جريدة الجمهورية
كالعادة تخصيص مليارات من الدولارات تحت عنوان مساعدة النازحين، ولا يصل منها سوى ملايين، هكذا كانت الحال في «بروكسل 1» ثم في «بروكسل 2»، وتكررت في مؤتمر «بروكسل 3» أمس، وما عاد من النازحين الّا القلة، فيما تقررت 7 مليارات من الدولارات لـ»مساعدتهم» في لحظة سياسية ملتبسة، يخشى ان يكون هذا التمويل معها تمويلاً لعدم العودة، خصوصاً انّ فرنسا والمانيا صوّبتا على النظام السوري عبر سفيريهما في لبنان حيث اعتبرتا «انّ العائق الرئيسي (لعودة النازحين) هو الخوف والظلم في سوريا»، قبل أن تلتقيا مع موقف لبنان الذي عبّر عنه رئيس الحكومة سعد الحريري في بروكسل ودعا فيه الى «العودة الآمنة» لهؤلاء النازحين الى بلادهم.
بلغت مساهمات الوفد المشاركة في مؤتمر «دعم مستقبل سوريا والمنطقة» (بروكسل-3) الذي انعقد في مقر المفوضية الاوروبية في بروكسل، بمشاركة رؤساء حكومات ومسؤولين من 50 دولة ومنظمات دولية، نحو 7 مليارات دولار، على حد ما أعلن المفوض الأوروبي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات خريستوس ستيليانيدس. واوضح مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، انّ المشاركين يتوقعون أن تشهد العملية السياسية في سوريا حلحلة في غضون الأشهر القليلة المقبلة، ممّا سيتيح «الشروع في العمل على إعادة إعمار البلاد وعودة اللاجئين».
وجاءت المساهمة الابرز من ألمانيا بمبلغ 1,44 مليار يورو. وتعهدت الولايات المتحدة الاميركية تقديم 350 مليون يورو، بينما تعهدت المملكة المتحدة بمبلغ 464 مليون يورو. وخصّصت إيطاليا مبلغ 45 مليون يورو لسنة 2019 و45 مليون يورو لسنة 2020 وبلجيكا 24 مليون يورو، والنمسا 9 ملايين يورو. ومن جهته، خصّص الاتحاد الأوروبي ملياري يورو من الموازنة المشتركة.
وذكّرت مصادر لبنانية «انه في مؤتمر «بروكسل-1» عام 2017 تم تخصيص 5,6 مليارات دولار ومنها 3,47 مليارات دولار مبرمجة حتى سنة 2020. كذلك أقرّ «بروكسل-2» مبلغ 3,5 مليارات دولار للعام 2018 ومنها 2,7 مليار دولار لسنتي 2019 و2020. أما هذه السنة في «بروكسل-3» فقد خُصص مبلغ 7 مليارات دولار لسنة 2019 الجارية ومنها 2,37 مليار دولار حتى العام 2020».
الحريري
وقد حدد رئيس الحكومة سعد الحريري، في كلمة لبنان امام المؤتمر، الحاجات المطلوبة لملف النازحين، والتي تبلغ مليارين وتسعمئة مليون دولار لسنة 2019 اضافة الى زيادة الدعم بمئة مليون دولار للدول المضيفة، معتبراً أنّ «الحل الوحيد لأزمة النازحين السوريين هو العودة الآمنة إلى وطنهم وفقاً للقوانين والمعاهدات الدولية»، مجدداً التزام الحكومة «العمل مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على اي مبادرة عملية تضمن العودة الآمنة لهم بما في ذلك المبادرة الروسية». واكد انه «لا يمكن لبنان ان يستمر في تحمّل الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المترتبة على استضافة مليون ونصف مليون نازح».
وحذّر الحريري من «تزايد أثر أزمة النازحين السوريين على لبنان، ما يفاقم على المدى القصير التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ويؤدي الى وضع العلاقة بين المجتمعات المضيفة واللاجئين في أجواء توتر شديد ويهدد استقرار لبنان»، داعياً المجتمع الدولي الى «العمل الى جانب لبنان وتكثيف الجهود لتقديم المساعدة الانسانية الحيوية للنازحين». وأعلن أنّ «لبنان حافظ على الإلتزام الذي أعلنه في مؤتمر بروكسل الثاني، وذلك بفضل المجتمع الدولي والمؤسسات اللبنانية والمجتمع المدني».
وقال الحريري إنّ «الحكومة تدرك ضرورة المضي قدماً في الإصلاحات لإحياء الاقتصاد وخلق الوظائف، وسيكون عليها اتخاذ قرارات صعبة لتخفيض الدين»، مشيراً الى انه «لن يكون هناك أي تمويل اضافي في موازنة 2019». واضاف: «علينا أن نؤمّن التمويل المناسب لخطة لبنان للإستجابة للأزمة ونطلب 2.9 مليار دولار، ويجب ضمان الإستقرار للمشاريع طويلة الأمد».
وعلى هامش المؤتمر قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ الحريري سيزور باريس في الساعات المقبلة، لكنها لم تُشِر الى احتمال تعريجه على الرياض في طريق عودته الى بيروت.
ليست المرة الاولى
والى ذلك اعتبرت مصادر سياسية تواكب ملف عودة النازحين «أنّ وحدة الموقف اللبناني بَدت ظاهرياً في بروكسل، من خلال اعتماد عبارة «العودة الآمنة» للنازحين السوريين، في كلمة لبنان امام المؤتمر، وهو التعبير الذي ورد في البيان الوزاري، وقبله في القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي انعقدت في بيروت يومي 19 و20 كانون الثاني الماضي».
وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية»: «مبدئياً، وعد المانحون بالمال، لكنها ليست المرة الاولى التي تعد فيها الدول المانحة بأموال بالمليارات، ويصل من هذه المليارات ملايين، وتوزّع مباشرة من دون المرور بالدولة اللبنانية الّا في ما يخصّ وزارة التربية لأنّ عدداً لا بأس به من التلامذة من النازحين السوريين ما زالوا مسجّلين في المدارس اللبنانية الرسمية». ولفتت المصادر الى «انّ المبالغ المالية مرتبطة ببقاء النازحين السوريين من جهة وبتوظيفهم من جهة ثانية، وهذا امر لا يعبّر عن وحدة الموقف اللبناني». واشارت الى انّ رئيس الحكومة الذي تحدث عن عودة آمنة، ربطها بـ«وفق القوانين والمعاهدات الدولية»، والتي تؤكد كلها «ضرورة دمج النازحين وصولاً الى حد تجنيسهم وعلى عدم عودتهم اليوم إنما على عودة طوعية».
موقف فرنسي – الماني مشترك
وتماهى موقف كل من فرنسا والمانيا في ملف عودة اللاجئين السوريين، مع الموقف الذي أعلنه الحريري في بروكسل. ففي مقال افتتاحي مشترك خصّا «الجمهورية» به، طالب السفيران الفرنسي والالماني برونو فوشيه وجورج برغيلين باسم دولتيهما بتأمين الظروف المناسبة لعودة طوعية وآمنة وكريمة.
وأكدا انّ «العائق الرئيسي (الذي يعرقل العودة) هو مناخ الخوف والظلم في سوريا». وقالا: «منذ نشوب النزاع، اعتقل النظام وأخفى نحو 70 ألف شخص سوري. هذه الاعتقالات، وأعمال التعذيب والقتل مستمرة حتّى يومنا هذا. فعمليات الاعتقال على أيدي الأجهزة السورية تعسفيّة لدرجة انه اصبح من المستحيل على أيّ لاجئ الثقة بالعودة الآمنة. فهم يعلمون انّ الظلم البنيوي في انتظارهم: مصادرة الأراضي، مستحقات مالية عن السنين التي أمضوها في الخارج، غرامات جزائية على وثائق شخصية منتهية الصلاحية ونظام قضائي منحاز لن يدافع عن حقوقهم».
وقال السفيران: «مصلحتنا مشتركة في الدعوة الى السير نحو إزالة هذه العوائق والعودة بصوت موحّد. على دمشق احترام حقّ اللاجئين بالعودة وبالمسكن وبالأرض وبالملكية. على دمشق أن تضع حدّاً موثوقاً للاعتقالات التعسّفية». (نص المقال ص 4)
مصادر بكركي لـ«الجمهورية»
وأكدت مصادر البطريركية المارونية لـ«الجمهورية» تعليقاً على مؤتمر بروكسل «أنّ المطلب اللبناني الوحيد يجب أن يكون مطالبة المجتمع الدولي بعودة النازحين الى أرضهم، وليس جمع الاموال لإبقائهم في لبنان». ودعت السلطة اللبنانية الى توحيد موقفها من ملف النزوح «لأننا نسمع كل مسؤول «يحكي على ليلاه»، فيما الأساس هو تخليص لبنان من هذه الأزمة، وإنقاذ النازحين من الوضع الذي يعيشون فيه، وهذا لا يتمّ إلّا من خلال عودتهم الى بيوتهم وأرزاقهم في سوريا.
«القوات»
وبدورها، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: «لقد اكد لبنان من خلال مشاركته في مؤتمر بروكسل موقفه وهواجسه وضرورة عودة النازحين، وهو يدرك جيداً انّ انعقاد المؤتمرات الدولية لا يعني انّ عودتهم ستكون متاحة غداً او في الايام او الاشهر المقبلة، فالمسألة تتطلب وقتاً وسعياً وعملاً لكنّ المهم بالنسبة الى لبنان هو ان يُوصل موقفه السياسي الى المجتمع الدولي، وهو أنه لم يعد يستطيع تحمّل أعباء النازحين على حد قول الرئيس الحريري باسم الحكومة اللبنانية أمام المؤتمر، وتحدث عن العودة الآمنة وعكس في موقفه وجهة نظر لبنان لجهة ضرورة عودة النازحين في أسرع وقت».
واضافت هذه المصادر: «واضح أنّ أزمة النازحين متعددة الجوانب، والجانب الاساسي فيها هو انّ النظام لا يريد عودتهم وقد ظهر هذا الامر من خلال زيارة مفوض الامم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي للبنان اخيراً، وتأكيده انّ النظام يرفض دخول الامم المتحدة الى مدن كثيرة في سوريا، وواضح انّ المجتمع الدولي لا يريد تمويل هذه العودة قبل الحل السياسي في سوريا، ومعلوم انّ العودة تتطلب تمويلاً لإنشاء البنى التحتية وتوفير مستلزمات ومتطلبات العودة الى مدن وبلدات وقرى مهجّرة، وهذه نقطة خلافنا مع المجتمع الدولي. نقول في وضوح انّ لبنان لا يستطيع ان يتحمّل انتظار الحل السياسي لأنّ هذا الحل قد يستغرق سنوات، وهذا هو جوهر الخلاف مع المجتمع الدولي الذي يرفض التمويل قبل الحل، ونحن مع التمويل قبل الحل لأنّ لبنان لم يعد يستطيع تحمّل المزيد من الاعباء».
وتابعت المصادر: «نحن نميّز بين أمرين أساسيين: بالنسبة الينا العودة يجب ان تتم قبل الحل السياسي حُكماً واليوم قبل الغد، ولكن لا لعودة تطبيع العلاقة مع سوريا قبل الحل لأن ايّ علاقة طبيعية مع سوريا يجب ان تسبقها عودتها الى الجامعة العربية وعودة الثقة الدولية بها، وإجراء مراجعة بين لبنان وسوريا حول طبيعة العلاقات المأزومة التي امتدت لسنوات وعقود، خصوصاً في ظل احكام قضائية واضحة المعالم بمحاولة سوريا تفجير الواقع اللبناني».
باسيل
وليلاً، تناول رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل موضوع النازحين خلال إحياء «التيار» ذكرى 14 آذار في «نيو بيال»- فرن الشباك»، فقال: «امّا عودة النازحين او لا حكومة، وامّا طرد الفساد عن طاولة مجلس الوزراء او لا حكومة، وامّا صفر عجز كهرباء او الحكومة صفر ولا حكومة». واكد باسيل انّ «دولاً كبيرة تضغط لمنع عودة النازحين» وقال: «ليس مصادفة انني اليوم معكم وليس في مؤتمر النازحين في بروكسل، لأنّ هذه المؤتمرات تموّل بقاء النازحين في مكانهم ونحن نريدها ان تموّل عودتهم الى بلادهم». وأضاف: «من يريد عودة النازحين عليه ان يوقف كذبة التطبيع مع سوريا، لأنّ علاقتنا قائمة وليست مقطوعة مع سوريا، ولا تحتاج الى تطبيع». (راجع ص 8)
بري ينتظر الحريري
وفي انتظار عودة الحريري لكي ينعقد مجلس الوزراء، علمت «الجمهورية» انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري ينتظر الإتفاق معه على موعد جلسة الاسئلة والاجوبة التي يرجّح انعقادها في الربع الاخير من هذا الشهر.
وأكد عضو مكتب مجلس النواب ميشال موسى لـ«الجمهورية» أن جدول المجلس حافل؛ بدءاً بجلسة الاسئلة والاجوبة، اضافة الى مشاريع القوانين التي ستطرح خلال العقد العادي الاول للمجلس الذي سيبدأ الثلثاء في 17 آذار الحالي. واوضح انّ المجلس مستعدّ لمناقشة الموازنة العامة للدولة لسنة 2019 في حال أحالتها الحكومة إليه، لافتاً الى «أنّ الكرة الآن في ملعب الحكومة وليس في المجلس، وعندما تقرّها سنناقشها فوراً». وأكد «أنّ هناك عدداً من مشاريع القوانين الإصلاحية التي يجب على المجلس إقرارها، وهي ضرورية للمباشرة في ورشة الإصلاح»، مشيراً الى وجود عدد كبير من القوانين يطاول بنحو غير مباشر مؤتمر «سيدر» ومن الضروري إقرارها.