بوتفليقة يؤجّل الانتخابات ويفوّض الإبراهيمي بالحوار… وروحاني يبدأ زيارته للعراق بسكك الحديد
تجاذبات وفد بروكسل وملفات الفساد تهزّ التسوية الحكومية… وأوجيرو إلى الواجهة
الحكومة تُنهي شهرها الأول بنتائج صفر… دون أي جدول أعمال لترجمة الوعود
كتب المحرّر السياسيّ – البناء
نجح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة العائد من سفر للعلاج إلى الجزائر بالإمساك مجدداً بزمام المبادرة، بعدما عبر الشارع الجزائري الذي خرج لشهر متواصل مطالباً بعدم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، عن فرحته احتفالاً بحزمة القرارات التي أعلن عنها بوتفليقة، بعد ظهوره تلفزيونياً يجتمع بعدد من القادة السياسيين والعسكريين، معلناً تغييراً حكومياً، بعدما حسم تأجيل الانتخابات الرئاسية وعدم ترشّحه للانتخابات المقبلة، وفاتحاً الطريق لإطلاق حوار وطني جامع، يتوقع أن تسند رئاسته للدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي، تمهيداً لوضع دستور جديد وعرضه للاستفتاء لتتم الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة خلال عام على أساسه.
المسار الجزائري الذي سيكون مليئاً بالمنعرجات والتعقيدات، خرج من دائرة خطر الوقوع في الفوضى وفقاً لما رأته مصادر جزائرية مطلعة، وقطع الطريق على مخاطر العبث بأمن الجزائر وأخذها إلى دوامة العنف الذي تتربّص له جماعات عديدة لها تاريخ طويل في الجزائر ومحيطها مع أعمال العنف، وهو ما قالت المصادر إنه كان موضع عناية الجيش ومقارباته للأزمة.
ملف إقليمي آخر حضر بقوة أمس، عبر زيارة الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني إلى العراق، وسط ترحيب شعبي وسياسي دفع العراقيين لاستذكار زيارة التسلل التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من وراء ظهر الدولة العراقية منتهكاً سيادتها، ويعبر جدول الأعمال المتشعب للزيارة التي تمت على إيقاع رفض عراقي رسميّ للمشاركة في العقوبات الأميركية على إيران، عن حجم الملفات والاتفاقيات السياسية والاقتصادية والخدمية والثقافية والسياحية ونوعيتها، التي ستكون على طاولة البحث بين المسؤولين الإيرانيين والعراقيين خلال الزيارة، والتي افتتحها الرئيس روحاني بالإعلان عن التحضير لإنشاء وتشغيل خط سكك حديد للنقل السريع بين عدد من المدن الإيرانية والعراقية منها طهران وبغداد والنجف ومشهد.
لبنانياً، طغت على المشهد الحكومي التباينات والسجالات المتصلة بتشكيل الوفد الحكومي إلى بروكسل والتغييب المتعمّد لوزير الدولة لشؤون النازحين عن مؤتمر يشكّل ملف النازحين عنوانه، تحت ذرائع رغبة الجهة الداعية، بينما الأمر يتوقف على قرار الحكومة المغيّبة عن القرار، أو على الأقل لقرار رئيس الحكومة الذي سيشارك بوفد يتولى تشكيله ويفترض أن يتم ذلك بالتشاور مع رئيس الجمهورية على الأقل، وبيده تحديد قوام الوفد الحكومي الذي سيرافقه بمعزل عن مشاركة الوزراء الذين وصلتهم دعوات من الجهة الداعية، والتي هي للحكومة أصلاً، أو لرئيسها بالتشاور مع رئيس الجمهورية كحد أدنى، الموافقة على مشاركتهم من عدمها، وأزمة وفد بروكسل إذا تمّ تجاوزها تبقى علامة على هشاشة الوضع الحكومي، بعدما كانت الاتصالات الرئاسية لا تزال تدور حوله تفادياً لاندلاع أزمة بين الرئاستين الأولى والثالثة.
ملفات الفساد المفتوحة هي الأخرى تتكفّل بما تبقى من التماسك الحكومي الذي عبّرت حالة انقطاع الجلسات الحكومية عن درجة تهالكه، كما عبر فقدان أي جدول أعمال جدّي للجلسات التي عقدتها الحكومة عن درجة الهريان والتفسخ التي تعصف بالحكومة، وكان لافتاً غياب ملف التوظيف من خارج القواعد القانونية عن جلسات الحكومة ومواقف رئيسها، خصوصاً مع الأرقام التي تكشفها جداول التوظيف في شركة أوجيرو بقرار من وزير الاتصالات قبيل الانتخابات النيابية، والتي تقارب الألف حالة توظيف غير قانوني بين أوجيرو وشركتي الخلوي.
النتائج صفر، هي المعادلة التي وصفت من خلالها مصادر متابعة الشهر الأول بعد نيل الثقة من عمر الحكومة، الذي ينتهي بعد أيام قليلة، دون أن تكون الحكومة قد وضعت جدول أعمال لجلسة واحدة تتناول القضايا الكبرى التي تشكل وعودها أو التحديات التي أعلنت عزمها على مقاربتها، ودون أن تشكّل لجنة وزارية واحدة للتصدّي لأي من هذه العناوين التي ينتظرها اللبنانيون، بما فيها الشؤون الخدمية الملحّة كأزمات الكهرباء والنفايات والنازحين.
يبدو أنّ التغييب القسري والمتعمّد لوزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب عن وفد لبنان إلى مؤتمر بروكسل 3 للنازحين السوريين لن يمرّ مرور الكرام في بعبدا، فرسالة الاعتراض والامتعاض التي وجّهها رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة عبر الوزير سليم جريصاتي، كانت كافية لدفع الرئيس سعد الحريري للبحث عن مخرج لهذا الأمر الذي قد يتسبّب بأزمة بين الرئاستين.
وأشارت معلومات الى أنّ «الحريري يمكن أن ينزع فتيل الأزمة عبر ضمّه الغريب الى عداد الوفد المرافق له للمؤتمر»، لكن مصادر «البناء» «نفت التوصل الى اتفاق بهذا الشأن حتى مساء أمس»، إلا أنّ جهة معنية بالملف، بحسب المصادر، فضلت الانتظار حتى اليوم للبناء على الشيء مقتضاه وقبل اتخاذ أيّ موقف.
واستغربت مصادر نيابية في 8 آذار تعاطي الاتحاد الأوروبي مع لبنان بهذه الطريقة غير اللائقة، كما استغربت موقف رئيس الحكومة وقبوله باستبعاد وزير في حكومته، وأشارت المصادر لـ «البناء» الى أنّ «الوزير الغريب هو المعني الأول بملف النازحين واستبعاده يرسم شكوكاً حول مشاركة الوفد ويؤكد وجود غايات مشبوهة في نتائج المؤتمر في ظلّ رفض أميركي أوروبي لأيّ سياسة حكومية جديدة لإعادة النازحين الى سورية واستمرار السياسة القائمة التي تؤدي في نهاية المطاف لإبقاء النازحين في لبنان»، وأوضحت المصادر أنّ «استثناء الغريب من الوفد هو استكمال للهجمة على زيارته إلى سورية»، وتساءلت: «لماذا وافق الحريري على تعيين الغريب وزيراً لشؤون النازحين إذا كان سيعترض على عمله وزياراته؟» وأكدت المصادر أنّ «رئيس الجمهورية وفريقنا السياسي لن يسمح بإعادة إحياء السياسات الحكومية الماضية لا سيما في أزمة النازحين ولا بتجميد عمل الحكومة».
أما اللافت فهو استنفار الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في لبنان قبيل الزيارة المرتقبة للرئيس ميشال عون إلى روسيا ما يؤشر الى محاولات للتشويش على الزيارة وعلى نتائجها، إلا أنّ مصادر معنية أشارت لـ «البناء» الى أنّ «زيارة رئيس الجمهورية الى موسكو قائمة ولن تؤثر الزيارات الأميركية الى لبنان عليه»، موضحة أنّ «الزيارة ستكون حاسمة في مسار حلّ أزمة النازحين إضافة الى تفعيل العلاقات الروسية اللبنانية على كافة الصعد لا سيما العسكرية».
وفي سياق ذلك، عُلم أنّ وزير الخارجية جبران باسيل لن يشارك في مؤتمر بروكسل، لكنه سيوفد مدير الشؤون السياسية في الوزارة السفير غدي خوري. كما لفتت مصادر وزارة الخارجية لقناة «أو تي في» إلى أنّ «باسيل لم يحضر أيّ نسخة من مؤتمرات بروكسل»، مشيرةً إلى أنّ «الخارجية لن تغيب عن المؤتمر وستقوم بالتنسيق مع رئاسة الحكومة بهذا الشأن».
وانتقد وزير الزراعة حسن اللقيس استبعاد الغريب وقال في حديث إذاعي: «كان بالحري أن يشارك الوزير صالح الغريب»، لافتاً الى أنّ «لبنان يعاني من وجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري وعلى الجميع التكاتف لإعادتهم الى بلادهم ولا تجب المزايدة في هذا الموضوع».
وبعد الزيارة الأولى للغريب الى سورية منذ تأليف الحكومة الحالية، يعتزم اللقيس زيارة دمشق، حيث أشار الى أنّ زيارته «تندرج في إطار تسهيل عملية تصدير المحاصيل اللبنانية الى الداخل السوري ومن خلال معبر نصيب الى الدول العربية». ودعا الى «عدم تسييس هذه الزيارة والنظر إليها كمسألة تقنية محضة تخدم مصلحة اللبنانيين»، موضحاً «ألا حاجة الى موافقة مجلس الوزراء على زيارات تقنية كهذه».
كما كانت لافتة الزيارة المفاجئة للحريري الى السعودية قبيل توجّهه الى بروكسيل، لا سيما أنها جاءت بلا موعد مسبق كما علمت «البناء»!
والتقى الحريري الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في قصر اليمامة في الرياض، وتمّ البحث في سبل تعزيز التعاون بين البلدين، ومستجدات الأوضاع في المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً، بحضور وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مساعد بن محمد العيبان، وزير الخارجية إبراهيم بن عبد العزيز العساف، المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، السفير السعودي في لبنان وليد بن عبدالله بخاري، والسفير اللبناني لدى المملكة فوزي كبارة.
لجنة المال
على صعيد آخر، واصلت لجنة المال النيابية اجتماعاتها في ساحة النجمة، حيث ركزت أمس على التوظيف في وزارة الاتصالات وأوجيرو. وأكد رئيسها إبراهيم كنعان بعد الاجتماع انّ اللجنة تثبّتت من الـ 453 شخصاً الذين وردوا في تقرير التفتيش المركزي وحوالى 50 في وزارة الاتصالات، موضحاً أنّ رئيس اوجيرو أجاب في اللجنة أنّ العقد مع أحد المستشارين «الذي هو في الوقت نفسه مدير في إحدى الشركات» لم يُعمل به وقد أنهي. وقال كنعان: «وردني أنّ هناك طلبات توظيف في وزارة ومؤسسة وسأخاطبهما وفق الأصول والإجراءات ستكون حاسمة والتوظيفات توقفت بأكثر من 80 بالمئة وأيّ حاجة تتحدّد بتقارير جدية ومسح شامل». وأعلن أنّ «الرئيس نبيه بري اتصل بي وقال لي إنه على رغم أنّ المجلس النيابي لا يخضع لمجلس الخدمة المدنية ولا للتفتيش المركزي، سيُخضع كلّ التعاقد والتوظيف في المجلس إلى لجنة المال والموازنة».
ونقل زوار بري عنه قوله لـ «البناء» ضرورة أن تخضع التعيينات الجديدة في مجلس الوزراء الى معايير الكفاءة لا التحاصص السياسي كما كان يحصل في السابق، كما أشار بري بحسب زواره إلى أنه يعتزم إعادة فتح النقاش حول موضوع قانون الانتخاب، إذ إنّ القانون الحالي لم يأتِ على قدر طموحات اللبنانيين، بل يجب استكمال ما أنجز في هذا القانون بإصلاحات جديدة نصّ عليها دستور الطائف عبر قانون يعتمد النسبة الكاملة ودوائر موسّعة تمهيداً لاعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة».
ريفي يعلن ترشيحه الخميس
الى ذلك، يبدو أنّ المعركة الانتخابية الفرعية في طرابلس قد بدأت، فبعد تصريحات الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري ضدّ خصومه السياسيين، ردّ النائب فيصل كرامي على الحريري في احتفال في طرابلس، وقال: «مَن تعامل مع حزب الله ويتعامل معه ومغطّى من حزب الله وأصبح رئيساً للحكومة بفضل حزب الله هو أنت وليس نحن. ومن غطّى الجيش اللبناني في معركته بعرسال مع الجيش السوري هو أنت وليس نحن، ومن أرسل سفير لبنان الى سورية وعيّن سفيراً في سورية هو أنت وليس نحن، ومن استجرّ طاقة وكهرباء ويدفع مالاً للدولة السورية هو أنت وليس نحن، ومن يجتمع بشكل دوري مع وزير الداخلية السابق والحالي مع أمنيين من حزب الله كلّ أسبوع هو أنت وليس نحن، ومن يجتمع أسبوعياً خارج إطار الحكومة مع حزب الله هو أنت ليس نحن».
إلى ذلك، وفي خطوة قد تخلط أوراق التحالفات أعلن الوزير السابق اللواء أشرف ريفي أنه سيعقد مؤتمراً صحافياً الخميس المقبل يعلن فيه ترشحه للانتخابات الفرعية في طرابلس.
وإذ نفت مصادر تيار الكرامة لـ «البناء» التحالف بين كرامي وريفي لفتت الى أنّ «مرشح جمعية المشاريع الخيرية طه ناجي لم يقرّر بعد ترشحه»، كما أشارت مصادر «اللقاء التشاوري» لـ «البناء» إلى أنّ «اللقاء سيدعم أيّ خطوة تقرّرها جمعية المشاريع»، بدورها نفت مصادر ريفي لـ «البناء» فرضية التحالف مع كرامي، مشيرة الى أنّ «ريفي يملك قاعدة شعبية واسعة في طرابلس وسيواجه تحالف المستقبل»، وأوضحت أنّ «ريفي يرفض احتكار طرابلس وتهميش القوى الأخرى، فالمرشحة ديما جمالي لم تفز في الانتخابات فلماذا إعادة ترشيحها؟» مشيرة الى أنه «لو قرّر المستقبل ترشيح النائب السابق مصطفى علوش لكان ريفي أعاد النظر بقرار ترشّحه»، فيما تشير مصادر «البناء» الى «انقسامات وفوضى تسود أوساط التيار الأزرق لا سيما في الشمال وتململ قواعده من قرار الحريري ترشيح جمالي».