الجيش الجزائري يدخل على خط الأزمة… ولافروف لضمّ السعودية لمسار أستانة
ساترفيلد يمهّد لبومبيو ويستبق زيارة عون لموسكو… ويحشد لدعم السنيورة
جلسة تشريعيّة اليوم في ظلال التجاذبات… وملف الفساد يربك الحكومة
كتب المحرّر السياسيّ – البناء
لم تهدأ الجزائر بعد إعلان حملة ترشيح الرئيس عبد العزيز لولاية خامسة عزمه على الانسحاب من السياسة والرئاسة خلال عام، فتواصلت الاحتجاجات والدعوات لمقاطعة الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً، وخرج الجيش الجزائري إلى العلن في بيان تلاه في مؤتمر صحافي رئيس الأركان الجنرال أحمد قايد صالح، آخر القادة الباقين من رموز الثورة والكفاح من أجل الاستقلال، والموصوف برجل الجزائر القوي، وفيما توجّهت المعارضة الجزائرية التي لا تملك كما تقول استطلاعات الرأي القدرة الانتخابية والسياسية للفوز بالرئاسة، إلى الجيش للتدخل منعاً للولاية الخامسة لبوتفليقة، ودعت إلى تفعيل فقرة الشغور الرئاسي في الدستور، حيث تنصّ المادة 102 من الدستور الجزائري على تولي رئيس مجلس النواب مهام رئاسة الجمهورية مؤقتاً في حال شغور منصب رئيس الجمهورية بانتظار تنظيم انتخابات رئاسية جديدة. وتعوّل المعارضة على دعم الجيش لهذا الخيار، بينما جاء كلام رئيس أركان الجيش غامضاً لجهة الوجهة التي سيسلكها، فيما رأته مصادر متابعة إبقاء الخيارات مفتوحة أمام الجيش بالاكتفاء بالإعلان عن دخوله على خط الأزمة، مؤكداً عزمه الحفاظ على الاستقرار، ومنع العودة لسفك الدماء والاضطرابات، داعياً الشعب لتحمل مسؤولياته في تفهم الظروف التي تمر بها الجزائر، وهو ما قرأته بعض أوساط المعارضة دعوة ضمنية لقبول عرض حملة بوتفليقة بالبقاء لمدة سنة والانسحاب بعدها من المشهد السياسي والرئاسي.
بالتوازي مع صعود المشهد الجزائري إلى الواجهة، بقيت التطوّرات الخاصة بسورية في صدارة الأحداث الإقليمية مع زيارة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف للدول الخليجية، والتي تمحورت على السعي لضم السعودية إلى مسار أستانة، عبر رسم معادلة قوامها، أن احتكار تركيا وإيران للمسار السياسي والأمني الإقليمي في سورية، ناتج عن الغياب العربي عن سورية، وفي ظل عدم امتلاك الجامعة العربية ودولها أوراق قوة تمكّنها من فرض حضورها أو تمكّن روسيا من فرضها، فإن التقرب من الدولة السورية وحده يشكل الطريق لدور عربي في المسار السياسي والأمني للوضع في سورية، داعياً لمقاربة عودة سورية للجامعة العربية ضمن هذا الإطار.
لبنانياً، مع إعلان وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو عن زيارة بيروت الأسبوع المقبل ضمن جولة عربية، كان مساعده ديفيد ساترفيلد يُنهي جولة زيارات ولقاءات تمهيدية لزيارة بومبيو، وقد ربطت مصادر متابعة بين زيارة ساترفيلد وجولاته تمهيداً لزيارة بومبيو، وبين عنوانين تعتبرهما واشنطن على صلة بالمواجهة التي تخوضها تحت عنوان منع تمدد نفوذ حزب الله، الأول هو الحؤول دون انفتاح لبنان على السعي للحصول على شبكة دفاع جوي، تعتبر واشنطن أن امتلاك لبنان لها يغير قواعد الاشتباك في المنطقة ويكسر التوازن الإقليمي بين «إسرائيل» ودول وقوى محور المقاومة، وتنظر واشنطن لطرح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لعرض إيراني بتزويد لبنان بهذه الشبكة أو السعي لبديل آخر، باعتباره فخاً على لبنان عدم الوقوع فيه، لأن الروس سيكونون أول من يبدي الاستعداد لتزويد لبنان بهذه الشبكة الدفاعية، التي ترفض واشنطن عرض ما يوازيها على الجيش اللبناني، وتكتفي بالتهديد بوقف التعاون العسكري معه في حال حصوله على السلاح الروسي، وخصوصاً في مجال الدفاع الجوي، وتقول المصادر إن ما قاله ساترفيلد همساً سيقوله بومبيو جهراً، عشية زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى موسكو، من أن واشنطن تحذّر لبنان رسمياً من البحث بالحصول على شبكة دفاع جوي روسية، بلغها أنها ستشكّل أحد مواضيع زيارة عون لموسكو، أما العنوان الثاني الذي تناوله ساترفيلد فكان ما وصفه وفقاً للمصادر ذاتها، بفتح حزب الله لحملة مكافحة الفساد لاصطياد رموز قوى الرابع عشر من آذار باعتبارها تحملت مسؤولية الملف المالي خلال أغلب الحكومات السابقة، مؤيداً ما قاله الرئيس فؤاد السنيورة على هذا الصعيد لجهة الاتهام السياسي لحزب الله باستهداف خصومه من هذا الباب، داعياً لعدم ترك السنيورة وحيداً، مخاطباً حلفاءه في قوى الرابع عشر من آذار، «لأنكم ستُأكلون جميعاً يوم يؤكل السنيورة»، وربطت المصادر بين كلام رئيس حزب القوات اللبنانية أمس دفاعاً عن السنيورة، وبين جلسته مساء أول أمس مع ساترفيلد.
ملف الفساد وتداعياته بدا مصدراً لفك وتركيب في المشهد السياسي، حيث أطلق مجموعة تجاذبات طغت بوضوح على علاقات المكوّنات الرئيسية للحكومة، رغم ما تلاها من توضيحات، لأن السلسلة ستستمر، فتكتل لبنان القوي يزمع تقديم مجموعة اقتراحات قوانين تتصل برفع السرية المصرفية عن السياسيين والمسؤولين والموظفين في الدولة يتوقع أن تثير حفيظة تيار المستقبل تحت شعار الحفاظ على جاذبية لبنان الاستثمارية التي توفرها السرية المصرفية، وفيما يعقد المجلس النيابي جلسة تشريعية اليوم تشهد عرضاً لمواضيع مالية، سيكشف النقاش حولها حال الإرباك الحكومي والسياسي، خصوصاً ما يتّصل منها بتمويل شراء الفيول بسلفات خزينة لحساب كهرباء لبنان.
حطّ المساعد الأول لوزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد في بيروت دون إعلان مسبق، في زيارة لافتة، حيث أشاد ساترفيلد بالحكومة اللبنانية، وأعرب عن أمل واشنطن أن تكون خيارات لبنان إيجابية ولمصلحته لا لصالح أطراف خارجية. وقال ساترفيلد: «لبنان أصبح له حكومة جديدة تتخذ قرارات حساسة تتعلق باقتصاد البلاد ومكافحة الفساد وبالمسائل الأمنية». وأضاف: «الولايات المتحدة ملتزمة بلبنان بشكل كبير، وتودّ أن تراه يتقدم ويواجه خياراته». وتابع: «سيتم التعامل من قبلنا ودول أخرى، حسب الطريقة التي سيتبنى من خلالها لبنان هذه الخيارات، التي نأمل أن تكون إيجابية ولمصلحة لبنان وشعبه وليس لصالح أطراف خارجية».
وكان ساترفيلد زار أمس، الرئيس سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل، بعدما كان التقى فور وصوله مساء أول أمس رئيس حزب القوات سمير جعجع.
ورأت مطلعة لـ»البناء» أن ساترفيلد هو أول مسؤول أميركي يزور لبنان بعد تشكيل الحكومة، مشيرة إلى أن واشنطن تريد تأكيد موقفها التحذيري للحكومة مما تسمّيه تنامي قوة حزب الله في لبنان، مضيفة ساترفيلد أبدى امتعاضاً مما سماه الاختلال في موازين القوى داخل مجلس الوزراء، مع تشديد المصادر على ان ساترفيلد أكد للرئيس الحريري أن الإدارة الأميركية لا تزال متمسّكة في الوقت عينه بتقديم المساعدات للجيش اللبناني. واعتبرت المصادر أن زيارة ساترفيلد قد تكون تحضيراً لزيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى بيروت للبحث في جملة ملفات تتصل بالعقوبات على حزب الله وترسيم الحدود البرية والبحرية.
وعلى خط مؤتمر سيدر، اشارت المصادر الى ان ساترفيلد ركز على الملفين الاقتصادي والمالي خلال اجتماعاته، وشدّد على ضرورة أن تلتزم الحكومة ما تعهدت به لجهة ضبط الهدر ومكافحة الفساد للحصول على مساعدات سيدر.
وبينما علمت «البناء» من مصادر وزارية أن ساترفيلد لم يطلب موعداً للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، هذا فضلاً عن انه لم يلتق الرئيس نبيه بري أمس، لوجود الأخير في الاردن، شددت المصادر على أن وجهة نظر الرئيس عون والرئيسين بري والحريري واحدة تجاه ملف ترسيم الحدود البرية وتثبيت حق لبنان في النقاط المتنازع عليها ولا سيما نقطة رأس الناقورة التي تشكل أساساً لترسيم الخط البحري وتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة. ورأت المصادر أن ملف النازحين الذي حضر في وزارة الخارجية تخلله تأكيد من الوزير جبران باسيل على ضرورة حله من خلال العودة الآمنة لا الطوعية ومن دون أي ربط بمسألة الحل السياسي.
إلى ذلك، عرض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسيبكين خلال استقباله له في قصر بعبدا، للزيارة الرسمية التي ينوي الرئيس عون القيام بها إلى روسيا في نهاية الشهر الحالي، وللمواضيع التي ستتم مناقشتها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمسؤولين الروس الذين سيلتقيهم. وأوضح زاسيبكين أن لزيارة الرئيس عون إلى موسكو أهمية كبيرة نظراً للعلاقات المتينة بين البلدين والتي ستتعزز أكثر خلال الزيارة.
ومن الأردن اعتبر رئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال حفل أقامته السفيرة اللبنانية لدى الأردن تريسي شمعون والجالية اللبنانية تكريماً له «أن ما يجمع بين البلدين علاقة مصلحية تنطلق من معبر نصيب عبر سورية والذي فتح رسمياً من طرف واحد بينما لا تزال حكومتنا تدفن رأسها في الرمل حتى الآن ولا تحادث سورية حول عودة النازحين والمعبر من لبنان فسورية والأردن والعراق والخليج وكذلك خطط إعادة الإعمار الخاصة بسوريا إضافة الى سبل تطوير العلاقات بين البلدين الشقيقين».
وأبلغ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وكيل الأمين العام والمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش موقف الكنيسة من عودة النازحين السوريين إلى بلادهم. وطلب البطريرك الراعي أن تتحمّل الأمم المتحدة مسؤولياتها تجاه لبنان وتقوم بواجباتها من خلال دعم عودة النازحين وتشجيعهم على هذه العودة بدلاً من العمل على إبقائهم في لبنان.
وفيما السجالات على أشدها حول الـ11 ملياراً. أكد وزير المال علي حسن خليل وجود فجوات ظهرت أثناء التدقيق بالحسابات وإعادة تكوينها. وأعلن خليل في مؤتمر صحافي أمس، أنه «بعد عمل طويل وشاق جداً استغرق سنوات، ومراجعة دقيقة للحسابات والأرقام من سنة 1993 وحتى اللحظة، تم إنجاز مشاريع قطع الحساب وحساب المهمة للسنوات السابقة وتمّت إحالة حسابات المهمة كاملة عن السنوات السابقة الى ديوان المحاسبة، كما أحيلت مشاريع قطع الحساب للسنوات السابقة لديوان المحاسبة والأمانة العامة لمجلس الوزراء مرفقة بكل المستندات». ولفت حسن خليل الى ان «حسابات المهمة ومشاريع قطع الحساب تعكس بشكل تفصيلي نتائج الحسابات.» وقال خليل: «لا نقبل أي اتهام لأحد من موظفي المالية خارج الأصول والمدير العام قام بواجباته وإذا تبين أي تقصير فالأجهزة الرقابية هي المولجة معالجة هذا الأمر». وأضاف: «أجهزة الرقابة والقضاء المختص ومجلس النواب لا يجب أن يتراجعوا عن محاسبة أي شخص ظهر مخالفاً في التقرير حول الحسابات».
في المقابل، تبنّت كتلة المستقبل المطالعة المالية والإدارية والسياسية التي قدمها الرئيس السابق فؤاد السنيورة في مؤتمره الصحافي، ودعت الى التعامل مع أرقامها ووقائعها بعيداً عن المزايدات والاصطفافات المعروفة، مؤكدة وقوفها الى جانب الرئيس السنيورة، و»دانت الحملات التي تستهدف النهج الاقتصادي والسياسي الذي يمثله مع كافة الذين نذروا أنفسهم لخدمة لبنان والدولة». ودعت الكتلة «الى الكفّ عن السياسات الكيدية، والى مقاربة الاختلافات في وجهات النظر من منطلق الحرص على المصلحة الوطنية، وتجنيب البلاد المزيد من التخبط في السجالات والمعارك التي لا طائل منها.»
وبالتوازي، شدّدت مصادر نيابية في تكتل لبنان القوي لـ»البناء» على ضرورة وقف السجال حول الحسابات المالية في الإعلام، مشيرة الى ان هذا الامر يجب ان يحل تحت سقف المؤسسات الدستورية والقضائية. لافتة الى ان السجالات الحاصلة قد توتر الأجواء وتخلق أجواء عكسية وتعطل الإصلاح المنشود، مشددة على ان الاحتكام الى المؤسسات يبقى الخيار السليم بعيداً عن توجيه الاتهام السياسي بملف الحسابات المالية لأحد.
وأكد رئيس تكتل لبنان القوي الوزير جبران باسيل أن تكتّل لبنان القويّ يطرح قوانين لتكون بمثابة الذراع القوي لمكافحة الفساد، من بينها قانون رفع السرية المصرفية وقانون رفع الحصانة وقانون استعادة الأموال المنهوبة. وقال باسيل: «نحن أمام ورشة تشريعية والقانون الأول الذي نقترحه هو قانون رفع السرية المصرفية الذي وقعه عشرة نواب من التكتل ونتقدم به اليوم.»
الى ذلك، تعقد في ساحة النجمة جلسة عامة، بدعوة من رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم وغداً نهاراً ومساء، لانتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ودرس وإقرار مشاريع واقتراحات القوانين المدرجة على جدول الأعمال.
ومع ذلك لفتت مصادر نيابية لـ»البناء» الى ان التعويل على عمل المجلس السابق الذكر في غير محله، لا سيما أن الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لم يقم بدوره في السنوات الماضية على الإطلاق، وبالتالي بقي انتخابه شكلياً، مع أمل المصادر نفسها ان يخرج هذا المجلس من التعطيل الممنهج، ويمارس صلاحياته القانونية والدستورية، لا سيما أن جميع المكونات أجمعت راهناً على محاربة الفساد وتحقيق الاصلاح. ولفتت المصادر الى عقبات تحول دون قيام المجلس بدوره لجهة أن قرار الاتهام لا يجوز أن يصدر إلا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس النيابي، فضلاً عن أن قرار الإدانة يحتاج إلى تأييد عشرة أصوات من أصل خمسة عشر.