوله، ويشدّ في هذا الاتجاه سائر الاطراف.

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: انّ مقاربة ملف الكهرباء حالياً لن تكون على طريقة البصم، والهدف الاساس هو الذهاب الى ابتداع حل جذري لأزمة الكهرباء، وإصلاح هذا القطاع الذي يشكّل احد الاسباب الجوهرية للأزمة الاقتصادية والمالية، وليس تكرار الذهاب الى حلول مؤقتة ومجتزأة تكبّد الخزينة اموالاً طائلة وتبقي في الوقت نفسه الأزمة قائمة، على غرار ما جرى اعتماده من حلول ترقيعية سابقة، تثير الالتباسات ويكثر حولها الحديث عن صفقات وسمسرات، على شاكلة استئجار البواخر، وهو الامر الذي لا يجد قبولاً لدى غالبية مكونات الحكومة.

النازحون

من جهة ثانية، تبقى أزمة النازحين الملف الأكثر سخونة على المشهد الداخلي، وهو ما عَبّر عنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى سوريا غير بيدرسون، بأنّ «لبنان لم تعد له القدرة على تحمّل تداعيات النزوح السوري على مختلف الصعد الاجتماعية والاقتصادية والحياتية، وبتنا كمسؤولين قلقين على بلادنا».

وفي السياق ذاته جاء موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي قال: «إننا مع الفصل الكامل بين الحل السياسي في سوريا وعودة النازحين. أمّا ربطهما ببعضهما فهذا أكبر خطأ في لبنان. مضى على الوجود الفلسطيني في لبنان 71 سنة، والحل السياسي لم يأت».