صحيفة الأخبار
تحمل زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، لطهران، ولقاؤه كبار المسؤولين هناك، وعلى رأسهم المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، رسائل متعددة، يمكن إيجازها بما أوضحه الأخير بقوله: «إن هوية المقاومة وقوتها تعتمدان على التحالف الاستراتيجي لسوريا وإيران»
بعد أسابيع قليلة على توقيع سوريا وإيران «مذكرات تفاهم استراتيجية» تصوغ مسار العلاقة الاقتصادية المستقبلية بين البلدين، وصل الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى طهران أمس، في زيارة (غير معلنة مسبقاً) تضمّنت لقاءين منفصلين مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، إلى جانب عدد من مستشاريه ومعاونيه، ومع الرئيس حسن روحاني، فيما شهد اللقاءان حضوراً لافتاً لقائد «فيلق القدس»، قاسم سليماني.
هذه الزيارة، الأولى للأسد التي يقوم بها لإيران منذ عام 2010، جاءت في توقيت حسّاس تحضر فيه تحديات إقليمية ودولية متشابكة، وتبرز فيه علاقة طهران ودمشق عنصراً مهماً في جميع تلك التحديات. وفي إطارها العام، وضمن سياق التصريحات التي رشحت عنها، تُرسخ الزيارة مفهوم «العلاقات الاستراتيجية» التي تجمع الطرفين، غير المبنية على توافقات مرحلية. كذلك، تدلّ طبيعتها غير الرسمية، وتخطيها قواعد البروتوكول، على ماهية الحلف القائم بينهما.
ولعلّ أبرز ما تطرّقت إليه الزيارة، في إطار التعاون الاستراتيجي، الموقف المشترك الرافض للمشاريع الأميركية المتجددة في سوريا. وهو تحدٍّ ينخرط فيه الطرفان على كل المستويات، الميدانية منها والسياسية. فخلال استقباله الأسد، رأى خامنئي أن «مفتاح النصر في سوريا، وهزيمة الولايات المتحدة الأميركية ومرتزقتها في الإقليم، هو الرئيس السوري وعزيمة الشعب ومقاومته»، مضيفاً أن «هوية المقاومة وقوتها تعتمدان على التحالف الاستراتيجي لسوريا وإيران، الذي من شأنه إفشال تنفيذ خطط الأعداء». وأكد أن «المنطقة العازلة» المقترحة في شمال شرق سوريا «واحدة من المؤامرات الأميركية الخطيرة التي يجب رفضها ومقاومتها بشدة»، إلى جانب خطط الولايات المتحدة لتثبيت «وجود مؤثر» على الحدود السورية ـــ العراقية. ويأتي هذا الموقف الداعي إلى «مقاومة ومعارضة» مشتركة لمشاريع واشنطن في الشرق السوري، في وقت يشير فيه كلّ من تراجع واشنطن عن قرار «الانسحاب الكامل» من سوريا، وتعزيز قواعدها العسكرية في غرب العراق، إلى رجحان مقاربة الجناح الأميركي المعوّل على مواجهة إيران ومحاولة تحجيم نفوذها. وسيكون لتمتين التعاون السوري ـــ الإيراني الدور الرئيس في التصدي لتحديات تلك المرحلة. وكان لافتاً، في سياق الضغوطات الدولية على طهران وإعادة التفاوض حول «الاتفاق النووي»، أن الدول الأوروبية أصرّت خلال نقاش الانسحاب الأميركي من سوريا، على أن الفراغ هناك سيسمح بتعزيز النفوذ الإيراني.
أكدت الزيارة أن دمشق لن تقدم «تنازلات» لتنشيط علاقاتها مع المحيط العربي
ولا ينفصل أي جهد أميركي في هذا السياق عن النشاط الإسرائيلي على مدى السنوات الفائتة، ولا سيما الاعتداءات المباشرة على الأراضي السورية. واللافت أن زيارة الأسد أتت قبل يومين فقط من لقاء (مؤجّل سابقاً) بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وهو لقاءٌ أكد الأخير أن ملف «الوجود الإيراني» في سوريا سيكون على رأس أجندته. وأتت هذه الزيارة لتعزّز ما قاله الطرفان السوري والإيراني غير مرة من أن الضغوطات الإسرائيلية لا يمكنها كسر التحالف القائم على أسس شرعية وعلى «عمق استراتيجي».
كذلك، حملت الإشارة اللافتة في اللقاء إلى «مرتزقة أميركا في الإقليم» بعداً مهماً، بالنظر إلى الظروف الإقليمية المحيطة بسوريا. فقد حاولت بعض الدول العربية الباحثة عن عودة العلاقات مع دمشق تسويق تلك العودة باعتبارها «محاولة عربية لانتشال سوريا من الحضن الإيراني»، مراهِنة على «حاجة دمشق إلى كسر العزلة السياسية». وأتت هذه الزيارة لتؤكد أن الجانب السوري ليس في وارد تقديم «تنازلات» بهدف إعادة تنشيط علاقات سياسية مع المحيط العربي، ولا سيما في ما يخصّ تحالفاته مع الدول الصديقة مثل إيران. وتشير إلى أن الضغوطات الأميركية على الدول العربية لإبطاء الانفتاح على سوريا سيقابل بتعزيز التعاون السوري ــ الإيراني.
وإلى جانب التحديات الإقليمية والدولية المشتركة، تؤدي إيران دوراً رئيساً في رعاية مسار «الحل السياسي» وفق صيغة «أستانا/ سوتشي»، وهي معنية بشكل رئيس بنقاش مصير إدلب ومحيطها ضمن إطار التعاون مع تركيا وروسيا. وفي هذا السياق، أكد الجانبان السوري والإيراني أهمية استمرار «التعاون للقضاء على الإرهاب نهائياً». ووضع روحاني، الأسد، في صورة لقاء سوتشي الأخير، وتوافقا على أن أي خطوة مقبلة في هذا الإطار يجب أن «تحفظ وحدة الأراضي السورية واستقلالها وسيادتها».